معزوفة بصرية هادئة تتضافر فيها طاقتا التجريد والروح

معرض فاروق حسني في القاهرة

TT

في معرضه الشتوي الذي تعود من خلاله أن يجدد لقاءه مع مشاهديه كل عام، يواصل فاروق حسني وزير الثقافة المصري تجربته في التجريد الشكلي، ويبلغ به في هذا المعرض درجة عالية من الشفافية والتسامي الروحي والفني.

تخترق اللوحات حواسنا بشيء من الدفء والجمال. وتبدو وهي تقبع بسمتها الطفولية على حوائط قاعة (غاليري الزمالك للفن) بالقاهرة وكأنها معزوفة نغمية، محتفظة بإيقاعها ووخزها الخاص، ووجودها المتميز والهادئ وسط كثير من الضجيج والصخب البصري الذي نعاني وجوده بإلحاح.

تأتي أعمال فاروق حسني بحساسيته اللونية المرهفة في مقدمة الأعمال المطروحة على الساحة التشكيلية المصرية الآن، إذ أنها تمثل اختصارا لكل ما يمكن التعبير عنه في بضعة رموز بصرية بالغة التركيز، وبشيء من شفافيته يقدم لنا رؤيته المستقبلية لكل ما يحيطه من أمور (سياسية ـ اجتماعية ـ فنية وغيرها) دون أن تكون هناك حدود لما يملكه من موهبة أو قيود يمكن أن تسيطر عليها، إنها رؤيته الخالصة والخاصة فى المنهج حين تقترب مشاعره الهادئة مما أنجزه الإسباني خوان ميرو أو تتضافر مفرداته اللونية بشتى صورها مع ما حققه كاندنسكى من تصور شكلي. أما اختصاره واختزاله فيمثلان أكثر القيم الرمزية التي تحققت بلا عمد لتعادل في وجودها البسيط شيئاً مما عمده السويسري الألماني بول كلي. وبعيداً عن التفاصيل، تأخذنا رموزه إلى جوهر الحياة بمفهومها الفلسفي في حوار دافئ من الألوان الهادئة، كأنها الموسيقى التي ترجمها لنا الفنان في صورة بصرية لا تتعدى مساحة اللوحة لكنها تتخطى ما يمكن الإلمام به، ولأنها بسيطة بقدر الرمز الذي يدل عليها لذا فإن الإشارة إليها بأصابع الإبهام لم تكن مجرد وسيلة قد تترتب عليها أي من المنافع المادية التي يمكن توقعها أو حتى انتظارها.

إنها فقط ما يمكن تلخيصه من إحساسٍ راقٍ إلى درجة عالية يتضح جلياً فى بضع جمل تشكيلية بالغة الشفافية، لا يمكن أن تشبه في إيقاعها أحداً ممن سبق الحديث عنهم، لكنها مع ذلك تشبه في داخلها ذاتيتها وتفخر بها كلما دفعتها الحاجة إلى ذلك، وهي كذلك تمتلك خصوصية عالية وتفرداً ملموساً لا يمكن إنكاره رغم كل العراقيل والمفاهيم الاجتماعية المتراجعة التي تحيطه. إنها ـ أخيراً ـ الشمس التي ستغيب عنا ـ دون شك ـ كلما جاء الشتاء بدون أن تأتي معه بشيء من هذه الموسيقى البصرية التي تجدد في حواسنا نوعاً من المتعة الحسية والإبداعية على حد سواء.