بوش يتذكر عطلة لا تنسى في مراكش.. وتحت لسانه طعم عصير اللوز بالحليب

هيلاري كلينتون دفنت أحزانها قبل سنوات تحت رمال مرزوكة

هيلاري كلينتون تتعلم ركوب الجمال في مرزوكة بالمغرب (رويترز)
TT

كان ستيف هادلي، مستشار الرئيس الأميركي جورج بوش للأمن القومي، يهز رأسه للدلالة على أهمية ما يقوله رئيسه، لكنه قطعاً لم يكن مستوعباً تفاصيل الموضوع او يعرف عنه شيئاً، وربما لم يكن لديه أصلاً إلمام بهذا الذي يتحدث عنه بوش بكيفية جعلته يقول «أرجو أن لا يبدو الأمر وكأنه حنين جارف». كان لا بد ان يبدر هذا التصرف من طرف ستيف هادلي، لأن بوش قفز فجأة من السياسة واتجه صوب الذكريات الشخصية وراح يوجه الحديث نحو مستشاره للأمن القومي، وليس لأربعة صحافيين كانوا يجلسون قبالته في قاعة روزفلت ويطرحون عليه اسئلة سياسية.

لكن ماذا قال بوش؟ وما هي المناسبة؟

كنت سألت الرئيس الأميركي عن الأسباب التي جعلته يسقط منطقة المغرب العربي من جولته الحالية التي ستبدأ الثلاثاء في منطقة الشرق الأوسط. وفي سياق الإجابة عرج جورج بوش على ذكريات شخصية، ليتذكر عطلة قام بها الى مراكش. وهذا ما قاله بوش حرفياً حول تلك العطلة «عندما ذهبت الى المغرب كانت واحدة من أعظم رحلاتي كشخص عادي حيث لم أكن رئيساً أو أمارس السياسة. كان سروري كبيراً انني ذهبت الى مراكش على سبيل المثال. ولا يمكنني أن أنسى على الإطلاق عندما شربت عصير اللوز بالحليب هناك».

وتذكر بوش المشاهد التي بقيت في ذاكرته من تلك الرحلة التي كشف عنها النقاب لأول مرة حيث قال «تمتعت كثيراً بعجائب الصحراء، وقمم الجبال التي تكسوها الثلوج عندما تنظر اليها من بعيد. بل انني لعبت بكرات الثلج فوق سلسلة جبال الأطلس، المؤكد كانت لي ذكريات مدهشة هناك. وأتمنى ألا يكون ذلك نوعاً من الحنين أو عودة الى الوراء، لكن الثابت أن كل ذلك كان شيئاً مثيراً».

وفي سياق إجابته لم يقل بوش متى كانت هذه العطلة التي يحن اليها حنيناً جارفاً، عدا إشارته الى انها تمت عندما لم يبدأ ممارسة السياسة، أي من المؤكد قبل ان يصبح حاكماً لولاية تكساس حيث تتحدر أسرة بوش، او عندما اصبح رئيساً. كما انه لم يقل إن السيدة الأولى لورا بوش شاركته تلك العطلة، وهو ما يشير الى ان هذه العطلة التي قال إنها من «أعظم رحلاته» كان خلالها عازباً وإلا كان سيقول «أنا ولورا» كما دأب على ذلك، وهذا ما يمكن استناجه من ثنايا الحديث.

والثابت ان العطلة كانت في مدينة مراكش ونواحيها، أما سلسلة الجبال التي يتحدث عنها بوش، فهي قمم جبال واكيمدن، التي تكسو قممها الثلوج في الشتاء والربيع وتتراءى للناظر من بعيد وكأنها رجال يرتدون جلابيب داكنة ويعتمرون عمامات بيضاء. أما مشروب «عصير اللوز بالحليب» الذي تحدث عنه بوش، فهو عصير يعرفه جميع المغاربة حيث يتناوله الناس في المناسبات الاجتماعية والأفراح. وهو مشروب يتكون من اللوز المسلوق، الذي يخلط مع الحليب والسكر، وله مذاق لذيذ. حديث بوش عن عطلته المراكشية، لفتت الانتباه الى أن كثيراً من رجال السياسة والسينما في اميركا يذهبون الى المغرب في عطلاتهم، خاصة الى مراكش، حيث يفضل كثيرون تمضية ايام العطلة في فندق «المامونية» الباذخ، الذي اقامت فيها شخصيات لها صيت من جميع انحاء العالم. وهو فندق تتراوح اسعاره ما بين 400 دولار الى 1200 دولار في الليلة الواحدة. ولعل من اشهر الصور التي اعتبرت واحدة من افضل الصور السياحية في العالم، تلك التي نشرت كصورة غلاف في مجلة «باري ماتش» الفرنسية، عندما نشرت صورة سائحين فقط وخلفهما جميع عمال وموظفي الفندق وعددهم لا يحصى، مع عبارة تقول «كل هؤلاء في خدمة اثنين». التقطت تلك الصورة اثناء حرب الخليج الثانية التي أدت الى انتكاسة للسياحة في المغرب، بسبب ظروف الحرب التي كان من تداعياتها تدني اقبال السياح على المغرب بكيفية غير مسبوقة.

ولعل من بين أهم «العطلات التي لا تنسى»، على غرار عطلة بوش التي تذكرها في غمرة لقاء صحافي داخل البيت الأبيض كان كل شيء فيه حول السياسة، كانت عطلة المرشحة في سباق الرئاسة الأميركية هيلاري كيلنتون.

ارتبطت تلك العطلة بواحدة من أشهر فضائح السياسة الأميركية، وهي فضيحة وعلى الرغم من ان جميعها أبطالها يوجدون على مسرح الأحداث حتى الآن فإن انعكاساتها السياسية كانت محدودة جداً بل تكاد تكون منعدمة. وهذه واحدة من عجائب السياسة الأميركية على كثرة ما تحفل به هذه السياسة من عجائب وغرائب. لكن كل تلك العجائب والغرائب والفضائح، لم تحظ بما حظيت بها حكاية الرئيس السابق بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي. حيث بدأ الموضوع كمسلسل مشوق غاصت العاصمة الأميركية في تفاصيله ونشر في جميع ارجاء العالم. بيد انه من مفارقات السياسة الأميركية، انه لم يعد أحد يتذكر قصة كيلنتون ومونيكا لوينسكي على الرغم من ان اكثر المتضررين من تفاصيل تلك الحكاية على المستوى الشخصي، وهي هيلاري كلينتون، توجد الآن في الواجهة، بل تريد ان تعود مع كلينتون نفسه ولا أحد سواه، الى المكان الذي حدث فيه كل شيء، أي الى البيت الأبيض. ولعل من الحكايات غير المتداولة الا على نطاق ضيق أن ملك المغرب الراحل الحسن الثاني كان اقترح على هيلاري كلينتون عام 1998، والفضيحة في أوج انتشارها وتداعياتها، أن تأتي الى المغرب وان تزور منطقة مرزوكة في جنوب شرق البلاد، وهي منطقة كثبان رملية تعتبر من أجمل الكثبان في العالم وظلت قبلة للسياح من شتى أنحاء المعمورة، من أجل ان تدفن السيدة الأولى يومئذٍ مراراتها من حكاية مونيكا في تلك الرمال. وأمضت هيلاري وابنتها تشلسي ليلة في صحراء مرزوكة، وباتت هناك داخل خيمة نصبت فوق تلة، وغرست نفسها داخل رمالها تتأمل مغيب الشمس، ومن فوق تلك التلال التقطت لها صورة نشرت في معظم صحف العالم. وكانت تلك الصورة صورتها وهي تسير فوق الرمال حافية القدمين تحمل نعليها وخلفها ابنتها تشلسي. وهي صورة تواطأت فيها الطبيعة الخلابة والمدهشة، مع ظلال الموضوع برمته. وبعد ان نسي الناس فضيحة كيلنتون ومونيكا، لم تبق في ذاكرة الناس سوى تلك العطلة التي أمضتها هيلاري كلينتون مع ابنتها تشلسي فوق رمال مرزوكة المغربية.

الآن ومع حديث بوش عن عطلته التي لا تنسى في مراكش، أصبح المغرب في ذاكرة أهل السياسة في واشنطن هو بلد العطلات التي لا تنسى.