مشكلات في التدفئة وأضرار في المزروعات

لوحة طبيعية «جليدية» («الشرق الأوسط»)
TT

انضم البرد القارس الى لائحة مسببات الموت في لبنان والمنطقة، وذلك بفعل اجتياح موجة من الصقيع الحوض الشرقي للمتوسط مصدرها سيبيريا. فقد فوجئ اللبنانيون أخيرا كغيرهم من سكان المنطقة، بأن ثلاثة مواطنين من قرى الشمال والجنوب قد قضوا بسبب الصقيع! امر غير مألوف بتاتا في بلاد معروفة بطقسها المعتدل حتى شتاء خصوصا في بيروت والمناطق الساحلية. وما يزيد قلق المواطنين هي الشائعات التي يتداولها البعض ومفادها ان الاحتباس الحراري وراء هذه الموجة التي تندرج في اطار التغيّر المناخي العالمي.

عن هذا الموضوع تحدث الى «الشرق الاوسط» رئيس مصلحة الارصاد الجوية دياب بركات فقال ان «بيروت عرفت انخفاضا مماثلا في درجات الحرارة في الخمسينات والستينات، لا بل في ذاك الوقت كان الانخفاض اقوى إذ تدنت فيها الحرارة الى تحت الصفر». ورأى ان «الصقيع الذي يشهده لبنان ليس مستغربا ولكن ما يميّزه هو استمراره لأيام عدة ومتواصلة. فالضغط الجوي المرتفع الآتي من سيبيريا زحف جنوبا الى مناطقنا حاملا معه هواء باردا وهو جاف لانه مرّ بمناطق قارية أي انه لم يمرّ فوق محيطات وبحار حتى يحمل معه امطارا. وهذه الكتلة شكلت حاجزا في وجه الرياح التي تأتي عادة من الشمال الغربي والتي تكون محمّلة بالامطار». وأوضح ان «هناك علاقة غير مباشرة بين التغيّر العالمي للمناخ وموجة الصقيع. فحتى نلمس في لبنان نتائج هذا التغير يجب ان يحصل جفاف وارتفاع ملحوظ في الحرارة في الصيف وفي الشتاء، يجب ان نعرف امطارا أغزر بكثير من المعتاد حتى يصبح بالامكان التحدث عن تغيّر مناخي». وهذا ما يتشوق اليه اللبنانيون حاليا بما ان الطقس بات شغلهم الشاغل. الجميع من الخضرجي الى الفران والجزار، وصولا الى ربة المنزل، منشغلون في الحديث عن درجات الحرارة وتوقعات مصلحة الارصاد الجوية واستعراض صور الجليد وكساد المزروعات التي تنشرها وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة. فإضافة الى الخسائر البشرية، تسببت موجة الصقيع بحوادث السير نتيجة تكوّن جليد على الطرق العامة، فضلا عن وقوع أضرار جسيمة في المحاصيل الزراعية والاشجار المثمرة والخيم البلاستيكية.

وفي تفاصيل حوادث السير سجلت حوادث عدة على الطرق بسبب تزحلق السيارات في منطقة جزين وفي منطقة تبنين، وتسببت ايضا موجة الصقيع التي لفّت منطقة بنت جبيل بحوادث وانزلاقات ذهب ضحيتها مواطنة من بلدة صفد البطيخ ومواطن آخر من بلدة الصواف.

وفي الشمال اللبناني، وتحديدا في عكار ادت أيضا موجة الصقيع المتواصلة الى اتلاف عدد كبير من محاصيل البيوت الزراعية البلاستيكية. وقد ناشد اصحابها المسؤولين التوجه الى مناطقهم والاطلاع على حجم الكارثة التي خلفتها موجة الصقيع في منتجاتهم الزراعية التي اتلفت بمعظمها. الى الاضرار والمشكلات المذكورة، تضاف مشكلة جديدة الى يوميات اللبنانيين هي مشكلة التدفئة. فبعد أن وصلت درجات الحرارة في العاصمة الى ما دون الصفر، وسجلت ارقام قياسية في مناطق لبنانية اخرى بتحطيمها عتبة الصفر، سلّط الضوء على يوميات العائلات الفقيرة، وطريقة توفيرها التدفئة، في ظل الارتفاع المخيف لاسعار النفط العالمي الذي «تتراقص» معه ميزانية العاجزين عن توفير ثمن برميل المازوت.

بذلك تبرز مسألة الاعتماد على المدافئ الكهربائية بشكل لافت هذا العام في المدن والبلدات اللبنانية، الساحلية عامة والجبلية خاصة، علماً بان هذه الاخيرة كان ارتكازها سابقاً على وسائل تدفئة اخرى في استطاعتها القضاء على درجات الحرارة المنخفضة والمتصاحبة عادة مع ثلوج وموجات صقيع.

تقول ريما، وهي أم لثلاثة اطفال وتقطن في منطقة ترتفع الف متر عن سطح البحر وتصل فيها درجات الحرارة شتاء الى ما دون الصفر، إن «أسعار برميل المازوت تبدأ من 160 دولاراً، وبالتالي المدفأة الكهربائية اقل كلفة. واذا انقطعت الكهرباء نلجأ عندها الى مدفأة الغاز. وفي كل الحالات، تبقى هذه الطريقة اوفر من شراء المازوت، لا سيما انني كنت احتاج سنوياً الى خمسة براميل مازوت، انما يكفيني الان 150 دولارا لشراء الغاز ودفع الكهرباء في ايام البرد والصقيع».

ودرجت العادة سابقاً في عدد كبير من المناطق اللبنانية على استخدام مدافئ تعمل على الحطب. لكن ارتفاع اسعار هذه السلعة الى مئتي دولار للطن الواحد، كسر هذا «العرف»، علماً بأن أي عائلة ترغب في الاعتماد على المازوت تحتاج أقله الى خمسة براميل سنوياً. أما اذا اختارت الحطب فتحتاج الى طنين على اقل تقدير لا تقل كلفتهما عن 600 دولار. ويقول فهد، وهو يعمل في صيانة السيارات (الميكانيك)، إن اعماله انخفضت الى الربع مع موجة الصقيع نظرا الى صعوبة التصرف بحرية في مواجهة درجات الحرارة المنخفضة. ويقول: «في عملي، اشغل مدفأة على الزيت المحروق، فهذا اجده في الكاراج بكثرة. وإذا فكرت بالاعتماد على المازوت او الحطب فلن استطيع عندها توفير الطعام لاطفالي».

ويؤكد محمد انه كان يكتفي في فصول الشتاء السابقة بتأمين طن ونصف الطن من الحطب، لكن هذه السنة قلبت المعايير رأسا على عقب. و«شح» حطبه قبل منتصف موسم الشتاء، وذلك عائد الى درجات الحرارة المنخفضة والاستثنائية التي فرضت ازديادا كبيرا في مصاريف التدفئة.

وعقّب حسن، وهو مزارع لبناني يملك بستاناً قرب منزله في منطقة الشوف اللبناني التي ترتفع اكثر من 1100 متر، بالقول إنه كان يعتمد سابقاً على تقليم اشجار بستانه لتوفير الحطب، لكنه اضطر هذه المرة لشراء مدفأة تعمل على الكهرباء والغاز معاً ليتمكن من الصمود في وجه العاصفة.