سلفادور دالي الباريسي صمم الأزياء وكان أكثر الرجال أناقة

300 قطعة من أعماله في فسحة بحي مونمارتر

شارك سلفادور دالي في تصميم الثياب لحساب صديقته المصممة إلزا سكياباريللي المعروضة تصميماتها في متحف دالي في باريس
TT

من ذا الذي قال، ذات يوم، حيثما يوجد دالي فلا مكان للضجر؟ إن الداخل الى متحف سلفادور دالي في حي مونمارتر في باريس، مفقود وهارب من هذا النهار الشتائي القارس الى دفء الفن والذوق المختلف، والخارج منه مولود ولادة مغايرة كالعائد من رحلة جمالية ضرورية للروح ومنشط للحواس.

هنا، على مبعدة خطوات من ساحة الرسامين، اقيمت «فسحة دالي» لتحتضن أكبر مجموعة من نوعها في فرنسا لأعمال هذا الفنان الاسباني الذي كان، مع مواطنه بيكاسو، أحد أبرز الذين استحقوا لقب «فنان القرن العشرين». ولا يملك زائر المكان سوى الانبهار وهو يشاهد أكثر من 300 قطعة من اللوحات والأعمال النحتية ومصابيح الانارة والأثاث والمجسمات المختلفة الأحجام من البرونز والخزف وحتى الورق، ممهورة كلها بتوقيع دالي ورابضة تحت سقف واحد. أي حياة من العمل الدؤوب امتدت لكي تجعل من مئات التحف تتفتح على أنامل هذا الفنان الاستثنائي في كل شيء... من الموهبة الحداثية الى الشاربين الشهيرين المعقوفين؟

وعدا عن تلك اللوحات والمنحوتات المعروفة التي عكست مفهوماً سوريالياً للوقت ونظرة سابرة للأشياء وللطبيعة وللسحنات وللأجساد، يفاجأ الزائر وهو يلاحظ اتساع مجال الموهبة بحيث أنها شملت الأزياء والكراسي والأراك وأعمدة الانارة والصحون والمزهريات وكل ما يمكن أن تقع عليه عين المرء في الحياة. لقد كانت عين الفنان ترتاح للوقوع على كل ما هو جميل لذلك ترك الحرية لموهبته في أن تبتدع الجمال حتى في الأشكال التي لا مفر من قبحها.

في وسط الحجرات المزروعة جدرانها باللوحات، تتناثر خيول وأفيلة وقواقه ضخمة وأجساد أو أنصاف قامات من البرونز القاتم اللماع وأريكة على شكل شفتين حمراوين منفرجتين، منفوختين بالحشوة القطنية لا بالكولاجين. وهناك مثال لفرس ينطح مسلة، وآخر نصفي لامرأة تشبه الملكة السومرية شبعاد، التي كان رأسها موجوداً في المتحف العراقي قبل العبث به، سوى أنه ملكة دالي غير متوجة بالذهب بل بصينية يتوازن فوقها شخصان متقابلان.

في زاوية من هذه الفسحة البهيجة يقوم معرض للفساتين التي صممها كبار خياطي هذا العصر في تحية للرسام الاسباني الذي لم يكن رفيقاً لكبار الشعراء والادباء والفلاسفة والتشكيليين الفرنسيين فحسب، بل شارك في تصميم الثياب لحساب صديقته المصممة إلزا سكياباريللي وبتأثير من صديقة أُخرى هي الآنسة كوكو شانيل، صاحبة الدار التي ما زالت تحتل مكاناً ثابتاً لا يتزعزع في مشهد الموضة الباريسية والعالمية. وكان الاثنان قد التقيا في عام 1938 وتأثر الرسام بالمصممة التي كان منزلها الباريسي في شارع «غامبون» عنواناً ثقافياً بامتياز، وهي التي شجعت لديه نزعة العناية الفائقة بالمظهر الى درجة المبالغة والاستفزاز، بحيث تم انتخابه «الرجل الأكثر أناقة في فرنسا» في تلك الأيام.

لقد طلب القائمون على هذه الفسحة من المصممين أن ينفذ كل واحد منهم فستاناً مستوحى من دالي. وكانت النتيجة مجموعة مثيرة من الأزياء التي طافت العالم، في معرض فريد، قبل أن تستقر في باريس وتصبح جزءاً من موجودات هذه الفسحة.

ومن يسترجع حياة دالي يتأكد أنه، وإن كان قد ولد في بلدة فيغيريس، مقاطعة كاتالونيا الاسبانية، عام 1904 ومات فيها عام 1989، فإن ولادته الحقيقية تمت في باريس حين جاءها لأول مرة عام 1926، ثم عاد اليها ثانية، بعد سنتين، رفقة المخرج بونويل لتصوير فيلم «كلب أندلسي» الذي تشاركا في كتابة السيناريو له. وفي تلك الزيارة الثانية التقى دالي بالرسام بيكاسو وبجماعة السورياليين من أمثال لوي أراغون وتريستان تزارا وأُندريه بروتون وبول إيلوار. ومع هذا الأخير كانت لدالي حكاية شخصية، فقد دعا الشاعر الفرنسي وزوجته غالا الرسام الكاتالوني للحلول في ضيافتهما. وكانت النتيجة أن تعلق قلبه بالزوجة القوية الشخصية وسلبها لنفسه لكي يعيشا سوية أكثر من نصف قرن من الزمان كانت غالا، خلالها، الرفيقة والملهمة والموجهة ومديرة الأعمال التي تتحكم في منهاج يومه وتمتلك حق وضع التواقيع على لوحاته. وحين توفيت في ثمانينات القرن الماضي عاش دالي من بعد غالا أشبه باليتيم العجوز، حتى لحق بها.