مصر في معرض للوثائق العثمانية

من بينها فرمان سلطاني بشق قناة السويس

من مظاهر العرس في مصر عام 1895 («الشرق الأوسط»)
TT

نظم المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة أخيرا بالتعاون مع مركز أبحاث التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في تركيا (إرسيكا) ندوة دولية بعنوان «مصر في العصر العثماني». وعلى هامش الندوة التي استغرقت خمسة أيام، عرضت مجموعة نادرة من الوثائق العثمانية في معرض خاص حمل اسم «مصر في الوثائق العثمانية» ضم أكثر من 80 وثيقة ومخطوطة وصورة وخارطة تغطي فترة الحكم العثماني لمصر الذي استمر لنحو ثلاثة قرون (1517 ـ 1914) تراوح فيها النفوذ السياسي العثماني بين القوة والضعف. وكان من بين مخطوطات المعرض نص فرمان عثماني أصدره السلطان سليم الثاني (1566 ـ 1574) صادر في 17 يناير 1568 (كانون الثاني)، يشير إلى ضرورة شق قناة تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط قبل قناة السويس التي بدأ شقها والعمل فيها فعليا في القرن التاسع عشر وافتتحها الخديوي إسماعيل (1830 ـ 1895) في احتفال كبير عام 1869. كما تضمن المعرض مخطوطا يرجع تاريخه إلى عام 1573 موجها إلى حاكم مصر ومسؤول الخزانة آنذاك من اجل إرسال الأموال اللازمة لتعمير الكعبة المشرفة وقنوات المياه في مكة المكرمة. ومن أبرز المخطوطات التي اهتم بها المعرض وتمثل انعكاسا للسياسة العثمانية الرسمية في مصر إبان القرن السابع عشر مخطوط يحوي تعميما من حاكم مصر والذي كان محمد باشا حينذاك (1723 ـ 1726) إلى مسؤولي البيروقراطية العثمانية، فيه عدة نقاط تدور حول السياسة العامة منها: ضرورة العمل على تعايش الأهالي مع بعضهم البعض في مصر والحفاظ على الأمن والاستقرار، وضرورة أن يتصرف الملتزمون وموظفو الدولة بالقانون والنظام عند جباية الضرائب. وضرورة عدم إيذاء الأعيان والأشراف في مصر أو إلحاق الظلم بهم. وضرورة التعامل بالحسنى مع القبائل والأمر بضرورة تطبيق العدالة والقوانين بشكل تام في كل مكان وكل أمر. وضم المعرض كذلك مخطوطة تحوي خطاب شكر من محمد علي إلى السلطان العثماني يعود تاريخها إلى عام 1840 بسبب منح الأول لقب الخديوية المصرية. كما ضم المعرض صور للبورصة في الإسكندرية، وصورا لمدينة القاهرة وبعض مساجدها ومقاهيها، والمتحف المصري، ونماذج من احتفالات المصريين بالأعراس والأعياد وقوافل الحج، إضافة إلى بعض الخرائط التي توضح حدود الدولة المصرية. وحول المعرض قال د. يوسف صاريناى مدير عام دور المحفوظات التركية أن مصر ظلت عهودا طويلة تحت الحكم العثماني، ولذلك يلعب الأرشيف العثماني دورا مهما في كتابة تاريخ مصر الحديثة، مشيرا إلى أن هذا المعرض الذي أعدته المديرية العامة لدور المحفوظات يستهدف إلقاء الضوء على ماضينا وتاريخنا المشترك.

وكان المؤتمر قد شهد مناقشات واسعة حول الوجود العثماني في مصر على كافة المستويات، في محاولة لدراسة هذه الفترة بروح منهجية وواقعية بعيدا عن القراءات الكلاسيكية لهذه الفترة التي وصفت تاريخ مصر في ذلك العصر بأنه عصر الانحطاط والاضمحلال والظلامية. وبدا المؤتمر عبر مناقشاته وقراءاته للواقع المصري آنذاك بمثابة محاولة لرد الاعتبار للوجود العثماني في مصر، حيث اعتبر بعض المؤرخين المشاركين في جلسات المؤتمر أن بناء مصر الحديثة في عصر محمد علي لم يكن ليتحقق دون وجود قاعدة اقتصادية واجتماعية وثقافية تسمح له بذلك. فضلا عن تركز دراسة المستشرقين على فترتي الحكم المملوكي وعصر محمد علي حينما كانت مصر قوة إقليمية وليست مجرد ولاية تابعة، الأمر الذي ساهم في تجاهل المستشرقين لهذه الفترة الهامة من تاريخ مصر. ورأى بعض المؤرخين أن الفترة العثمانية رغم طول مدتها وكثرة وثائقها إلا أنها ما زالت تعاني من التجاهل رغم الحاجة إلى إعادة اكتشافها وقراءتها من جديد.

يذكر أن مركز الأبحاث التركي «إرسيكا» قد تأسس في عام 1980، وكان تاريخ الشعوب الإسلامية واحدا من المجالات التي تركزت عليها أعماله وفعالياته، وظهرت نتائج ذلك في اتجاهين هما المطبوعات والمؤتمرات. إذ يقوم المركز أيضا إلى جانب نشر المطبوعات المعدة في هذا المجال بنشر الأبحاث التي يتم تقديمها خلال تلك المؤتمرات. ومن بين المناطق التي تركزت عليها المؤتمرات التي عقدها المركز في مجال التاريخ والحضارة الإسلامية بمنطقة جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى ومنطقة الفولغا أورال والقوقاز والبلقان والشرق الأوسط ومنطقة شرق أفريقيا وغربها.

وكان المركز المذكور قد عقد مؤتمرا مماثلا في سورية عام 2005 تناول بلاد الشام في العهد العثماني حيث تركز على دراسة التركيبة الاجتماعية والحياة الثقافية والعلمية التي عاشتها بلاد الشام إلى جانب تاريخ المنطقة من عدة أوجه.