مصر تؤمِّنُ متاحفهَا ضد السرقة

عشوائية التنقيب وفوضى الاتجار.. والإهداءات تسببت في ضياع العديد من القطع النادرة

المتحف المصري في القاهرة
TT

مِنْ منا لا يذكر تمثال رأس نفرتيتي أو حجر رشيد الذي خرج من مصر ايام الحملة الفرنسية أو ذقن أبو الهول الموجود حاليا في المتحف البريطاني أو القطع الفرعونية التي تشغل مكانة بارزة في المتاحف العالمية؟ كل تلك القطع خرجت من مصر بحوزة المكتشفين أو تجار الآثار في بدايات القرن العشرين أو عن طريق الإهداء. فعلى مدار قرابة 85 عاماً، شهدت المواقع الأثرية المصرية أعمال تنقيب واسعة سواء من الأجانب أو المصريين أنفسهم، حتى اتسمت هذه الأعمال بالفوضى التي أطلق عليها الأثريون لاحقا «فوضى التنقيب». وصحبت حركة التنقيب ايضا حركة أخرى انتقلت فيها القطع الاثرية النادرة وغير الموثقة في سجلات هيئة الآثار من مالك لآخر أو ظلت في حوزة آباء وأجداد المنقبين. وزاد على ذلك اختفاء قطع أثرية من المتاحف المصرية على مدى السنوات العشر الاخيرة.

وللحد من حجم الخسارة التي يشهدها قطاع الآثار المصرية، فقد قام المسؤولون في هيئة الآثار المصرية بتطبيق نظام حديث لحماية المتاحف المصرية والحفاظ على ما تضمه من كنوز نادرة.

وحسب المسؤولين في هيئة الآثار المصرية، فإن عملية التأمين الحالية التي تعتمد على أحدث التقنيات العصرية للمتاحف الأثرية والمخازن المتحفية تضمن عدم حدوث عمليات سرقة.

ويؤكد مسؤولو الهيئة أن عمليات التأمين تتبع نظم حماية جيدة للمتاحف والمخازن وفق ما هو متبع في المتاحف العالمية، وهو نظام يعتمد على استخدام نظم المراقبة الالكترونية الدائمة فضلا عن المراقبة التي يقوم به مسئولو الأمن والشرطة بالمتاحف والمخازن.

وقال الدكتور زاهي حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إنه يجري حاليا إقامة 19 متحفا جديدا بمختلف المحافظات تخضع للمراقبة الالكترونية الشاملة، مشيرا الى الانتهاء من جرد أكثر من 70% من مخازن الآثار المنتشرة في مصر، والتي لم يتم جردها منذ 50 عاما، مما تسبب في عدم تصنيف مقتنياتها.

وأوضح أنه لأول مرة في وزارة الثقافة يتم بناء 33 مخزنا متحفيا في أرقى مستوى في كل المحافظات، ومزودة بأجهزة مراقبة الكترونية ومعمل للترميم وبنظام دقيق لتسجيل الآثار، فضلا عن الحراسة الدائمة علي مدار الساعة، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات تساهم بشكل فاعل في القضاء على أية محاولات لسرقة الآثار وتهريبها. يذكر ان قانون رقم 117 لحماية الآثار الذي صدر عام 1983 حسم وقتها فوضى التنقيب وعشوائية بيع الآثار، ومعها الاهداءات التي كانت الاثار تخرج عن طريقها بطرق شرعية. المعروف انه في فترة من الفترات كان من المسموح بيع القطع الاثرية في جميع المتاحف المصرية لدرجة دفعت القائمين على أمر الآثار إلى تخصيص قاعة بالمتحف المصري بالتحرير لبيع القطع الأثرية الى أن أوقف ذلك القانون العام 1983. ومنذ صدور القانون آنذاك توالت النداءات من وزارة الثقافة بتسليم تجار الآثار التي حصلوا عليها في شكل الحوزة ورثا عن الآباء والأجداد، للقطع التي بحوزتهم تفاديا لمساءلتهم القانونية، وأن يتم ذلك التسليم بالتراضي بين الطرفين مقابل تعويضهم عن القطع الأثرية بمكافآت مجزية.

ومن بين الحالات التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة في هذا السياق، تلك التي قام أصحابها بتقديم ما بحوزتهم من آثار إلى الجهة المسؤولة «هيئة الآثار». واكتفى مقتنوها بأن تسجل أسماؤهم في المتاحف المصرية فضلا عن تقديمهم أندرَ القطع الأثرية التي قاموا بالتنقيب عنها بأنفسهم.

إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه بين فوضى التنقيب وإقبال ورثة التجار على تسليم هيئة الآثار آلاف القطع الأثرية، على الرغم من حصولهم عليها قبل صدور القانون في الوقت الذي كان يسمح فيه العرف آنذاك بقيام أي طرف بالتنقيب عن الآثار وبيعها وإهدائها لمن يشاء: لماذا حرص هؤلاء التجار على تسليم الهيئة ذلك الكنز الذي لا يقدر بثمن، في الوقت الذي تحملوا فيه عناء التنقيب والبحث في باطن الأرض؟

رئيس قطاع الآثار المصرية صبري عبد العزيز يجيب «الشرق الأوسط» قائلا: «إن هناك بندا فى القانون هو المادة السابعة التي تحظر الاتجار في الآثار. وتم منح الحائزين أية كميات منها مهلة عام واحد لتوفيق أوضاعهم والكشف عما لديهم من آثار، واعتبار ما تبقى لديهم بعد هذا الوقت في حكم الحيازة فقط. ولا يجوز التصرف فيه إلا بعد الرجوع إلى الهيئة». ورغم هذه الفرصة التي أعطاها القانون لحائزي هذه الآثار من دون التصرف فيها فقد وجد التجار أو ورثتهم صعوبة بالغة في بيع هذه الآثار نتيجة لحراسة الشرطة المتواصلة عليها، ومتابعة مفتشي الآثار لها من وقت لآخر، ومطاردة الهيئة لهم بدعاوى قضائية تطالبهم بتسليم هذه الآثار إلى الدولة، لذلك كله لم يجدوا مفرا من إهداء الحيازة إلى هيئة الآثار مقابل الحصول على الامتيازات المشار إليها.

ويبدو أن فوضى التنقيب كانت تتعدى البحث عن الآثار قبل صدور القانون إلى الاتجار علنا فيها. ويكشف عبد العزيز أن أحد التجار في مدينة الفيوم كان يمتلك محلا لتجارة الآثار وصل ما به إلى 35 ألف قطعة أثرية ترجع إلى عصور تاريخية مختلفة، فضلا عن وجود قاعة بالمتحف المصري وسط القاهرة لبيع الآثار المكتشفة وقيام البعثات الأجنبية بالحصول على 50% مما تكتشفه، إضافة إلى الآثار النادرة التي كان يقوم الرؤساء والمسؤولون بإهدائها إلى كبار الساسة في دول العالم.

ويستند الأثريون إلى أن عشوائية التنقيب وفوضى الاتجار في الآثار تعدان ظاهرة متوارثة منذ العصور القديمة، عندما كان اللصوص يقومون بالتنقيب عن التوابيت والمومياوات الذهبية، وكثيرا ما كان يتم العبث بها، وهو ما لاحظه المنقبون حديثا في المقابر الأثرية عندما كانوا يقومون بفتح المقبرة، وإذا بهم يكتشفون انه قد عبث بها، وأنها تعرضت للسرقة في عصور سابقة وتالية لتاريخ هذه المقابر.