في الليالي الباردة.. سهر بالمقاهي ودور العرض السينمائي

الشتاء لم يعد فصلا منزليا في القاهرة.. وكل شيء مستورد حتى الإنفلونزا

تختلف طقوس التدفئة في بيوت المصريين حسب الوضع الاجتماعي
TT

«طوبة تخلي الصبية كركوبة»، «أمشير أبو الزعابير»، «الإسم لطوبة والفعل لأمشير»، «البرد أساس كل علة»، هذه الأمثال وغيرها الكثير جزء من التراث المصري القديم فيما يتعلق ببرد الشتاء وأمطاره ورطوبته وهي أمثال لم تقتصر فقط على وصف المناخ وحسب، لكنها حملت في تفسيرها النصيحة بالمكوث في المنزل والاحتماء به في تلك الأيام قارصة البرودة. إلا أن تلك النصيحة وفيما يبدو تغيرت ولم يعد المصريون يحتمون بالبيت في الأجواء الممطرة بل باتت المقاهي الحديثة، ودور السينما هي ملاذهم لتتغير عاداتهم وتظل المحروسة ساهرة حتى في عز المطر ودرجات الحرارة المنخفضة. ففيما مضى من أيام لا تزيد عن العشر، كان أي انخفاض في درجات الحرارة وأي سوء في الطقس مع هطول بعض الأمطار الشتوية يعني المكوث في المنزل وتخلو الشوارع من المارة بها، إلا من أضطر للخروج لعمل أو ظرف قاهر. وداخل البيت كان للبرد هو الآخر طقوسه التي تتفق عليها معظم البيوت المصرية مع إختلاف التفاصيل التي تختلف بتنوع المستويات الاجتماعية للمصريين. تلك الطقوس كانت تتمثل في الالتفاف حول شاشة التلفزيون وتناول كل ما له علاقة بالتدفئة من مشروبات ومأكولات أيضاً، والتي تتنوع حسب المزاج فهناك الزنجبيل والقرفة والسحلب، وهناك البطاطا المشوية والفول السوداني وأبو فروة (الكستناء) التي يتم شيها في المنزل في الليالي الباردة لتؤكل ساخنة فتولد الاحساس بالدفء، هذا الى جانب فاكهة الشتاء الشهيرة البرتقال واليوسفي والموز، وهكذا تكتمل حفلات التدفئة لمكافحة البرد مع تنوع مصدر الحرارة، فبيوت البسطاء تدفئها «بوابير الجاز»، ومن يعلونهم في الطبقة تدفئها المدافئ التي تتنوع بين الفحم والكهرباء والزيت. كانت تلك الجلسات تزداد حميمية بحوارات الاهل وضحكاتهم ونوادرهم. الآن تغيرت ملامح القاهرة في عز البرد، فلم تعد تطفئ أنوارها مع هطول المطر، ولم تعد شوارعها تخلو مع موجات الصقيع، لتمتلئ المقاهي الحديثة بشباب وبنات ورجال ونساء من مختلف الأعمار والمستويات حتى ساعات متأخرة من الليل رغم البرودة والمطر. في أحد المقاهي الحديثة التي باتت القاهرة تمتلئ بها على شاكلة المقاهي الغربية، كان الجو معبأ بدخان السجائر وأبخرة المشروبات الساخنة وضجيج الرواد وضحكاتهم. المنظر يبدو كلوحة سريالية لا تمت لواقع القاهرة بشيء. تماما كعبارة «جاف حار صيفاً، ودافئ ممطر شتاء» التي كنا ندرسها في الماضي في دروس الجغرافيا لوصف المناخ في مصر، فلا الصيف الذي طالت أشهره بات جافاً، ولا الشتاء الذي قلت أيامه أصبح دافئاً، ولتتعجب عن سر وجود الفتيات والشباب والكبار أيضاً في المقهي في تلك الأوقات المتأخرة من الليل والجو البارد، أحدهم قال إن المكوث في المنزل في تلك الأجواء يشعرهم بالكآبة ويمنحهم الاحساس بالشيخوخة، وأخرى فسرت وجودها أن جميع أفراد أسرتها يفعلون مثلها وكل مع شلته من الأصدقاء، ورجل ثالث أكد أنه على موعد مع أحد عملاء مكتب المحاماة الذي يعمل به. حتى العاملين في تلك المقاهي أكدوا لنا أن مواعيد العمل الخاصة بهم لم تعد تتغير فيما بين فصلي الصيف والشتاء، فعملهم لا ينتهي قبل الواحدة صباحاً والجميع سهران لأن تلك المقاهي مكيفة وتقدم التسلية لروادها الذين يتزايدون يوما بعد يوم في مكان نظيف ومنظم. السهر امتد إلى دور عرض السينما التي باتت بها هي الاخرى حفلات منتصف الليل والتي بدأت صيفية ولكنها امتدت لفصل الشتاء مع تغير طبائع البشر في المحروسة. الدكتور أحمد شوقي العقباوي أستاذ الطب النفسي أكد ان رياح التغيير هبت على طبائع المصريين وعاداتهم في السنوات القليلة الماضية مؤكداً أن تواجدهم في الشوارع والمقاهي حتي تلك الساعات من الليل في عز البرد ما هو الا أحد مظاهر التمرد على ما كان لديهم من عادات وبخاصة مع تغير شكل البيئة الحاضنة وهي الاسرة التي لم تكن تسمح في الماضي بتأخر أحد ابنائها الى التاسعة مساء خارج المنزل، الآن قد لا يعود الشاب قبل الواحدة دون محاسبة. هذا بالإضافة الى رغبة الكثير من الشباب في تقليد النموذج الغربي في سبل الحياة نتيجة انتشار الفضائيات المختلفة. وإذا كان التغيير قد طال المناخ الذي فقد جفافه ودفئه، وطال الطباع والعادات الشتوية، فإنه طال أيضاً نوع الإنفلونزا وفيروسها الذي اعتاد عليه المصريون. فهذا العام تسيطر على المصريين إنفلونزا سليمان ‏الآتية من المحيط الهندي وماليزيا لتصبح حتى نزلات الإنفلونزا في مصر آسيوية خالصة.