أرشيف «القافلة» يكشف الوجه الآخر لعبد الله جمعة

رجل النفط الأول في السعودية.. كان مذيعاً وكاتب قصة ومحللا

جمعة أثناء إلقائه كلمة في إحدى ورش العمل لأرامكو («الشرق الأوسط»)
TT

بالرغم من انه يُعرف على نطاق واسع بأنه يرأس شركة تعتبر اكبر شركات النفط العالمية، ويقود اضخم عمليات انتاج البترول في العالم، ويدير مع فريق كبير واحدة من اوسع عمليات الاستكشاف والتنقيب، وادارة اكبر احتياطي نفطي، وشبكة هائلة من عمليات التسويق والتوزيع في اكثر من مائة بلد حول العالم، إلا ان رئيس شركة ارامكو السعودية، عبد الله صالح جمعة، يملك وجهاً ادبياً واعلامياً بدأ به حياته المهنية وظل يرافقه طيلة 40 عاما من مسيرته العملية في شركة ارامكو.

والقليل يعرف ان رجل النفط الاول في السعودية، يملك ميلا نحو الكتاب وقراءة الادبين العربي والاجنبي، ويحمل معه في سفراته الطويلة عددا من الكتب. وطالما تساءل مع زواره وزملائه عن آخر الاصدارات. وفي كلماته بالمناسبات العامة او تلك التي ترعاها شركته يظهر وجها فكريا وادبيا طفاحا بغزارة الثقافة والمحتوى.

وتحفل الاعداد الاولى لصحيفة «قافلة الزيت» التي تحتفل قريبا بمرور 60 عاما على تأسيس الشركة، بمقتطفات ادبية نشرها عبد الله جمعة في بداية مسيرته العملية وتكشف جانبا من ميوله الادبية. وبالاضافة لكتابته القصة، عرف جمعة مذيعاً في تلفزيون ارامكو، ومحللا لأخبار الشرق الاوسط، ومترجما، وموظفا في العلاقات العامة، التي تتولى مهمات الاعلام في الشركة، فمديرا لهذه الادارة.

في احدى إعداد «القافلة» القديمة التي صدرت بداية عام 1970 كتب جمعة قصة قصيرة بعنوان «مصرع شريدة» جاء فيها «عندما يمتزج الرعب بالشماتة والحسرة والشفقة في قلوب الرجال، في آن واحد، تنقلب سحناتهم، يرون ولا يرون، ويصيبهم الصممُ، ينهار البعض ويتلبد احساس البعض الآخر».

لكنه يتندر في قصة اخرى نشرت عام 1971 في مجلة «القافلة» بعنوان «اذا كثرت النواخذة»، على صديقه «شافي» الذي اصيب بالاجهاد وانهال عليه الاصدقاء يصفون له الدواء كل حسب تشخيصه، كان بينهم من وصف له «ملة عشرج»، وهو شراب شعبي يوصف احيانا لالتهابات الامعاء، وباسلوب فكاهي، راح جمعة يحذر صاحبه بأنه «اذا كثرت النواخذة، طبع المحمل». وفي قصة اخرى، بعنوان «غصيت بك يا ماي»، كتب جمعة خاطرة، نشرها في القافلة سنة 1972 يقول، «في ساعة أصيل، بثّ لي صاحبي خالد شكواه. قال انه بدا العمل منذ كان صغيرا مع عمه الذي يحبه اكبر الحبّ ويكن له اكبر الاحترام.. ثم يقول، عندما رويت لجدتي هموم صاحبي خالد، صمتت حتى ظننتُ ان أنامل الوسن داعبت عينيها، فراحت في عالم الأحلام، ولكنها تحركت بعد برهة وقالت، وهي تهزّ رأسها يمنة ويسرة «غصيت بك يا ماي شا ادزك به». والعبارة الاخيرة مثل يشتهر كثيرا في شرق السعودية ومنطقة الخليج. وكتبه جمعة بنفس طريقة نطقه باللهجة المحلية، وهو يشير الى ان من يغص بالماء في حلقه، كيف يمكنه ان يبتلع شيئا آخر، وهو كناية عن حجم المرارة.

وكان اول التحاق جمعة بشركة ارامكو السعودية في صيف 1959، حيث عمل في ادارة الهندسة ضمن برنامج التوظيف الصيفي لطلبة المدارس الثانوية. واثناء دراسته الجامعية، عاد جمعة في احدى العطل الصيفية ليعمل مترجماً في مكتب مدارس الحكومة التي بنتها ارامكو. وفي صيف عام 1967 عمل مذيعا في محطة تلفزيون ارامكو التي كانت تتبع ادارة العلاقات العامة.

وبعد تخرجه عام 1968، أصبح جمعة موظفا رسميا في شركة ارامكو السعودية حيث التحق بادارة العلاقات الحكومية في وظيفة اخصائي ترجمة. وكجزء من برنامج تطويري، اسندت اليه وظيفة محلل لأخبار الشرق الاوسط، ثم عين محللا أعلى في القسم ذاته أواخر عام 1969. ثم اسندت اليه مهمات عمل تطويرية في مكتب ممثل الشركة المحلي في بقيق. وقسم الاراضي وعقود الايجار، وقسم دراسة الانباء.

واعتبارا من يناير (كانون الثاني) 1975، عين جمعة مديرا لادارة العلاقات العامة في شركة ارامكو، حيث نقل الى هذه الادارة قبل ذلك بثلاث سنوات (مارس ـ آذار 1971).

يُذكر ان مجلة «القافلة» تكمل هذه السنة عامها الـ57 فقد صدر العدد التجريبي منها في 19 ديسمبر (كانون الأول) 1951 وعرفت اول اعدادها باسم «الاحداث» واصدرتها شركة ارامكو المتخصصة في استخراج وتكرير النفط والتي تدير ربع احتياطات العالم من الطاقة. وطبع من «الاحداث» ثلاث نسخ على الآلة الكاتبة. وتقدم الأميركي توماس باركر مدير قسم العلاقات العامة في الشركة آنذاك في 13 فبراير (شباط) 1952 بطلب الى الحكومة السعودية يتضمن السماح بإصدار «الأحداث»، مقترحا ان تكون النشرة مكونة من صفحة واحدة وتحتوي على اخبار وصور على ان تزيد مستقبلا عدد صفحاتها. وبعد مداولات ومخاطبات عديدة، تلقت ارامكو في 19 يونيو (حزيران) 1952 موافقة الملك عبد العزيز على اصدار المجلة. وفي اغسطس (آب) تلقت المجلة اقتراحا من عبد الله الملحوق بتغيير اسم المجلة من «الاحداث» الى «الحوادث»، وصدر عدد تجريبي آخر باسم «الحوادث» لكن في اكتوبر(تشرين الأول) 1953، أخذت المجلة هويتها التي استمرت اكثر من ثلاثين عاما. وعرفت باسم «قافلة الزيت» وأصبحت منذ ذلك الوقت مجلة شهرية، وفي 28 يونيو 1955 واجهت المجلة أول مشكلة حقيقية مع ادارة المطبوعات «الرقابة» حيث تم منع المجلة من الصدور لانها استبدلت اسمها القديم «الاحداث» باسماء جديدة دون موافقة مسبقة، ولاسباب اخرى تتعلق باسئلة حول رئيس التحرير، لكن ادارة الشركة تمكنت من تذليل الصعاب من جديد وتلقت موافقة الحكومة بإعادة اصدار المجلة من جديد في 28 فبراير 1956. وبعد ثلاثين عاما من صدورها تحولت «قافلة الزيت» في عدد «مايو (أيار) ـ يونيو 1983» الى اسمها الجديد «القافلة». في مجال الطباعة ظلت المجلة تطبع في بيروت حتى يوليو 1964 بعدها استمرت تطبع من داخل المملكة. وتطبع اليوم مجلة «القافلة» 60 الف نسخة شهريا.