الدلالون.. باعة ورجال مرور ومطربون

يقولون عن أنفسهم «سبع صنايع والبخت ضائع»

البيع والشراء في حراج السيارات (تصوير: عدنان مهدلي)
TT

«سبع صنايع والبخت... حاضر، لكنه في ايام كثيرة يكون ضائعا»، هكذا بادر احدهم بتعريفنا بمهنة الدلال أو «المحرجين» او «الشريطي»، الشريحة متعددة المواهب التي تعمل في كل شيء، ابتداء من البيع والشراء في الاسواق، والغناء والطرب في المناسبات، وفي بعض الاحيان في تنظيم المرور ـ بلباس مدني ـ لكن مرتكز مهنتهم ينطلق من كونهم «دلالين» يعملون في معارض السيارات المستعملة في معظم المدن السعودية.

ولا يلتفت الدلال كثيرا لابتكار وسيلة لجذب الزبائن، فقد تكون اغنية يبثها عبر المايكروفون، فيضج المكان ويتحول الى بؤرة ملوثة بالضوضاء تتلاطم فيها الاصوات، يتلقفها زميل آخر له في مكان مجاور، ثم تبدأ الاغنية بالتنقل من محل الى اخر، ولكل اغنية دلالات محددة، وفقا لعبد الله القحطاني الذي بين أن الاغنية قد تعني خفض الاسعار لقلة عدد مرتادي حراج السيارات في ذاك اليوم.

ويعمل الدلالون عقب صلاة العصر من كل يوم في استقطاب الزبائن مرددين عبارات الثناء والشعر لدغدغة مشاعر الزبائن الراغبين بشراء سيارة، يرددون أرقاما وعملات بطرق مختلفة، ويحثون الناس على الدخول في زيادات من شأنها رفع قيمة المركبة، ولا تخلو تلك الفترة من القفشات بين المحرجين والزبائن، او بين المحرجين مع بعضهم بواسطة المايكروفونات. «ابيع... اقنع ... الله يباركله» كلمات يحثون فيها البائع للاقدام على البيع، ويواصلون النهج حتى يرفع الاذان، وحينها تتفق الاصوات الصادرة عبر المايكروفونات في رفع التوحيد «لا اله الا الله» مستديرين إلى جهة القبلة، داعين الى الصلاة.

وتحمل اغنيات «المحرجين» الكثير من الافكار حول السيارات التي هي محور ذاك المكان، فتصدح اغنيات كبار المطربين محرفة من الحبوبة الى السيارة، خصوصا إذا كانت هذه الأغنية مرتبطة بلون أو مسمى لسيارة مثل قول احدهم «رمادي لون ها السيارة رمادي لونها ما كان عادي»، أو عند دخول احدى السيارات «الله يا زين اللي حضرت»، مدخلا عليها احدى الأغاني الشعبية «ويالله على بابك يا كريم»، وهي احدى اهزوجات احد الأندية المشهورة ايضا «راعي المعارض قام يتحدى جاب الشبح والبنز من جدة»، وهي أغنية شعبية أيضا يستقطبون زبائنهم بتلك الأغاني والصفات مثل «تعال ومابقالي شي على بعدك يصبرني» او «يا طيب»، يدفعهم الفراغ وعزوف الناس عن الشراء لإخراج تلك المواهب. وهو ما علق عليه يسلم بن سعد بقوله «إنها أصوات نشاز، ولكنها جميلة بالمقارنة ببعض ما يعرض في الفضائيات». بعض الدلالين له طريقته وعالمه الخاص أيضا، تجده يقلد قفشات احد معلقي المباريات، يقول سعيد الصبياني ضاحكا «الموضوع ليس كما تتصور نحن هنا لطلب الرزق كل على طريقته، ولا بد للمحرج الجيد أن يجد الطريقه المناسبة لكسب الزبون وأحيانا كثيرة واقع السوق يفرض علينا ذلك، وتجد الشخص منا يعيد ترديد الرقم أو المبلغ أكثر من 10 مرات، وهذا ممل للسامع، ولكن عليك أن تضيف أي شيء وتكسب الزبائن وتقنع البائع أيضا بأنك قدمت ما يمكنك تقديمه، عله يتكرم بإعطائك ولو جزءا بسيطا من المال، مشيرا إلى أن مكسبه من المشتري ـ وهو الملزم بدفع المال له في حالة بيع المركبة ـ بحكم ان المحرج هو من دله على السيارة.

كما أشار الصبياني إلى أن بعض الأيام تمر عليهم من دون الحصول على أي مبلغ، وهذا تفرضه طبيعة السوق، ويبادر الصبياني بشرح بعض المفردات التي يرددها بعض زملائه، مثل كلمة «مجدد» ويقصد بها ان رخصة هذه السيارة سارية المفعول، و«مفحوص» أي أنها تحمل الفحص الدوري، مشيرا إلى أن هذه الأشياء ضرورية لإكمال إجراءات البيع إضافة الى وثيقة التأمين.

ويبادر البعض للعمل كجندي مرور لتسيير الطريق وتخفيف الزحام الكبير الذي يعاني منه السوق بسبب عدم وجود التنظيم الجيد له.

في أسواق الأجهزة الالكترونية تتكرر تلك اللقطات لكن بشكل اقل، بسبب حركة الشراء الكبيرة، خصوصا من أصحاب محلات «المستعمل»، الذين هم غالبا ما يكونون المتنافسين لشراء تلك الأدوات، كما أشار هاني المكنزي العامل في احد محلات الأجهزة المستعملة في سوق حي الجامعة الشعبي، الذي قال: هناك الكثير من المعروضات التي تأتي للسوق بشكل يومي وتتم المزايدة عليها من قبل الدلالين الذي يصعدون غالبا على السيارة التي نقلت تلك الأجهزة ويمسكون بمكبرات الصوت ينادون على المشترين، فتباع البضائع كقطع متعددة مثل أثاث المنزل او اثاث المحلات، وتقوم المحلات في ما بعد ببيعها قطعا متفرقة. يقول المكنزي: أحيانا يشتد التنافس بين المشترين فيردد الدلال كلمات لزيادة الحماس بين الجانبين تصل لدرجه التحدي مثل افا يا بو خالد ـ وها يبو محمد.

نوع اخر من الدلالين يضمهم سوق اجهزة الهاتف المستعمل، ولكنهم بدون مكبرات صوت بسبب الرقابة التي فرضتها الجهات المختصة على تلك الأماكن، بسبب زيادة مبيعات الأجهزة المسروقة، ويبين يحيى عبد الله صاحب احد المحلات، ان وجود مثل المحرجين في هذا المجال عمل غير صحي لانهم يسهمون في قتل السوق وبيع الأجهزة المسروقة، بحسب قوله.