الحياة في كؤوس الشاي

الفنان التشكيلي المغربي مصطفى بوجمعاوي في معرضه بالرباط

كأس شاي بعيني بوجمعاوي («الشرق الاوسط»)
TT

يواصل الفنان التشكيلي المغربي مصطفى بوجمعاوي في معرضه الجديد، برواق «باب الرواح» في الرباط، الذي يستمر الى غاية 12 مارس (اذار) المقبل، والذي يحمل عنوان «كؤوس حياتي»، العمل في مشروعه التشكيلي اللانهائي الذي بدأه منذ مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي، وهو الاحتفال بطقوس الشاي في لوحاته الفنية من خلال أساليب شتى تحول هذا المشروب التقليدي اليومي عند المغاربة الى موضوع رئيسي في لوحاته التي تسيطر عليها الكؤوس المرسومة بشموخ، وحبات الشاي المتناثرة على اللوحة مثل حقول سوداء شاسعة. ويتخطى كأس الشاي عند بوجمعاوي الدلالات المتعارف عليها كمشروب بسيط يعشقه جل المغاربة، ليصبح رمزا فلسفيا وثقافيا يتجاوز البعد الفلكلوري الذي يصنف ضمنه، حيث يقول لـ«الشرق الاوسط» انه وجد في الشاي فضاءً لا متناهيا من الابداع، يجسده في لوحاته من خلال اسلوب تشكيلي عصري بعيدا عن التيارات التشكيلية المعروفة مثل التشخيصية، او التكعيبية، او العقلانية، فهو يشتغل على السند والمساحة، فالسند يتغير عنده من لوحة الى اخرى، من الخشب الى القماش، وورق الصحف، الى الشباك المعدني الشفاف، بينما تظل مشتقات اللون الأخضر طاغية على رسوم الكؤوس التي تظل من وجهة نظره «عبارة عن كائنات حية تنظر إلينا وتسمعنا، لأنه منحها بعدا جماليا وشاعريا وسرياليا ايضا».

ويضيف بوجمعاوي أن مشروعه التشكيلي هذا مستوحى من الثقافة المغربية المتميزة والغنية، والتي تختلف من منطقة الى اخرى. فطقوس الشاي تختلف باختلاف المدن والمناطق، من الشمال الى الشرق والجنوب، بل حتى الكؤوس تختلف اسماؤها ودلالاتها، إذ نجد «كأس حياتي»، وهو الكأس الشعبي الواسع الانتشار المعروف بحجمه الصغير، و«كأس عنتر»، المنتشر في المقاهي، ثم «كأس البلار»، وهو كما يصفه «كأس برجوازي» لأنه غالي الثمن، يتميز بألوانه القزحية، ونظرا لغلاء سعره يحتفظ به في الخزانات الزجاجية، ولا يستعمل إلا في المناسبات، او عند قدوم ضيوف مهمين.

لقد تغنى الشعراء بالكأس، وكتب عنه الأدباء، وتغنت مجموعة «ناس الغيوان» المغربية بـ«الصينية»، فلماذا لا يتحول الى موضوع للفن التشكيلي؟ يتساءل بوجمعاوي، فالشاي، في نظره، هو رمز الكرم والترحيب والمحبة والسلام وحوله تجتمع العائلات، وتدور الحوارات والنقاشات. ويقول بوجمعاوي «انه يمتلك معاني غير محدودة، سأظل وفيا لها في أعمالي المستقبلية، لأنه مشروع لا نهائي، قد انتقل من تقنية الى اخرى، إلا ان الشاي سيظل هو المحور».

ولا يتوقف انبهار بوجمعاوي بالشاي الى حدود تشبيهه بالإنسان كون أصلهما من التراب فحسب، بل يزرع فيه الحياة لانه يستدعي الحواس الخمس عند الانسان أي الشم، واللمس، والذوق، والسمع ايضا من خلال الرنين الجميل الذي يحدث عند صب الشاي في الكؤوس، وباختصار اذا كان الفن هو الحياة، فكأس الشاي هو حياة بوجمعاوي.