أحدث نزاعات الجبن في أوروبا

إيطاليا تربح «معركة البارميزان»

TT

حسم معركة الحق باستعمال اسم «بارميزان»، للجبن المعروف الإيطالي الأصل، بين إيطاليا وألمانيا لمصلحة الأولى، يذكّر بحالات عديدة لموضوع الحق الحصري باستخدام اسم طعام أو شراب معين، وفق أنظمة الملكية الفكرية و«امتياز الاسم التجاري الحصري». وهو ما يعرف في فرنسا بـ«مسمى الأصل المضبوط» (أبيلاسيون دوريجين كونتروليه) ويدرج بالأحرف اللاتينية الأولى AOC.

فبعد صدور حكم المحكمة الاوروبية بمنع المانيا تسمية اجبانها بالـ«بارميزان» استعادت إيطاليا اعتبارها كونها بلد جبن البارميزان، لا سيما ان مصدر هذا النوع من الاجبان يأتي من مدينة «بارما» الايطاليا ومن اسمها جاءت تسمية الجبن.

وتسعى مدينة بارما الى المحافظة على اجبانها من التزوير والتقليد، لعدم المساس بطعمها الاصلي وشكلها الاساسي، إذ تقوم بعض معامل تصنيع الاجبان في المانيا وغيرها من الدول الاوروبية بتصنيع بعض الاجبان الرخيصة وطرحها في الاسواق على انها جبن البارميزان، الذي يعتبر من الذ انواع الاجبان المرافقة للباستا، كما ان سعره يعتبر غاليا بعض الشيء بالمقارنة مع انواع أخرى من الاجبان العالمية. فخلال العقود والسنين الماضية دارت معارك قضائية شرسة دفاعاً عن حصرية اسم تجاري شهير للمأكولات أو المشروبات بهدف المحافظة على نسبته إلى بلد المنشأ، وبالتالي إلى تميّزه. غير أن موضوع الجبن موضوع مثير للغاية لغير سبب. ففي العالم مئات الأصناف من الجبن معظمها ينسب إلى مكان معيّن، غير أن محبيها منتشرون في بلدان عديدة، وبالتالي خرجت أساليب تصنيعها من بلد المنشأ واعتمدت في أماكن عدة. ثم أن ثمة خلافات أساساً على نسبة بعض هذه الأصناف، وهناك أيضاً خلافات طارئة بسبب تغيّر الحدود السياسية في بعض الدول، لاسيما، المستقلة حديثاً مثل سلوفاكيا. في سويسرا وحدها يقدّر أنه يوجد نحو 450 صنفاً من الأجبان من أشهرها الغرويير والأمنتال، وفي فرنسا بين 350 و400 نوع منها 45 تتمتع بـ«مسمى الاسم المضبوط» من أشهرها الروكفور والبري والكاممبير والكانتال. وهذان البلدان الجاران خاضا أحد أشرس وأقدم النزاعات على هوية الجبن.

فالنزاع على هوية جبن الغرويير استعر قضائياً بين السويسريين والفرنسيين منذ عام 1939 ولم يحسم إلا عام 2001 عندما حظي هذه الصنف بـ«مسمى الاسم المضبوط» كمنتج سويسري، علماً بأن مصدر الإشكال وجود أجبان فرنسية لها مواصفات مشابهة، مثل الكونتيه والبوفور، تنتج هذه الأصناف عبر الحدود الفاصلة بين البلدين في مناطق جبال الجورا. وحول هذا الموضوع يذكر أحد أبناء الجيل السابع من عائلة أرنو الفرنسية التي توارثت صنع الجبن في جبال الجورا، أن الأجبان كانت تصنع في المنطقة قبل وجود الحدود السياسية الحالية. ويشير إلى أن هذه المنطقة الجبلية «كانت جزءاً من الأمبراطورية الرومانية ويعيش فيها شعب اسمه السوكواني والكتب القديمة تعلّمنا أن ذلك الشعب كان يصنع الجبن هنا في السنة 40 قبل الميلاد... أي قبل أن تكون هناك فرنسا أو سويسرا». كذلك بين نزاعات الجبن المشهودة مشكلة جبن «الفيتا» اليونانية التي حسمها الاتحاد الأوروبي ـ تقريباً ـ لمصلحة اليونان عام 2006، بعد مقاضاة وأخذ ورد استمر 13 سنة ضد كل من الدنمارك وفرنسا وألمانيا التي تنتج جبنا تحت الاسم نفسه. مع العلم أن الدنمارك وفرنسا أعلنتا اعتزامهما رفع القضية إلى محكمة العدل الأوروبية للبت فيها. وكانت اليونان قد طلبت حماية «مسمى الاسم المضبوط» لبلد منشأ «الفيتا» عام 1994، وفوراً اعترضت الدول الثلاث فبدأت المعركة القانونية. أما أحدث نزاعات الجبن، فذلك الذي اندلع بين بولندا وجارتها سلوفاكيا حول جبن الـ«أوشيبيك»، وهذا الصنف يصنعه سكان أرياف جبال تاترا منذ القرن الخامس عشر، التي تشكل الحدود الطبيعية بين البلدين ويمر فيها خط الحدود. وجاء في نص القرار الأوروبي الذي حسم الجدل بين البولنديين والسلوفاك لمصلحة البولنديين بجعل الـ«أوشيبيك» أسماً محمي المنشأ باللفظ المحلي لجبنهم المحلي المدخّن، وبطريقة الصنع اليدوية التقليدية بحليب الغنم وغير المبستر. ولكن في المقابل سيسمح للمزارعين السلوفاك بمواصلة صنع جبنهم المفضل، الذي يسمونه «أوشتييبوك»، الذي يصنعونه مستعينين بالآلات. وكانت سلوفاكيا قد لوحّت باستخدام حق الفيتو المعطى لها داخل أسرة الاتحاد الأوروبي، عندما شعرت بأن الحكم سيسير في غير صالحها، لكنها عدلت عن ذلك في مايو (أيار) من العام الماضي.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»