كشوفات أثرية تكشف أسراراً حزينة لمدينة أخناتون

سوء تغذية وحياة يومية صعبة في مدينة الشمس

جانب من الرسومات على جدران مقبرة توت عنخ آمون
TT

في تل العمارنة التي بناها الفرعون اخناتون، وعاش فيها مع زوجته نفرتيتي الموجود تمثالها الفريد في متحف برلين، وجعلها عاصمة لحكمه، وجد فريق من خبراء الآثار البريطانيين على بقايا عظام يُرجحُ أن تكون لعمال بناء من سكان المدينة. ولكن تلك العظام تحكي عن الحياة الشاقة التي عاشها هؤلاء العمال، فقد وجدت البعثة ان العظام تحمل آثار جراح على العامود الفقري، كما تشير الى حالات من سوء التغذية، ووفاة العمال في سن مبكرة.

وعلق البروفسور باري كيمب، رئيس فريق البحث لمحطة بي.بي.سي، «العظام تعكس جانباً داكناً من فترة حكم اخناتون». ويضيف كيمب: «تكشف العظام عن جانب سوداوي للحياة يتناقض تماماً مع الصورة التي حاول اخناتون اشاعتها عن الهروب الى ضوء الشمس والطبيعة».

ورغم ان النقوش الجدارية التي عثر عليها في مقابر رجال الدولة في عصر الدولة الحديثة تحمل الكثير من الرسوم لموائد عامرة بالغذاء إلا أن الكشوف الاخيرة، وما تشير اليه تلك العظام تؤكد فقرا في التغذية يعاكس ما تبرزه تلك الرسومات من الرخاء والوفرة. وهو ما يعلق عليه الاثري الاميركي جيري روز، والذي قام هو وفريقه بدراسة العظام المكتشفة «الهياكل العظمية التي وجدت أخيرا لم تتمتع بحياة راغدة مثل تلك المرسومة على الجدران، فالطعام لم يكن بهذه الوفرة، والطعام الذي توفر لهؤلاء العمال لم يكن مغذياً. نستطيع القول إن هذه المدينة لم تكن تحظى برعاية».

واخناتون أو أمنحوتب الرابع هو فرعون من الأسرة الثامنة عشرة حكم مع زوجته نفرتيتي لمدة 17 سنة منذ عام 1369 قبل الميلاد. وكلمة اخناتون معناها الجميل مع قرص الشمس. وحاول اخناتون توحيد معبودات مصر القديمة؛ بما فيها أمون رع في شكل أتون. ونقل العاصمة من طيبة إلي عاصمته الجديدة أخت أتون بالمنيا، والتي تعرف باسم تل العمارنة. وفيها ظهر الفن الواقعي ولاسيما في النحت والرسم، ظهر أدب جديد يتميز بالأناشيد للإله الجديد آتون، أو ما يعرف حاليا بنظام تل العمارنة. وإنشغل الفرعون اخناتون بإصلاحاته الدينية، وانصرف عن السياسة الخارجية وإدارة الإمبراطورية الممتدة حتى أعالي الفرات والنوبة جنوباً. فانفصل الجزء الآسيوي منها. ولما مات خلفه ابنه توت عنخ آمون الذي ارتد عن آتون وترك العاصمة إلى طيبة، وأعلن عودة عقيدة آمون، معلنا أنه توت عنخ آمون. وهدم كهنة طيبة آثار اخناتون ومدينته ومحوا اسمه من عليها. وتكتسب الكشوف الأخيرة أهمية خاصة، إذ أن علماء الآثار حاولوا جاهدين منذ قرن العثور على أية آثار آدمية قد تعطي فكرة عن الحياة في مدينة اخناتون. ومن المعروف ان المدينة التي عاش فيها أخناتون استغرق بناؤها 15 عاما، وعاش فيها ما يقرب من 50 ألف شخص، ولكن المدينة أقفرت من سكانها بعد وفاة الفرعون وتولي ابنه توت عنخ آمون الحكم. واكتشفت تلك الاثار في مدينة العمارنة، التي كانت عاصمة جديدة امر ببنائها الفرعون اخناتون قبل 3500 عام. وتسجل الكتابات الهيروغليفية لتلك الفترة كيف ان الفرعون، وهو والد توت عنخ امون، كان مصمماً على بناء مدينة جديدة لتخليد اتون. وكانت تضم معابد وقصورا ومقابر فخمة. وترك اخناتون، ومعه زوجته نفرتيتي، العاصمة طيبة، وبها المعبودات القديمة ورهبانها وسار بشعبه 320 كيلومترا شمالا الى ذلك السفح الصحراوي الكئيب قرب مجرى نهر النيل. واستغرق بناء المدينة 15 عاما، لتضم 50 ألفا من السكان، لكن بعد بضع سنوات من موت الفرعون، هجرها الناس وتركت نهبا للرياح والرمال. وعلى مدى اكثر من قرن، ظل علماء الآثار يبحثون دون جدوى عن آثار تل العمارنة، وأخيرا توصل اثريون من فريق بريطاني لاكتشاف مثير عندما عثروا على عظام بشرية في الصحراء حملتها الفيضانات بعيداً. وكانت تلك اول عظام أمكن التعرف عليها للعمال الذين عاشوا في المدينة والثمن الباهظ الذي دفعوه لتحقيق حلم الفرعون. وتظهر اللوحات الموجودة في مقابر كبار المسؤولين، في ذلك الوقت، موائد القربان وقد تكدس عليها الطعام، لكن عظام الناس العاديين الذين عاشوا في المدينة تظهر صورة مختلفة تماماً. وتميز سكان العمارنة بأقصر قامة سجلت في تاريخ مصر القديم، لكنهم عملوا بجد على تحقيق خطط الفرعون الطموحة لبناء عاصمته. واحتاج بناء المعابد والقصور الى كتل حجرية كبيرة، كان على هؤلاء العمال نحتها من الصخر ونقلها مسافة اكثر من كيلومترين من الجبل الى المدينة، وهم يعملون في حرارة صيف تصل الى 40 درجة مئوية. وتوضح البقايا العظمية ان هؤلاء العمال اصيبوا في العمود الفقري واصابات اخرى. ويقول البروفيسور روز إن «هؤلاء الناس كانوا يعملون في ظروف شاقة وهم صغار السن ويحملون اثقالا هائلة». ويضيف: «كان معدل وفيات صغار السن بين سكان العمارنة عاليا جدا بكل المقاييس»، ولم يعش كثيرون بعد سن 35 عاما، إلا ان ظروف العمل تلك لا تفسر وحدها معدل الوفيات في العمارنة. فحتى توت عنخ امون، ابن اخناتون، توفيَّ في العشرينات من عمره، وبدأ الاثريون الآن يعتقدون انه ربما كان هناك وباء في ذلك الوقت. ويتفق ذلك مع السجلات التاريخية للحيثيين، أعداء مصر الرئيسيين، والتي تروي عن الخراب الناجم عن وباء انتقل اليهم من المصريين الذين أسروهم في زمن قريب من عصر اخناتون. ويبدو أن ذلك الوباء كان المسمار الأخير في نعش سكان العمارنة ايضاً.