أعمال الراحل سمير رافع تصافح جمهوره في معرض بالقاهرة

بعد العزلة الباريسية الطويلة

TT

نظمت قاعة «بيكاسو» في حي الزمالك بالقاهرة معرضاً لافتاً للفنان التشكيلي المصري الراحل: سمير رافع، قدمت من خلاله نماذج من أعماله الفنية التي قام بإنجازها في مختلف مراحل حياته العمرية والتي أنتج أغلبها خلال إقامته الطويلة بالعاصمة الفرنسية باريس، والتي عرف عنه خلالها بعده التام عن الأضواء وانعزاله الشديد داخل مسكنه ومرسمه. ورغم قسوة هذه الرحلة الطويلة، إلا أن ثمارها لم تكن كلها مرة. فقد ترك سمير رافع مخزونا ضخما من الأعمال المتميزة، حاز أغلبها على إعجاب المشاهدين لها على اختلاف مستوياتهم الثقافية.

تناول المعرض مجموعة هائلة من أعمال الفنان الراحل التي طغى على أغلبها الشجن فبدت وكأنها تعزف مقطوعة موسيقية حزينة الإيقاع رغم ما تملكه من جرأة شديدة، كانت طيلة الوقت شغل الفنان الشغل في عكس تمرده الملحوظ على أحداث وأمور كانت تحيطه وظلت تطارده بشكل دائم.

العجيب في الأمر هو صبر الفنان وقناعته بهذا القدر البسيط من الحضور الإبداعى وبعده الدائم عما يحيطه من أضواء، كذلك اكتفاؤه الذاتي بما حققه من وجود في بداية ظهوره ضمن كوكبة الجيل الثاني في حركة الفن المصري الحديث. فرغم قوة أعماله وحداثتها وحساسيتها العالية، إلا أن الجانب الأعلى فيها ذلك الانفعال الزمني والحركي إضافة إلى إمكانيته العالية في تحقيق شيء من التوازن اللوني خاصة في سلسة من الأعمال التكعيبية التي احتلت المرأة داخلها الدور الأساسى، ناهيك من استخدامه مفردات ورموزا مساعدة لها كالعقرب مثلاً أو الكلب، رابطاً بين كل المفردات الأساسية منها والمساعدة في شكل درامي منظم بعيدا عن فوضى الزخم الشكلي أو الفكري الذي كان متوقعاً منه بعد كل هذا الوقت من الثورة والألم والانعزال.

تتميز أيضاً بعض أعماله سمير رافع بالمعاصرة لبعض القضايا، كالسلام الذي أراده وجسده في حمامة مثالية ناصعة الألوان نقية الطلعة، أو الجمال المفتقد وسط مجتمع فوضوي نعيشه الآن في حلقة من المفردات القصصية التي عالجت هذه القضية، في مرحلة مبكرة من أعماله، الأمر الذى يجعلنا ندرك حرصه الشديد على التسجيل التاريخي رغم عدم مبالاته التي لحظها الجميع وتأثره القاصر على تحقيق هذا التسجيل بعيداً عن أعين الآخرين، مكتفياً بما رسمه في ما بينه وبين أدواته وخاماته المختلفة، محققاً في نهاية كل ذلك خصوصيته القادرة على تسجيل حالة معادلة من الوجود فوق صفحات التاريخ الإبداعي الذي يؤكد خصوصيته كأحد الرواد في مسيرة الفن المصري الحديث.