كنوز الخليلي تطل في أبو ظبي

المعروضات تتراوح من أصغر مصحف في العالم إلى قطع ورسوم إسلامية نادرة

عمامة مزينة باللؤلؤ والريش ضمن معروضات معرض «فنون الإسلام» في أبو ظبي (تصوير: جاك جبور)
TT

إذا قدر لك أن تختصر 1400 عام من الفن الاسلامي فالأكيد أنك لن تفوت مثل هذه الفرصة، أما إذا علمت أنك ستطلع، عن قرب، عن مجموعة هي الأضخم على الإطلاق من معروضات الفن الاسلامي، فأنت على موعد مع تمازج الفن والتاريخ الاسلامي تحت مظلة واحدة، فمن يفوت هذه الفرصة التي لن تتكرر؟

فتحت شعار «إن الله جميل يحب الجمال» افتتح الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أمس «معرض الفن الإسلامي ـ كنوز من مجموعة ناصر الخليلي»، التي تعتبر أضخم مجموعة للفن الإسلامي في العالم، وذلك في مبادرة تهدف إلى تعزيز مكانة أبوظبي على خارطة الفعاليات الثقافية العالمية، كما يقول مسؤولو أبوظبي.

وإذا كان السؤال كيف استطاع هذا البروفيسور الايراني (ناصر الخليلي) جمع أكثر من 20 ألف قطعة نادرة وتاريخية (المعرض يحتوي على 500 منها فقط)، فإن الإجابة لا تبتعد كثير عن عائلة الخليلي التي كانت على مدى أجيال تهتم كثيرا بهذه الكنوز، قبل أن يأتي ابنها ناصر، ليكمل مسيرة العائلة بجمع هذا الكم النادر وتوثيقه من جهات أكاديمية عالمية مثل جامعة أكسفورد وغيرها.

ربما كانت غالبية المعارض تجد فيها بعضا منها ما يغنيك عن البقية، وقطعا أو رسومات تهتم بها أكثر من الأخرى، لكن من غير المبالغة أن نقول إنه ليس في هذا المعرض، أو بالأحرى مجموعة الكنوز، ما يمكن أن تبدي معه أقل اهتماما من الآخر. المعرض يتألف من قسمين رئيسيين: ديني وحضاري. حيث تضم المجموعة المعروضة أكثر من 500 قطعة فنية نادرة تغطي ثمانية محاور منها: الإسلام، والقرآن الكريم، والصلاة والحج، والعلم والتعلّم، الاقتباس والتجديد في العهود الإسلامية الأولى، وروائع بغداد ـ العصور الوسطى، واقلاع العنقاء ـ المغول، وعصور الخانات والمماليك وآل تيمور، وعصر الامبرطوريات ـ العثمانية، والصفوية، والمغولية وأسرة الكوجار.

فهذا قسم المصاحف الشريفة وفيه مصحف من شمال بلاد الرافدين يعود إلى عام 1219، ومصحف آخر مكتوب بماء الذهب والأزرق النيلي يعود إلى شمال أفريقيا أو أسبانيا من القرن العاشر الميلادي، ومصحف كبير جدا وبجانبه واحدا من أصغر المصاحف في العالم. أما في محور الحج فتجد ديوان شعر ونصوص دينية من إيران تعود لعام 1755، وصفحة من كتاب أنيس الحجاج أتت من الهند وطبعت عام 1677. وإذا تجولنا في محور العلم والعلوم فستشاهد الاختراعات العربية الاسلامية عندما كانت في أوجها، مثل بوصلة قبلة من أسطنبول مؤرخة في 1808. وفي محور الاقتباس والتجديد هناك سلطانية ذات زخارف بالبريق المعدني من العراق وتعود للقرن التاسع أو العاشر الميلادي، وهناك سلطانية مزخرفة بكتابات من آسيا الوسطى تعود للقرن العاشر الميلادي، وفي محور عظمة بغداد هناك تمثال صغير لجمل مزخرف بالبريق المعدني من إيران ويعود للقرن الثالث عشر، وأيضا هناك صندوق من النحاس الأصفر مع قفل توافقي من العراق يعود للقرن الثالث عشر.

ويمكن القول إن المعرض الكبير، الذي صممه كولين موريس يمثل وسع الإنجازات الفنية التي تحققت في ربوع العالم الاسلامي. وتستكشف القطع الفنية تطور التراث الاسلامي الثري من بداياته في أوائل القرن السابع الميلادي، وحتى مستهل القرن العشرين على مساحة جغرافية شاسعة تمتد من الصين شرقا إلى أسبانيا غربا، ومن سهوب آسيا الوسطى شمالا إلى أفريقيا جنوبا.

ويتضمن المعرض مجموعة من أرقى النماذج الفنية، منها المنسوجات، الخزف، السجاد، الكتب، المجوهرات، القطع النقدية، الرسومات، المنحوتات، التحف المعدنية، التحف الزجاجية والمخطوطات.

وتضم مجموعة الخليلي، التي وصفتها صحيفة الـ«إندبيندينت» البريطانية بأنها تملك أسلوب فعال في التعريف بحقيقة الفن الإسلامي ومعالجة ما يعرف بتقارب الحضارات، روائع فنية من القرن السابع وحتى القرن العشرين ومنها لوحة بانورامية لـ «مكة المكرمة» مرسومة بالألوان المائية عام 1843.

وتشمل مجموعة الخليلي 20 ألف قطعة فنية تغطي تاريخ الفن الإسلامي بأكمله، وتعد أكبر مجموعة فنية في العالم وأكثرها شمولا، إذا يأتي الفن وجمع المقتنيات على رأس أهتمامات العلامة البارز البروفيسور ناصر الخليلي، حيث دفعه ولعه بالفن ورغبته في تعزيز التفاهم بين الشعوب والثقافات والديانات المختلفة وحرصه على وزيادة الوعي بالاسهامات الثرية التي قدمتها الثقافات الإسلامية للفن عموما على مستوى العالم، إلى تكوين مجموعة الخليلي.

المعرض المستمر حتى 22 أبريل المقبل هو الأضخم والأول من نوعه لمجموعة «الخليلي» في منطقة الشرق الأوسط، ويتضمن أعمالا يتم عرضها للمرة الأولى. ويقول الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان، رئيس «هيئة أبوظبي للثقافة والتراث» و«شركة التطوير والإستثمار السياحي» أن المعرض يشكل خطوة مهمة نحو وضع برنامج تعليمي مستدام يهدف الى زيادة الوعي بالفنون الجميلة في الدولة، وإعداد جيل جديد من الكوادر المواطنة المؤهلة في هذا المجال».

أما البروفسور ناصر الخليلي، مالك المجموعة وأحد خبراء تاريخ الفنون الإسلامية وأبرز المهتمين باقتناء التحف الفنية الإسلامية تحت مظلة «وديعة عائلة الخليلي» فيشير إلى أن المعرض «يعكس إنجازات الفن الإسلامي، كما يظهر تأثير هذه الحضارة على مختلف مناطق العالم». مضيفا «تشتمل المجموعة على كنوز من مناطق متنوعة تمتد من الشرق الأقصى والصين والهند وإيران مروراً بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإسبانيا».

وبين الخليلي أن اختيار الأعمال المعروضة تم بعناية بحيث تتبع مسيرة تطور الفن الاسلامي على مدى 1400 عام، وروعي فيها أن تغطي عدة محاور منها الدين والعلوم والشعر والأدب والخط، والرسم والعمارة بالإضافة إلى الفنون الزخرفية.

وأوضح الخليلي أن القسم الديني يسلط الضوء على الأعمال الفنية التي تمجد عظمة الخالق والقرآن الكريم، فيما يعرض القسم الحضري التحف والمستلزمات التي أنجزت لتلبية متطلبات الطبقات الحاكمة. وتعرض المجموعة وفق مسار زمني في كل قسم، وتتضمن قطعا من مختلف مناطق العالم الإسلامي، تعكس مفهوم التوحيد في الإسلام من جانب وتظهر التنوع الفني لشعوبه المختلفة من جانب آخر. كما تعرض مجموعة من المقتنيات الفنية المميزة التي تجسد تطور النمط الفني الإسلامي عبر العصور، وتبرز إبداع وإنجازات الفنانين المسلمين على الصعيدين التقني والفني».

وتدور على هامش المعرض مجموعة من الفعاليات والندوات وورش العمل التي يشارك فيها سبعة من أبرز الخبراء العالميين المتخصصين في الفن الاسلامي وحوالي 700 ضيف من المعنيين بالثقافة والحضارة والتراث الإسلامي.