لوحات فنية تختار ملاكها في السعودية

لجنة تدرس أحقية الراغبين في امتلاك الأعمال الفنية

لوحتان من اللوحات المشاركة في المعرض (تصوير: عدنان مهدلي)
TT

في خطوة مبتكرة لتشجيع وتطوير الذائقة الفنية للمجتمع وكسر الاحتكار النخبوي للفنون التشكيلية، أقامت قاعة إتيليه جدة ومجموعة كبيرة من الفنانين التشكيليين السعوديين والعرب برعاية مجموعة من شركات القطاع الخاص، معرضاً فنياً تشكيلياً تحت عنوان «لوحة في كل بيت». ويهدف المعرض إلى بيع اللوحات المشاركة بأسعار رمزية يستطيع أي شخص عادي ضمن الطبقة المتوسطة امتلاك لوحة فنية، فقط كل ما عليه هو أن يجيب عن بضعة أسئلة فنية تستشف منها لجنة خاصة مؤلفة من مجموعة من التشكيليين مدى اهتمامه بامتلاك اللوحة وافتتانه بها لتصبح اللوحة الفنية هي التي تختار صاحبها بدلا من أن يختارها هو.

الشروط التي وضعتها اللجنة المخصصة للفصل في أحقية أي راغب بامتلاك لوحة فنية، هي غاية في الطرافة والبساطة، وتتلخص في إجابته على سؤال ينم عن مدى تشربه واهتمامه بالثقافة الفنية، وأن يقدم تفسيراً فريداً من الناحية الجمالية للوحة التي يرغب بامتلاكها والأسباب التي تدفعه لذلك، إضافة إلى كونه أحد أفراد الطبقة المتوسطة التي تمنعها التزاماتها الكثيرة عادة من امتلاك لوحات فنية راقية.

ويقول الفنان التشكيلي قنديل «من خلال المعارض الكثيرة التي أقامها إتيليه جدة للفن التشكيلي أصبحت هناك وجوه مألوفة نراها كفنانين في كافة المعارض، تقف دائماً بانبهار أمام اللوحة وتقدم تفسيرات فنية غاية في الدقة والوجاهة، وهي تحمل الفنان دائماً إلى ذرى المجد والسعادة الغامرة، وفي أحيان كثيرة أرى فنانين مستعدين لتقديم لوحاتهم إلى مثل هؤلاء الزوار مجاناً فقط لأن أعينهم وتفسيراتهم الفنية أثبتت بالبرهان القاطع مدى فهمهم وتقديرهم لهذه اللوحات». وأضاف «هذا المعرض كان فرصة ليقتني الكثيرون من هؤلاء الزوار لوحات فنية تعجبهم، وليخرج الفن التشكيلي من وسطه النخبوي ليصافح بقية طبقات المجتمع وهو الهدف الذي جعلنا نضع أسعاراً رمزية نوعا ما للوحات تتراوح بين الـ 500 ريال والـ 2000 ريال سعودي كحد أعلى للوحات، والحقيقة أن المشروع نجح بشكل لافت؛ فقد تم بيع أكثر من 170عملا من أصل 350 عملا.. نتوقع أن تباع بشكل كامل مع نهاية المعرض الذي تقرر تمديده لفترة أسبوعين إضافيين».

الأسعار الميسرة للوحات، وأريحية الفنانين المشاركين وحرصهم على التفاعل مع الجمهور وسماع تعليقاته لتشجيع الوعي الفني التشكيلي في المجتمع، شجع حتى الأطفال على اقتناء اللوحات واختيارها، حيث بيعت إحدى اللوحات لطفل لا يتجاوز الـ 15 عاماً، في إحدى الزيارات المدرسية للمعرض.

تقييم الفنان للوحاته والذي قد يصل إلى حد المبالغة أحياناً، لا يعود إلى قصد الفنان للربح والتكسب من خلال إبداعه بقدر ما يعود إلى دافع خفي يجعله يهاب التخلي عن لوحاته الفنية وإبداعاته باعتبارها خلقا خاصا يحمل سماته الإنسانية ويرتبط به بشكل مباشر، إلا أن الرغبة في التواصل مع الآخرين ومشاركتهم الإبداع والرؤية الفنية هي المنتصرة في أحيان كثيرة وهي التي تدفع اللوحة إلى حوزة مالك.

والفنان الذي يشعر بالغرابة البالغة وبمشاعر متناقضة جياشة يصفها الفنان السعودي عبد الله نواوي وهو أحد المشاركين في المعرض قائلا «أي عمل أقوم بتنفيذه أشعر بنوع من الكآبة والغرابة لانفصاله عني بعد بيعه، وهو شعور أشبه بفقد جزء مني، لكن هناك نازعا آخر هو الذي يجعلني أتقبل الأمر، وهو رغبتي شخصياً ورغبة أي فنان يكون في الموقف ذاته بأن يصل إلى جمهوره ويتوسط منازلهم وأيامهم عبر لوحة من ذاته معلقة في صدر الدار، وهو ما يمنح أحساساً بحياة أخرى».

ويضيف «أحرص دائماً على معرفة ملاك لوحاتي، وأشعر بالسعادة والاعتزاز كلما رأيتها في منزل أحدهم وهي في مكان ملائم مصحوب باعتزاز صاحب اللوحة الجديد بها وبفهمه العميق والمختلف نوعا ما لها وكأن كل تفسير هو حياة أخرى تضاف إلى اللوحة».