متنافسات عدن إلى قراهن الخالية إثر الحرب حاضنات حلم النجاح والبناء

العارضة أليك ويك تشعل رغبة السودانيات في الشهرة والهرب من الأوضاع الدامية

TT

بعد ظهر يوم مترب في هذه المدينة الحدودية، كان الجنود يجلسون كسالى تحت الاشجار والماعز تتجول في طرق غير معبدة، وخارج مركز مؤتمرات وحيد في جوبا، يوجد مكان اسمه «هوم اند اوايش» كانت بعض الفتيات الضاحكات يتمرن على السير بأحذية بكعوب عالية على منصة العرض تحت الشمس.

وفي اشارة صغيرة على ان السلام والحداثة بدأت في الانتشار في هذه المنطقة التي شاهدت اطول الحروب الاهلية في افريقيا، تجرى بروفات لأول انتخاب لملكة جمال في جنوب السودان. وقالت واحدة من منظمات الحفل وهي تمشي بطريقة جذابة: «عندما نلتف سنسير مثل ذلك». من بين المشاركات اداك بول، التي هربت ذات مرة من تساقط القنابل عليها بالقفز في خندق، واوار رينغ نشأت في مخيم للاجئين في كينيا وكانت ترتدي «تي شيرت» عليه عبارة «الحب الى الابد»، وكانت تقف بنفس وقفة السوبر موديل اليك ويك.

كانت الفتيات اللائي وصلن للدور النهائي 10، يسرن بملابس مستعملة ويرتدين لؤلؤا بلاستيكيا، مثل غيرهن من المشتركات في مسابقات ملكات الجمال.

وكانت هناك لافتة عليها عبارة «هل تعتقدين انك تملكين الموهبة؟»، الجواب كان واضحا. فقد كانت المشتركات في المسابقة على ثقة من قدراتهن ومن مواصفاتهن.

تقول اداك بول البالغة من العمر 24 سنة «ارى انني في غاية الجمال. لدي بشرة لطيفة واسنان بيضاء جميلة، واعرف كيف اتحدث بطريقة جيدة. وكنت ارغب في القيام بذلك لكي اظهر لباقي الفتيات في قريتي انهن يمكنهن القيام بذلك ايضا ـ وهذه الاشياء تحدث في العالم كله وهن الأخريات يمكنهن القيام بها». وتتميز المسابقة بطابع تقليدي، حيث على المشاركات التقدم امام لجنة التحكيم بملابس للنهار واخرى للمساء، على سبيل المثال، إلى جانب الظهور بالملابس التقليدية على أن يكون الشعر طبيعيا بدلا من الشعر «المفرود» بالمواد الكيماوية. وبالرغم من ان السودانيات يتميزن بطول القامة والرشاقة، فإن الاجسام واضحة المعالم مرغوبة طبقا لما قاله المنظمون. كما ان استخدام كريمات تفتيح البشرة مرفوض.

وتجدر الاشارة الى ان كريمات تفتيح البشرة منتشرة على نطاق واسع في غوبا، وهي ممارسة ترجع الى احتلال الحكومة ذات السيطرة العربية على هذه البلدة في الجنوب السوداني. وتستخدم الجنوبيات اللائي تتراوح الوانهن من الشوكولاتة الى الاسود، مثل هذه الكريمات في محاولة لإرضاء ما يفضله الرجل العربي الافتح لونا. ولكن الآن كما يقول ايفانز مانديه مؤسس جمعية فناني جنوب السودان «نفخر بجمالنا. وبالرغم من ان الحرب دمرت الكثير، فيمكننا على الاقل عرض بعض من ثقافتنا».

ما يترتب عن هذا النوع من المسابقات معروف؛ فالفائزة تشارك في المسابقات الاكبر حول العالم. وكانت مسابقة ملكة جمال جنوب السودان قد عقدت في نيروبي قبل عامين، ولكن مانديه قال ان الفكرة كانت دائما نقل المسابقة الى الوطن بعد انتهاء الحرب عام 2005.

وقد واجهت المسابقة الكثير من العقبات بما فيها الافتقار للطرق والكهرباء ومكان مناسب لعقد الفعالية. ولكن في العامين الماضيين بدأ جنوب السودان يسترد نشاطه، خصوصا مع بدء عودة العديد من اللاجئين، الذين يقدر عددهم بعشرات الألوف، ومن بينهم عدد من المشاركات في المسابقة، الى بلادهم لإعادة بناء قراهم والمدن التي كانت خالية خلال الحرب. ويوجد في جوبا العاصمة الاقليمية للجنوب سوق مسور بسور خشبي ووزارات حكومية في مبان سابقة التجهيز. بل ان هناك فندقين بالاضافة الى قاعة مؤتمرات من طابقين.

وتجمعت قبل فترة عشرة من اللائي وصلن للمرحلة النهائية لعمل بروفة حوالي الساعة الخامسة مساء. وقالت أداك انها قررت المشاركة لعدد من الأسباب، بما في ذلك رغبتها في الهروب من مصير الكثير من الفتيات هنا. وقالت أداك ان الناس في القرية يحتفظون بالبنات بغرض الحصول على الأبقار التي تقدم كمهر للزواج، وقالت انها لا تريد ذلك وترغب في ان تصبح عارضة أزياء. أداك، التي كانت والدتها مقاتلة في صفوف المتمردين خلال الحرب، نشأت في قرية بالقرب من مدينة رومبيك، وقالت انها عندما كانت طفلة كانت تهرب إلى الغابة المجاورة من شدة القتال، كما سقطت في احدى المرات قنبلة بالقرب من الخندق الذي كانت تحتمي به. انتقلت أداك إلى نيروبي للإقامة مع بعض أفراد الأسرة الذين كانوا قد فروا مسبقا من الجنوب، لكنها انتقلت في الآونة الأخيرة إلى مدينة جوبا، حيث تقيم مع والدتها في معسكر للجيش. وتقول أداك إنها فخورة بأن تكون جنوبية وفخورة جدا بأن تكون افريقية، وأضافت انهم كأفارقة كثيرا ما يعيشون حياة صعبة، لكنهم قادرون على ذلك. اما آوار رينغ، فقد قالت انها قررت ان تتنافس في المسابقة لكي «تمثل جنوب السودان وتصبح حسناء سوداء»، لكنها تأمل ايضا في ان يوفر لها الفوز فرص العمل والمال. قتل والد آوار خلال الحرب وتوفيت والدتها في الآونة الأخيرة في معسكر للاجئين في كينيا ووجدت نفسها تواجه مسؤولية رعاية شقيقاتها وأشقائها. وتقيم آوار الآن في خيمة وتحصل على المال من عملها في تضفير شعر العرائس، وتقول انها تأمل إذا فازت في المسابقة، في العمل على مساعدة الجنود الجرحى والأرامل اللائي قتل أزواجهن في الحرب. وتقول منافسة أخرى انها ترغب في مساعدة الأطفال المتسولين في شوارع جوبا، فيما تقول أخرى انها تريد المساعدة في إنهاء السياسة القبلية، فيما قالت أخرى انها فقط تحب الموضة. في الأخير ظهرت منظِمة المنافسة، وهي سودانية تضع نظارات شمسية ماركة غوتشي، وجهت المتنافسات لكيفية المشي والوقوف في فناء المكان وأيديهن على مفصل الورك. كان هناك إحساس بالترقب والقلق مرسوما على وجوه المتنافسات. تقول ديبورا ويليام، 20 سنة، انها تشعر بالتوتر، فيما قالت صديقتها مارغريت كومبا، 18 سنة، انها لم تنم جيدا لبضعة أيام بسبب التفكير في هذا الحدث الكبير.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)