لوحتان لبيكاسو بين المتاحف والملاك الأصليين

في نزاع قضائي تأخر 74 عاما

TT

في يوم ربيعي في برلين بعد شهرين من صعود هتلر. الوقت هو أواخر مارس(آذار) 1933، حينها اتصل رجل بتاجر اللوحات غوستاف نوير، لتوظيفه.

الرجل اسمه بول فون مندلسون بارثولدي، وهو مصرفي من عائلة يهودية ثرية من العاملين في المجالات المالية ورعاية الفنون. يعرف الهر مندلسون بارثولدي (58 عاما) في مختلف انحاء برلين، بل وفي مختلف أنحاء اوروبا، بتشكيلته الرائعة من اللوحات الانطباعية والحديثة المعلقة في بيته في ألنستراشه وفي فيلا العائلة خارج المدينة.

وحدث في ذلك اليوم من شهر مارس عام 1933 أن قام الهر مندلسون بارثولدي بارسال خمسة من أعمال بيكاسو الى سويسرا، حيث ستوضع في مستودع خاص لحفظها، وستبقى هناك بأمان لفترة سنة بكاملها الى أن يقرر المصرفي بيعها، وهو قرار سيتسبب في رفع دعوى قضائية ضده بعد 74 عاما.

وتلك الدعوى، التي رفعت في الشهر الحالي في المحكمة الفيدرالية لمنطقة مانهاتن، تضع وريثا لعائلة مندلسون بارثولدي ضد مؤسسة سولومون غوغنهايم ومتحف الفن الحديث. والوريث يوليوس شويبس، وهو حفيد واحد من شقيقات بول فون مندلسون، ادعى أن اثنتين من لوحات بيكاسو، هما «طاحونة غاليت» Le Moulin de la Galette عام 1900 و«صبي يقود حصانا» Boy Leading a Horse عام 1906، بيعتا تحت التهديد خلال فترة النظام النازي، وبالتالي فانها تعود اليه.

وزعم المتحفان، اللذان يعرضان اللوحتين منذ ما يزيد على 40 عاما، انهما لم تكونا، على الاطلاق، جزءا من صفقة بيع قسري وطلبا من المحكمة الاعلان عن انهما المالكان الحقيقيان.

وتعني الدعوى القضائية أشياء كثيرة بالنسبة لأناس كثر منها ان ينظر اليها على انها قصة على هامش قصة بيكاسو، أو خلاف آخر في عالم الفن أو يمكن رؤيتها كمثال على تعاضد المتاحف للفوز بإقرار قانوني بأنها تمتلك أعمالا مثيرة للنزاع. ولكن بسبب البحث الواسع من جانب المتحفين لتأكيد مصدر ملكية الأعمال الفنية، فان الأمر يرتبط أيضا بلمحة تفصيلية منمقة ومميزة في حياة عائلة بروسية يهودية ارستقراطية في لحظة أفولها.

وعلى خلاف الكثير من اليهود الأوروبيين عاشت عائلة مندلسون بارثوليدز بترف منذ عام 1795 عبر تأسيس بنك العائلة الخاص الذي حمل اسم «مندلسون أند كومباني». وكان هناك مفكرون وفنانون في العائلة وخصوصا الفيلسوف موسيس مندلسون والمؤلف الموسيقي فليكس مندلسون، على الرغم من أنه عند بداية القرن العشرين عرفوا بصورة افضل من خلال عملهم في المجالات المالية وحب الخير، وبتكريمهم الى مصاف الأرستقراطية على يد القيصر ويلهلم الأول.

باتباع التقاليد، أصبح بول بارثولدي مشاركا في ملكية البنك عام 1908، بعد وفاة والده. و بعد أن انتهى زواجه المبكر بالطلاق وفي عام 1927 تزوج ثانية بفتاة من عائلة ارستقراطية اسمها ايلزا بغويلهين ولاحقا أصبحت تدعى الكونتيسة كسلستات.

وعلى طريقة الرجال الأثرياء الذين يتزوجون بنساء صغيرات في السن، قدم لزوجته الزا هدية العرس: مجموعته الفنية. وتركها لها في وصيته، وبذلك جعلها المالكة لكل ممتلكاته بينما قام هو بالانفاق على اخواته الاربع.

توفي بول فون مندلسون بارثولدي بسبب ضعف القلب في مصحة ببرلين يوم 10 مايو(أيار) 1935، وتجمعت أرملته وأخواته في الريف مع محامي الاسرة حيث قرأت الوصية واتضح أن المتوفى كان ثريا جدا وهذا امر لم يدهش أحدا من الحاضرين.

فإضافة إلى المدخرات التي تصل في حساب اليوم 684 ألف دولار هناك الفيلا والبيت الكبير في برلين وعقار على أراض القصر الملكي وأملاك في هولندا وبلجيكا وانجلترا وهناك أعمال فنية غير لوحات بيكاسو التي بيعت في تلك السنة إلى غاليري في ميونخ.

وعرض صاحب الغاليري جستين ثانهاوسر اللوحتين لفترة قصيرة في بوينس آيرس ثم احتفظ بلوحة طاحونة الغاليت لنفسه بينما باع لوحة «صبي يقود حصانا» للاميركي ويليام بالي مؤسس سي بي إس.

ولا تقول الدعوى المثارة أي شيء حول ما دفعه أي من هذين الرجلين ثمنا للوحتين، مع ذلك فإن أيا منهما ستباع بملايين الدولارات اليوم. لا يحتاج المرء الى تصور حجم الإساءة التي لحقت بإيلزا بعد وفاة زوجها وتجسدت من خلال الدعاوى القضائية التي رفعت ضدها؛ ففي عام 1938 أجبرت على بيع البيت في السنتراس للسلطات كي يتمكن المعماري النازي البرت سبير من بناء مكتب. وفي عام 1943 أجرت الفيلا لسويسرا التي عاش سفيرها مع إيلزا وزوجها الجديد الكونت فون كسلستات من النمسا. وبعد عامين هرب الزوجان إلى سويسرا خوفا من جيوش ستالين.

وآنذاك هرب ثانهاوسر، صاحب الغاليري، آخذا معه لوحة «طاحونة غاليت» في جولة بالمنفى. ذهب أولا إلى باريس ثم سويسرا وأخيرا وصل إلى نيويورك. وفي عام 1963 أعطى اللوحة لمتحف غونهايم وفي السنة اللاحقة أعطى لوحة «صبي يقود حصانا» إلى متحف الفن الحديث. أما بالنسبة للكونتيسة فهي عاشت طويلا في سويسرا وتوفيت عام 1986 في بيتها باسكونا. واختفت شركة مندلسون حيث تمت مصادرتها خلال الحرب العالمية الثانية على يد البنك الألماني، وفي عام 1968 تسلمت العائلة تعويضا من الحكومة الألمانية قيمته 19000 دولار بحساب اليوم.

* خدمة «نيويورك تايمز»