في بلاط القيصر كارل لاغرفيلد أنوثة من نوع جديد.. وعند كريستيان لاكروا فخامة بلا حدود

في اليوم الثاني من عروض الخياطة الرفيعة

TT

طوال الـ25 سنة التي قضاها كارل لاغرفيلد مصمما فنيا لدار «شانيل» التي اصبح اسمها مرادفا للأناقة الكلاسيكية المعاصرة، وهي تنتقل من نجاح إلى آخر إلى حد ان خبراء الموضة يعتبرون كل قطعة تطرحها ايقونة بكل المقاييس. والفضل يعود إلى عبقرية هذا المصمم الذي يتمتع بروح وحيوية شاب في العشرينات، وليس أدل على ذلك إدخاله قماش الجينز إلى موسم «الهوت كوتير» في سابقة غير معهودة. قدم العرض كعادته، لعدة مواسم في «لوغراند باليه»، على خلفية جاكيت ضخم بكل تفاصيل دار «شانيل» من جيوب وأزرار، يصل ارتفاعه إلى أكثر من 66 قدما نصب وسط المسرح. ويقال ان 100 عامل اشتغل على نحته ونصبه على مدى اسبوعين متتاليين من دون توقف. النصب طبعا يمثل القطعة التي تشتهر بها الدار وتعود لها في كل الموسم، وبالتالي لم يكن الأمر يحتاج إلى عبقرية لنعرف ان هذه القطعة الأيقونة، التي ابدعتها كوكو شانيل عام 1923، ستكون حاضرة، وإن بلمسات لاغرفيلد. وبالفعل قدمها هذا الاخير بالأبيض والأسود وبالوردي والأزرق النيلي، بخامات واشكال مختلفة حتى تغطي عدة مناسبات. الأطوال ايضا كانت متنوعة، إذ شملت الطويل الذي يغطي الأرداف، وهو الطول الذي كان قد اختفى في المواسم الماضية. أما الفساتين التي اطلقها في بداية العرض، فتميزت في المقابل بقصات قصيرة جدا، كذلك التنورات التي تباينت بين الضيق والمستقيم وبين المنفوخ والمستدير. الإيحاءات كانت مستلهمة من قاع البحار وبعض كائناته، وبالذات من القواقع والمحار، حتى أن بعض الترصيعات بدت وكأنها قشور السمك من بعيد. العارضة الألمانية الاصل كلوديا شيفر، التي جلست في الصفوف الامامية إلى جانب الممثلة دايان كروغر والمخرجة صوفيا كوبولا، عبرت عن رأيها بحماس قائلة بعد العرض: «إنها تشكيلة رائعة وتناسبني جدا». ورغم ان لاغرفيلد يعود دائما إلى أرشيف الآنسة كوكو، إلا انه هذه المرة ارتأى أن يغير اتجاهه بدرجة خفيفة. هذا لا يعني انه في حالة تمرد بقدر ما هو تحدٍّ او رغبة في بعض الاستقلالية والخروج من جلباب الآنسة. والطريقة كانت جمعت بين الفني والهندسي، بين الناعم والقوي، سواء تعلق الأمر بالكشاكش المتراصة فوق بعضها بعضا، أو الملولبة او التي أخذت اشكال المحار، أو تعلق بالورود الضخمة ذات الطيات المتعددة، التي زينت جوانب التنورات أو الجاكيتات، أو بتصميمات الجاكيتات وفساتين الكوكتيل أو السهرة، التي تعدت ما عودنا عليه من سهل ممتنع إلى السهل المستحيل. التنورات الطويلة، ادخل على بعضها قماش التول الفضي والأبيض العاجي على شكل درابيه بطريقة تبدو وكأنها اخاديد أو انعراجات قشرة المحار. أسلوبه الخاص كان واضحا هنا حتى كاد يغطي على اسلوب كوكو نفسها، حيث اشعرنا، ولو لبضع لحظات اننا في حضرة القيصر ولا أحد غيره، رغم تأكيده العكس «الكل ينظر إلى شانيل أنها أبدعت الجاكيت فقط، لكنها كانت ايضا مسؤولة عن إبداع العديد من التصميمات والافكار والأشكال». لكن في كل الأحوال يمكن القول انها أنعم تشكيلة قدمها كارل لسنوات، وأكثرها أنوثة، فقد اختفت التصميمات القوية الصارمة، بما في ذلك الأحذية عالية الساق التي كانت تغطي احيانا جانبا من الأفخاذ وحلت محلها أحذية من دون كعوب بدت رائعة حتى مع فساتين السهرة الطويلة. كان كل شيء في هذه التشكيلة خفيفاً وناعماً حتى الاشكال الهندسية الملولبة والمتراصة فوق بعضها بعضا، ومن خلالها أكد كارل، مرة اخرى، أنه يفهم امرأة شانيل، ويتقن مغازلتها وإرضاءها، لكن من دون ان يتنازل عن صلابته ووضوحه في التعبير عما يريد، خصوصا انه مثل العديد من مايستروهات الموضة الكبار هنا في باريس، يعتبر «الهوت كوتير» المجال الذي يسمح له بإطلاق العنان لخياله. ولِمَ لا والدار زادت من إنتاجها في هذا المجال بعد انفتاح الاسواق الروسية والآسيوية، وما يعنيه هذا من زيادة الإقبال على منتجاتها ككل. ثقة كارل بمستقبل «الهوت كوتير» كبيرة، ولم تتأثر بتذبذب السوق المالي الذي شهدته اسواق البورصة العالمية منذ بداية الأسبوع الحالي. تفسيره كان أن «ميزة الهوت كوتير ان زبوناتها لا يتأثرن بالتذبذبات الاقتصادية». فهن ثريات بشكل لا يوقعهن بمشاكلها.. ولا يوقفهن عن طلب الأجمل. ورغم انه لم يقدم إبداعا مجنونا أو مسرحيا، إلا انه قدم تشكيلة جديدة في الكثير من جوانبها، وليس ادل على هذا ان الفستان الناعم الذي أبدعته الآنسة شانيل في بداية القرن الماضي عرف على يده عدة عمليات تجميل مبهرة زادته نعومة وأناقة وعصرية، وهو ما يحسب له. فروحه الشابة تنعكس في كل قصة وكل غرزة وكل طية فتتحول القطعة على يديه إلى سيمفونية حالمة بأشكال راسخة في الأرض، لان كل من يراها يشعر انها صممت خصيصا له. في مركز بومبيدو للفنون، أكد كريستيان لاكروا، بدوره، ومن خلال تشكيلته للربيع والصيف المقبلين، ان «الهوت كوتير» في واد والمخاوف من ازمة اقتصادية عالمية في واد آخر. فقد قدم ثورة من الألوان والأقمشة والتصميمات، ليس على مرأى من زبوناته ووسائل الإعلام فحسب، بل ايضا على مرأى من العديد من السياح الذين تجمهروا خارج القاعة الزجاجية، فاغرين افواههم غير مصدقين هذا الكم من الألوان والفخامة، او يلتقطون الصور. بيد أن أقل ما يمكن ان يقال عن هذه التشكيلة أنها، بدراميتها، لن تناسب المرأة الخجولة أو الهادئة على الإطلاق. فهي صارخة في كل تفاصيلها، ضخ فيها المصمم كل حرفيته، ولم يبخل عليها بأي شيء سواء من حيث الأقمشة الثمينة أو التطريزات أو الرسومات التي نفذت على يد خبراء باليد. بعبارة اخرى، فإن كل قطعة شهادة له أنه من أهم مصممي «الهوت كوتير» في الساحة حاليا، وتفسير لسبب حب الأميركيات العارفات لأسلوبه. لم يكن هناك موضوع واحد، باستثناء بعض الإيحاءات الإسبانية مثل جاكيتات البوليرو القصيرة، والورود التي زينت شعر العارضات، إذ كانت هناك إيحاءات إثنية اخرى من اميركا الجنوبية. بعدها توالت فساتين السهرة والمساء الدرامية ضيقة عند الصدر ومنفوخة وسخية بتنوراتها بعضها بأذيال مبتكرة. الأكمام ايضا تميزت بالفخامة والضخامة بعضها على شكل ورود متفتحة وبعضها على شكل بالونات. لكن سيبقى أهم عرض في اسبوع الموضة الباريسي لربيع وصيف 2008 على الإطلاق ما قدمه أمس المخضرم الروماني، فالنتينو، الذي تقاعد بعد 45 عاما من العطاء.