مطر الألوان ينعش باريس في موسم الأزياء الجاهزة

فان نوتن ولاكروا وغوتييه قدموا جديدهم

من مجموعة جان بول غوتلييه
TT

يستمر موسم عروض أزياء خريف وشتاء 2009 في باريس ليبعث بزخات من رذاذ الأقمشة المطبوعة والمزهرة التي يلبي بعضها أذواق البريطانيين أكثر من انسجامها مع رغبات الزبونات الفرنسيات اللواتي يملن الى اللون الواحد والقاتم في ثياب النهار والسهرة. لكن الباريسيات، والأُوروبيات عموماً، لم يعدن المقياس الذي يلتزم به المصممون لأن القدرة الشرائية لهذا النوع من البضائع الجمالية تكمن، اليوم، في اليابان ودول الخليج وفنزويلا وأميركا الشمالية.

ومن بين عشرات العروض المقررة في الماراثون اليومي لفتت الانتباه مجموعة المصمم البلجيكي درييس فان نوتن الذي جازف بخلط الألوان والنقوش بثقة كبيرة وكانت النتيجة باهرة في فساتين تجمع بين أُلفة ثياب النهار وعشاءات الشتاء المنزلية وبين أناقة المناسبات الرسمية وحفلات السهرة. وبرع هذا المصمم في استخراج أكبر طاقة ممكنة من الألوان والمطرزات والنقوش النباتية وذلك بوضع اللمسة اللونية الصارخة وسط غابة من طبقات الثياب الداكنة والجوارب السميكة. والضد يبرز حسنه الضد، كما يقول المثل.

هذا التضاد أعطى لمجموعة فان نوتن لمسة من الابتكار في الجمع بين ألوان ما كان معتاداً، وفق الذوق السليم، أن تجتمع من قبل. كما أن الزخرفات تداخلت في نسيج القماش كما التعريشات والتشققات المزروعة في سطح من الرخام. ومثل غيره من المصممين الذين شاهدنا عروضهم في الأيام السابقة استخدم فان نوتن الأقمشة الملونة بلطخات من الألوان، في عودة الى الموضة التي كانت سائدة في الثمانينيات من القرن الماضي. أما القصات لدى هذا المصمم الذي يعد بين المواهب الأكيدة فقد تراوحت بين الخصور الضيقة والكسرات الناعمة فوق الموسلين الغامق، وبين الأشكال الفضفاضة التي تخفي معالم القوام بدون أن تغطي الانوثة تماماً.

ننتهي من فان نوتن ونهرول نحو عرض كريستيان لاكروا ونحن نمني النفس بمهرجان من الألوان والبهارج والالتماعات التي تغسل تعب العينين. ولا يخيب المبدع الكبير أمل جمهوره، حتى من كان منهم من فئة من يتفرج ولا يقتني، إذ يقدم طائفة واضحة لا خلط فيها من ألوان الموسم الجديد كالأخضر الفستقي والفوشيا والبنفسجي والأصفر الفاقع. إن الفساتين تتألق بأقمشة «الساتان دوشيز» ذات الأكمام الطويلة والربطات الكبيرة على الكتف. والمعاطف تجنح نحو الغرابة والجرأة في الزوائد والملحقات والاضافات الرشيقة. ويبدو واضحاً أن لا شيء يعيق مخيلة هذا المصمم الذي يرسم بالقماش والخيوط والشرائط لوحات من تلك التي يدخل التشكيليون بفضلها الى متاحف الفن الحديث.

من يتصور إمكانية تطعيم معاطف الفراء بطيات معقودة من الساتان الأسود؟ أو التوصل الى ذلك اللون الذهبي العريق في الجلود المعتقة؟ أو تحويل القطيفة الى مرتع لوني يشبه زجاج الكاتدرائيات المؤلف من عشرات القطع المختلفة الألوان؟

مفاجأة أُخرى كانت تنتظرنا ونحن نتابع مجموعة المصمم «الفضائي» جان بول غوتييه. لقد استلهم ثياب المغني مايكل جاكسون في أُغنية «ثريلر» التي يحتفل الوسط الموسيقي العالمي، هذه الأيام ، بمرور 25 عاماً على صدور البوم لأول مرة. وانسجاماً مع الأجواء السوداوية للأُغنية، تدفق الدخان الرمادي على منصة العرض وطلعت العارضات مثل جنيات الأساطير مرتديات سترات واسعة مطبوعة بنقوش الحمار الوحشي والفهود والثعابين، تصلح للجيل الجديد من الفتيات العاملات اللواتي يسعين وراء أناقة تناسب العصر الذي نشأن في أحضانه.

هل كان هذا الفراء طبيعياً أم من صنع المعامل؟ الأرجح أنه اصطناعي لأن المصممين يخشون إثارة غضب جمعيات الدفاع عن الحيوان وزعيمتها الممثلة الفرنسية المتقاعدة بريجيت باردو. فلم يترك غوتييه تنورة أو شالاً أو قبعة إلا وطبعها بالطابع الوحشي، وجاء بالصديريات المصنوعة من الفراء المقلوب ووضعها فوق طيات البلوزات الفضفاضة أو الضيقة، وطرزها بخيوط الصوف الخشن.

أنه موسم التنورات القصيرة لكن لا داعي لأن يستبشر محبو التمتع بجمال السيقان الطويلة لأنها ستكون مخفية وراء الجوارب الملونة والمخططة والمطبوعة بجلود الوحوش أيضاً. وهناك السراويل الضيقة التي تحل محل الجوارب، في كثير من الأحيان، وتؤمن الدفء على طريقة الأجداد القدامى وكالسوناتهم الصوفية البيضاء، والفارق الوحيد هو في الألوان.

ولمن تفضل الفستان على البنطلون قدم غوتييه مجموعة بديعة من الفساتين المخملية ومعاطف المطر المفضفضة أو التي يتزاوج فيها الجلد و«الموهير» ذو الألوان الفاتحة.

ولكن امس (الخميس) كان هو الحدث الأهم خلال اسبوع الموضة الباريسي، فبعد ان تقاعد المصمم الأيطالي العالمي فالنتينو في العام الماضي وقدم آخر ابداعاته من خلال اسبوع الخياطة النسائية الرفيعة اواخر شهر يناير (كانون الثاني) لهذا العام، قدمت المصمة اليساندرا فاشينيتي اول تصاميمها للدار العريقة معلنة بها دخول الدار الى مرحلة جديدة في حياتها.