جورج كلوني والحنين إلى الماضي

بين نجومية هوليوود والنشاط السياسي

TT

يبدو وكأن جورج كلوني يعيش حالة عميقة من الحنين للماضي بحيث يدفعه هذا الشعور لتغطية كل عقد من عقود القرن العشرين.

ففي الفيلم الكوميدي الرومانسي «رؤوس جلدية» الذي أخرجه ومثّل فيه يعود إلى العشرينات من القرن العشرين حيث يلعب دور لاعب لكرة القدم الأميركية، ويتنافس مع لاعب نجم (جون كراسنكي) على كسب حب صحافية مثيرة للشكوك (روني زيلوغر). وفي فيلم من إخراج الأخوين كوُيْن «أيها الأخ، أين أنت؟» يلعب دورا خلال فترة الكساد الاقتصادي الشهيرة خلال الثلاثينات، وفي فيلم المخرج ستيفن سودربيرغ: «الألماني الطيب» والذي تعود أحداثه إلى فترة الأربعينات من القرن الماضي، وفي فيلم «ليلة سعيدة وحظ سعيد» الذي يعود إلى فترة المكارثية خلال الخمسينات من القرن الماضي، لعب دورا مكنه من الحصول على ترشيح لجوائز الأوسكار للإخراج والتمثيل. وكان فيلمه الاول الذي أخرجه «اعترافات عقل خطير» يمتد من فترة الستينات والثمانينات من القرن الماضي حيث يتعقب حياة تشاك باريز الذي كان يعمل قاتلا لصالح سي آي إيه في أوقات فراغه. لكن كلوني لا يرى ذلك نوعا من الحنين للأيام القديمة. ففيلم «القسوة المفرطة» هو كوميديا متجددة غريبة الأطوار، وفيلم «أوشن اليفن» وما تلاها من أجزاء هو نوع من التعبير عن التقدير لمن يعرفون بـ«رات باك فيجاس» (وهي مجموعة مغنين عملوا معا فيلما كوميديا يحمل هذا الاسم، ومن ضمنهم فرانك سيناترا). بل وحتى فيلمه «مايكل كلايتون» الذي يدور حول محام يخدم مصالح شركة احتكارية كبيرة والذي رشح فيه كلوني مؤخرا لجائزة الاوسكار مرة أخرى، يعود إلى فترة السبعينات من القرن الماضي وهو من أفلام التشويق. لذلك يصبح السؤال التالي مبررا حول جورج كلوني: هل هذا الشخص لا يريد أن يعيش في الحاضر؟

لكنه يقول إن ميله هذا هو ليس حنينا للماضي بل هو بحثه عن مادة قوية وغير عادية وراء توجهه للماضي. وأضاف: «أظن أننا جميعا لدينا هذه الأفكار: العالم كان أفضل آنذاك، أنظف وأسهل» لكن عمل كل هذه الأفلام هو «ليس بأي حال من الأحوال ناجما عن وعي» من هذا النوع. «قدمت أفلاما عن الحاضر وكانت جيدة جدا» حسبما قال كلوني.

صحيح أن حبه الشديد للماضي كما برز في مقابلة هاتفية معه هو أقل من أن يكون شوقا لفترة مجيدة ماضية مما هو نوع من الافتتان بأفلامها. فمن خلال حديثه يتضح أن الأفلام التي يتم عملها اليوم هي ليست مثل أفلام الماضي: ذكية ومثيرة للدهشة وملتبسة، ولعله لهذا السبب يعتبره البعض «كاري غرانت اليوم».

لكن الغريب هو أن أقوى أدواره تجري في الحاضر، وتصاغ حسب الضرورات السياسية والاجتماعية الحالية. فهو حاز جائزة أوسكار كأفضل دور مساعد للعب دور في فيلم سيريانا (2005) حول السياسة الأميركية الخارجية والنفط. وفي فيلم مايكل كلايتون أعطى ربما أفضل أداء كمحام راحت مدخراته المالية تتآكل وحياته الشخصية تتفكك. ما جعله متميزا ليس نجوميته الهوليوودية أو نشاطه السياسي العلني الذي أخذه إلى دارفور والأمم المتحدة بل هو مزيج من الاثنين وهذا يتمثل بقدرته على طرح سؤال بطريقة تقليدية قديمة: «ما هو الشيء الصحيح الذي يجب عمله؟» ثم يطبقها على القضايا التي هي تنتمي للحظة الحالية.

قد يكون «مايكل كلايتون» من أفلام التشويق القضائية حيث يلعب كلوني دور محام يدافع مكتبه عن الطرف المذنب في دعوى قضائية. وهو في الأساس فيلم تشويق أخلاقي. وشخصيته كحلال للمشاكل لصالح المكتب، من خلال عمله كمحام يقوم بتنظيف كل الفوضى التي يتركها زبائنه العاملون في الشركات الكبرى بغض النظر عن الطرائق المريبة التي يتبعها لتحقيق هذه الأهداف. فحينما يتخلى شريكه في المكتب (توم ويلكنسون) عن تناول الأدوية ويبدأ بالتهديد بطريقة مرضية بالكشف عن الأدلة ضد زبائن المكتب، يواجه كلايتون البشاعة التي يحملها عمله والمبني على المساومة بالقيم الأخلاقية.

ووراء القصة المجردة، كان الفيلم بارعا. ومن المفترض أن يكون كلايتون في وضع يسمح لتحقيق نجاح كبير. فهو ذكي وطموح. وهو يشبه جورج كلوني في ذلك. لكنه بدلا من ذلك يرى عالمه وهو يتفكك: فهو أب مطلق لا يمتلك الوقت الكافي كي يبقى مع ابنه الصبي. وهو مفلس وهذا بفضل البار الذي اشتراه وهناك كان يلعب القمار. يجعلك كلوني تشعر في كل لقطة أن كلايتون نفسه مريض إلى حد الموت من هذه الحياة المبهرجة، لكن ذلك لا يعني أنه لن يغيرها.

قال توني غيلروي مخرج وكاتب سيناريو الفيلم الذي استخدم ملامح كلوني الماكرة كي يشير إلى ضياع الكثير من الامكانيات أمام البطل: «كل هذه الأمور تنطبق على جورج: كل هذه الجاذبية، والسرعة في الاستجابة والسهولة في التعامل. إنها أعطت بعدا مأساويا في كونها غير موجودة مع شخص آخر، مع شخص آخر في الفيلم مثل كارل مالدن». منح فيلم «مايكل كلايتون» فرصتين لإلقاء خطاب في احتفال توزيع جوائز أوسكار. ففي الفيلم يواجه شخصية ويلكنسون ويتعقبه من أجل حمايته. وفي مشهد نراه يحاول إقناعه وهو تحت وطأة التعب والغضب، يضيء كلوني كل انعطافة في ما كان يفكر به كلايتون. وفي مشهد تصعيدي يواجه كلايتون شخصية تيلدا سوينتون المحامية الفاسدة فبينما هو يقوم بتمزيقها لا يتجنب من ناحية أخرى من وضع قائمة بكل هناته غير الأخلاقية.

خلال فترة التسعينات لعب كلوني أدوارا كوميدية عديدة مثل فيلم «يوم جميل»، 1996 مع ميشيل بفيفر وتدور حول أم وحيدة مدمنة على العمل الشاق. وقال عن الفيلم: «حالما تبدأ فيه تعرف إلى أين سينتهي».

لكنه بدأ في نهاية العقد الماضي يجرب أرض غير مريحة تماما بما فيها أفلام الأخوين كوين مثل «أخي أين أنت؟» (عام 2000) كذلك لعب في فيلم من صنف أفلام الخيال العلمي عنوانه «سولاريس» (2002) من إخراج سودربيرغ ولم يحقق فيه أي كسب مالي. ومع حملته للحصول على جوائز لفيلمه «مايكل كلايتون» فإنه يرى أن ذلك أسهل من الفيلمين السابقين يروج لهما: «سيريانا» و«ليلة سعيدة وحظ سعيد». فهو بعكس الكثير من النجوم يعترف أنه ضمن حملة دعم. وتكمن قوته لا في كونه صانع سياسات بل كونه شخصا قادرا على جذب الانتباه عن طريق جعل الكاميرات تتعقبه.

* خدمة «نيويورك تايمز»