صراع بين التداوي بالأعشاب والطب الشعبي

وسط تزايد الإقبال على صيدليات الأدوية العشبية والنباتية في كردستان العراق

صاحب احد محلات العطارة في السليمانية (تصوير: جمال بنجويني)
TT

للطب الشعبي او طب العطارين تاريخ طويل يمتد الى نحو 5000 سنة مضت، وتؤكد المصادر القديمة بان الهنود والصينيين هم اقدم من مارسوا طب الاعشاب ومن بعدهم كان الفرس ثم العرب والشعوب المجاورة لهم. وخلال السنوات العشر الماضية ازدهر الطب الشعبي او ما يطلق عليه ايضا طب الاعشاب بشكل لافت في اقليم كردستان العراق وتحديدا في مدينة السليمانية، وانتشر في ارجاء المدينة العديد من صيدليات الادوية العشبية والنباتية، وخصوصا في شارع الاطباء المكتظ بعيادات امهر واشهر الاطباء والجراحين. اصبح الاقبال على شراء الوصفات الطبية المصنوعة من خلطات غريبة من مختلف انواع الاعشاب والنباتات المحلية والمستوردة والتي تحمل مسميات نادرة وعسيرة على اللفظ تلاقي رواجا واسعا، وتعبأ تلك الخلطات في قنان زجاجية أو بلاستيكية كانت تستخدم للمشروبات الغازية والروحية ومساحيق الغسيل او حتى في قوارير المربيات وزيت الزيتون. اصبح ذلك الإقبال ظاهرة مألوفة عند الصيدليات التي يقف امامها الزبائن والمرضى احيانا في صفوف طويلة كي يحصلوا على وصفات لعلاج حالات مرضية معينة يعانون منها واستعصت على الطب الحديث بكل إمكاناته العلمية المتقدمة. وقد تذهلك اللوحات المعلقة على واجهات بعض تلك الصيدليات لما تحتويه من وصفات لمعالجة سلسة مطولة من الأمراض مثل فقر الدم والتبول اللاإرادي عند الاطفال وتساقط الشعر والروماتيزم وخفقان القلب وداء الملوك وحمى مالطا والتهاب المثانة والرئة والجيوب الأنفية والإسهال والإمساك والأورام والالتهابات المعدية ووصفات اخرى تخص علاج هستيريا الاعصاب وتقوية القدرة الجنسية وتنظيم العادة الشهرية لدى النساء ومعالجة العقم عند الرجال والنساء والقائمة تطول. ومن يشاهد تلك اللوحات لا بد وانه سيتساءل عن جدوى الادوية الكيميائية ما دامت الاعشاب والخلطات النباتية قادرة على معالجة كل تلك الامراض بنسبة 100 % ودون اي اثار جانبية او عمليات جراحية.

«الشرق الأوسط» تابعت عن كثب سر تلك الوصفات العشبية وماهية الاختلاف بينها وبين الادوية الكيميائية ومدى التباين بين طب الاعشاب وطب العطارين الذي مازال الكثيرون لا يميزون بينهما بشكل دقيق.

يقول الطبيب الباطني المتقاعد عبد الحميد ابراهيم (67 عاما) صاحب احدى صيدليات صناعة الادوية العشبية بشارع حمدي، ان طب العطارين يعد نوعا من الشعوذة والدجل وهو السبب الرئيسي في تراجع طب الاعشاب وعدم انتشاره على نطاق واسع رغم اهميته وفاعليته القصوى. وقد اشار ايضا الى انه الف كتاب عن تراكيب الادوية العشبية ولكنه رفض طبعه ونشره كي لا يقع في ايدي العطارين فيساء استخدامه.

ويرى الدكتور ابراهيم الذي امضى 35 عاما في ممارسة الطب وتدريس الكيمياء النباتية عندما كان عميدا لمعهد طبي في بغداد ان الادوية العشبية والنباتية ذات فاعلية ممتازة ولا تترك آثارا جانبية سلبية على صحة الانسان بخلاف الادوية الكيميائية التي تستخدم في حالات الاصابة الحادة والتي تهاجم المسببات المرضية والاجسام المناعية لدى المريض في ذات الوقت ما يضعف من قدرة ونشاط جهازه المناعي بشكل كبير، مشددا على ان صناعة الادوية العشبية والنباتية يمكن ان تدر ارباحا مادية خيالية لو استغلت على نحو علمي جيد في اقليم كردستان ناهيك عن جدواها العلمي والطبي الكبير. ويؤكد الدكتور بان صيدليته التي اسسها عام 2000 بعد احالته الى التقاعد صارت تستقطب يوميا المزيد من الزبائن ويؤمها المرضى من كل حدب وخصوصا المرضى المغتربون العائدون من الخارج والذين يدركون اهمية وفاعلية العقاقير العشبية التي قال انه يمتنع عن صرفها دون فحوصات مختبرية دقيقة مسبقة توضح اسباب المرض الحقيقية. وأضاف في حديثه لـ«الشرق الاوسط» انه يتعهد بمعالجة امراض استعصت على الطب الحديث مثل تهيج القولون وسوفان العظام وزيادة نسبة الهيموغلوبين في الدم وحالات الاصابة الحديثة بداء السكري بنسبة 100% ودون اية مضاعفات وعزا عدم تعاطي شركات الادوية العالمية مع الاعشاب الطبية الى جملة من الاسباب منها ندرة الاعشاب الطبية او عدم توفرها بكميات كافية في الدول المصنعة للعقاقير وبطء فاعليتها العلاجية علاوة على ان الاعتماد على استخدامها يعني الغاء شركات الادوية الكيمياوية على حد وصفه. الكثير ممن استخدموا الوصفات النباتية اكدوا لـ«الشرق الاوسط» فاعليتها في معالجة حالات مرضية استعصت على العلاج بالادوية الكيميائية وخصوصا الامراض الجلدية مثل الطفح وحب الشباب والتقيحات والالتهابات وبعض الاورام الحميدة وحالات تساقط الشعر وغيرها، في حين اكدت فاطمة عيدان (55 عاما) وهي نازحة من بغداد انها لن تستخدم الادوية العشبية حتى لو قضى عليها المرض وقالت ان ما تبيعه صيدليات الاعشاب هو مجرد خلطات نباتية عديمة الفائدة لا تستحق ثمنها وهو رأي ايده اصحاب العديد من صيدليات بيع الادوية الكيميائية في السليمانية.

بينما يؤكد شاهو فرج ابراهيم المتخصص في الكيمياء وصاحب صيدلية «ده ون» للأدوية العشبية ان العقاقير والادوية التي يصنعها ذات فاعلية كبيرة وتحظى بثقة الزبائن الذين قال ان من بينهم صيدلانيين واساتذة كيمياء يدركون جيدا اهمية وجدوى هذه الادوية واضاف في حديثه لـ«الشرق الاوسط» انه يستخدم الاعشاب المحلية والمستوردة من الصين وايران وسورية في صنع تراكيب الادوية وخلطاتها وطبقا لمعادلات ومعايير كيميائية دقيقة وانه يمتنع عن صرف اي وصفة دون تشخيص مختبري مسبق لحالة المريض وما لم يكن متأكدا من قدرة الوصفة على علاج الحالة بشكل تام. مؤكدا ان صيدليته التي ورثها من اجداده منذ 25 عاما لم تسجل حتى الان حالة لوصفة معينة اتت بنتائج عكسية، وقال ان وصفاته لا تقتصر على معالجة الامراض السطحية بل تشمل الامراض الداخلية ايضا مثل ازالة الرمل والحصى عن الكلى ومعالجة التهاباتها والأمراض التي تصيب جهازي الهضم والدوران وكذلك الروماتيزم بانواعه وامراض الجهاز المناعي وحالات العقم والضعف الجنسي ايضا، ونفى ان يكون طب العطارين قد اساء الى سمعة صيدليته او الصيدليات المماثلة موضحا بان العطارين هم فقط باعة لبعض الاصناف المعروفة جدا من الوصفات الشعبية الموروثة منذ القدم وعلى نحو غير علمي ولحالات مرضية بسيطة جدا كحموضة المعدة او الاسهال والإمساك او غيرها علاوة على كونهم يبيعون الوصفات حسب رغبة الزبون او المريض بعكس صيدليات الاعشاب التي تعتمد المعايير العلمية الدقيقة في صنع العقاقير والوصفات وتصرفها وفقا للتحليلات المختبرية لا تلبية لرغبة المريض.

وفي السوق الشعبي في السليمانية هناك العديد من محال العطارة القديمة جدا والتي تبيع الوصفات العلاجية الى جانب مصائد الفأر وليفات الحمام واصباغ الشعر الرخيصة ومساحيق التجميل المحلية واواني رش العطور وماء الورد اللبان الكردي المفيد جدا في معالجة الحموضة وسوائل التعقيم وغيرها من الخردوات. هذه المحال ذات التاريخ الضارب في القدم كانت ذات يوم بمثابة العيادات الطبية والصيدليات في الوقت عينه وكان المرضى حتى اواخر الستينات من القرن الماضي يقصدونها للعلاج على ايدي اصحابها الذين ورثوا العطارة من اسلافهم.