الأجانب المقيمون في مراكش المغربية يشتكون

تزايد عددهم فرض على مسؤولي المدينة دراسة مشاكلهم وانتظاراتهم

سائح أجنبي أمام كشك لبيع الصحف بشارع جليز بمراكش («الشرق الأوسط»)
TT

يرى بعض أبناء مراكش أن أحوال المدينة الحمراء تغيرت كثيراً بين الأمس واليوم، وذلك بحكم طبيعة وسرعة التحولات الكبرى التي عرفتها في السنوات الأخيرة. وفي هذا السياق، يقول الإعلامي طارق السعدي لـ«الشرق الأوسط» إن «المراحل الانتقالية بمراكش ربما تطول أكثر من اللازم، ولا أحد سيعرف غداً كيف ولمن ستؤول هذه المدينة؟ وممن ستتشكل ساكنتها؟ وكيف ستكون ثقافتها؟ وما الغرض منها أصلاً: هل هي مدينة للتاريخ؟ للاقتصاد؟ للسياحة الثقافية؟ للفلكلور؟ للسينما؟ أم لأشياء أخرى؟ لا أحد يعرف، لحد الآن، على الأقل».

وما تعدد علامات الاستفهام، التي تتساءل عن مستقبل المدينة في كلام السعدي، إلا نموذج من الحيرة التي صار يستشعرها أهلها جراء ما رافق شهرتها وتحولاتها من غلاء ازداد غلاءً، واختناقات غيرت في شكل المدينة وروحها، خاصة مع تزايد اهتمام سياح الداخل والخارج، على حد سواء، وإقبالهم عليها بشكل كبير ومتزايد.

وإذا كان بعض الأجانب، ممن لبستهم المدينة بألوانها وشمسها ودفئها، صاروا حراس مكان وثقافة، مثل الهولندي بيرت فلينت، والإسباني خوان غويتصولو، فإن بعض السكان الجدد، صاروا مغاربة في تصرفاتهم ونمط حياتهم، إذ تجدهم يخالطون المراكشيين في الأسواق الشعبية ويزاحمونهم في الحافلات ويناقشون الباعة في أثمان ما يشترونه بشراسة نادرة تثير استغراب السكان الأصليين، حتى أن منهم من تخلى عن ملابسه العصرية فانتعل «البلْغة»، ولبس الجلباب التقليدي المغربي، وفتح حساب سلف لدى بقال الحي، ومنهم من بادر إلى تأسيس جمعيات للقاطنين، للمطالبة بدور في تدبير الأحياء التي يسكنوها، حتى أنها صارت تمارس ضغوطاً على السلطات من أجل تحسين الخدمات العمومية، خاصة في ما يتعلق بالنظافة وحفظ الأمن.

وفي مراكش، لم يكتف بعض الأجانب بالإقامة والسكن، بل حوّلوا عدداً من الدور التي تملكوها إلى مطاعم ودور ضيافة، ولأن مراكش صارت استثنائية في كل شيء، فقد فرض الواقع الجديد على مسؤوليها أن يأخذوا بعين الاعتبار ما رافق كل هذه التحولات التي تميز المدينة عن باقي مدن المملكة المغربية، من جهة تنوع سكانها وتباين خلفياتهم الثقافية والحضارية وتعدد انتظاراتهم. ولعل من أمثلة هذا التعامل تنظيم المجلس البلدي لمراكش حفلا سنويا يستقبل فيه القاطنون الأجانب بالمدينة.

وقال عمر الجازولي،عمدة مراكش لـ«الشرق الأوسط»، على هامش الحفل الذي احتضنه قصر البلدية أخيراً، إن «السكان الأجانب، الذين يفوق عددهم 14 ألف نسمة، يمثل فيهم الفرنسيون نحو 60 في المائة، هم قاطنون كغيرهم من سكان المدينة، يساهمون بشكل كبير في تنمية مراكش، كما أنهم يعتبرون خير سفراء للمدينة في بلدانهم الأصلية».

وأضاف أن «تنظيم حفل سنوي لفائدة القاطنين الأجانب يهدف الى فتح باب للتواصل والتعارف في ما بينهم، ولكي نتواصل معهم ونعرفهم بما تم القيام به على مستوى المجلس البلدي، خلال السنة الماضية، وما نعتزم إنجازه خلال السنة الجديدة، والاستماع إلى مشاكلهم وانتظاراتهم، التي قد تختلف عن مشاكل وانتظارات المغاربة».

ومع توالي سنوات الاستقرار في المدينة صار بعض أجانب مراكش يتبرمون من بعض المشاكل، التي رافقت توسع المدينة في السنوات الأخيرة، وهي مشاكل عددها عمدة المدينة في «تلك المرتبطة بسيارات الأجرة والسير والجولان والانقطاع المتكرر للإنارة داخل المدينة»، ولأجل ذلك لم تخرج كلمته الطويلة والمفصلة، التي ألقاها امام جمع القاطنين الأجانب، عن حدود رصد المشاكل، وتتبع الانتظارات، حيث قدم جردًا لما تم القيام به من أعمال خلال السنة المنصرمة، وما يعتزم المجلس القيام به خلال السنة الجارية، خصوصاً على مستوى أحياء المدينة القديمة، وكذا بعض الأحياء العصرية، مثل الحي الشتوي وجليز والمحاميد والمسيرة، حيث ينتظر أن تخصص ممرات للراجلين ومراحيض عمومية وسلات للمهملات. كما تحدث عن برنامج التدبير المفوض لبعض الخدمات، مثل التطهير وتوزيع الماء والكهرباء والإنارة والمطارح العمومية. وبعد أن أشار إلى تحويل مقر سوق الجملة للخضر والفواكه، أعلن أن هناك تفكيراً لنقل المحطة الطرقية بباب دكالة إلى مكان آخر. كما تحدث عن مشكلة السير والجولان والبرنامج الطرقي المبرمج للتخفيف من الاختناقات التي تعرفها المدينة. وختم بالحديث عن برنامج يهم الشأن الثقافي والرياضي بالمدينة لعام 2008، يتعلق بتنويع الفعل الثقافي وإحداث دور للثقافة، خصوصاً في الأحياء الجديدة، أما على المستوى الرياضي فتحدث عن بناء ثلاثة مسابح بلدية، وملاعب رياضية.

ومع تحول مراكش إلى مدينة استقطاب سياحي عالمي، وتزايد أعداد المقيمين الأجانب بها، صار بعض المراكشيين يتساءلون عن اليوم الذي سيرون فيه قاطناً أجنبياً عمدةً لمدينتهم أو ممثلاً لهم تحت قبة البرلمان المغربي.

ويعرف المراكشيون أن لتسيير الشأن المحلي والوطني ضوابطه وقوانينه، التي تحدد أهلية وشروط الترشح والانتخاب، لكنهم على الأقل، يتخذون من ظاهرة إقامة الأجانب بمدينتهم مناسبة للتفكه وفرصة لانتقاد تسيير «أبناء البلد» للشأن المحلي والوطني.