نقوش شرقية تتسلل إلى أزياء الشتاء المقبل في باريس

الجيل الجديد من المصممين يأخذ مواقع المتقاعدين

TT

هل هي تلك الإلفة القديمة بيننا وبين نقوش السجاد والستائر وفساتين الأُمهات ما يثير روائح الطفولة فينا ونحن نتابع عرض «ليونار» في موسم الأزياء الجاهزة لشتاء 2009 الجاري على قدم وساق في باريس، حالياً؟ عاد هذا المصمم الى خزانات حرائر الشرق وقطع النسيج المشغول باليد واستلهم منها فساتين هفهافة تترك الجسد على سجيته ولا تعيق حركة نساء هذا الزمان اللاهثات وراء ألف موعد وموعد في اليوم.

الموعد مع «ليونار» كان لقاء مع شلالات من الزهور البرية ونقوش الكشمير والمراوح اليابانية ذات الألوان التي تعصف بالمخيلة وتستدعي شهقات الإعجاب. إنها أزياء هوائية تنساب بخفة، قدمتها عارضات ذوات جمال سلافي تنسدل شعورهن الطويلة على أكتافهن بإهمال مدروس، يلعب فيها التضاد اللوني لعبته التي يبدو أنها كلمة السر التي اجتمع عليها المصممون هذا الموسم. لماذا لا يمكن الجمع بين القهوائي والزعفراني مثلاً؟ ومن حكم بأن البنفسجي لا يناسب الوردي أو الخردلي؟

النبرة تتغير لدى «جيفنشي» ومصممه الإيطالي ريكاردو تيتشي الذي قدم مجموعة فخمة تجدد الاعتبار لمفهوم «الأناقة الباريسية» كما عهدناه على مدى العصور. إنها أزياء مستوحاة من رموز الثقافة اللاتينية والغوطية، جاءت على هيئة جاكيتات وفساتين سوداء محلاة بالسلاسل والصلبان والميداليات لكنها، وبقدرة مصمم مبدع، انعطفت بهذا المظهر الديني نحو أجواء موسيقى «الروك» وحولته الى عرض يقترب من الأزياء المسرحية الباذخة. ومن تحت الجاكيتات برزت القمصان الحريرية وتلك المصنوعة من الموسلين، هذا القماش الذي ينسب في الأصل الى مدينة الموصل في العراق، وكلها تحتشد بالكشاكش والكسرات التي ترتفع طبقاتها لتغطي الرقبة أو تتجاوز أكمام السترات لتتهدل عند المعصم.

يريد هذا الإيطالي الموهوب أن يرسم صورة فائقة الأُنوثة للمرأة، وهو قد يجنح الى المبالغة في تحميل جسدها كل تلك الطبقات من الفساتين والمعاطف والأوشحة، لكن النتيجة لا تجرح العين بل تحيل النساء أشجاراً متنقلة تزهو بثمارها.

ومثلما ورث ريكاردو تيتشي اسم جيفنشي ورثت أليساندرا فاشينيتي، وهي من إيطاليا أيضاً، مكان المصمم الشهير فالنتينو الذي تقاعد مع بداية هذا العام بعد أن أعطى مهنة تصميم الأزياء نصف قرن من عمره. وقد عرفت الوريثة كيف تستحوذ على الاسم بحذر وتسير على خطى معلمها بدون أن تستفز زبوناته الوفيات، بتصاميم تبتعد كثيراً عن خط فالنتينو. لقد جاءت أليساندرا لتكمل المسيرة لا لتقوم بانقلاب عسكري. ولهذا احترمت الكلاسيكية التي اشتهرت بها الدار وحافظت على تلك اللمسة الناعمة التي تصر على الفصل بين ثياب النساء وثياب الرجال ونبذ كل محاولة للخلط بين الجنسين في دولاب الملابس. وهكذا شاهدنا فساتين كثيرة رقيقة من الموسلين الرمادي وتنورات مستديرة مطرزة بطبقات من الخيوط ومعاطف تزينها ربطات من الساتان الأسود. وحرصت المصممة الجديدة للدار على تأدية التحية لمؤسسها عندما أعطت للون الأحمر حقه في المجموعة، باعتباره اللون الذي كان يتفاءل فالنتينو ويحتفي به دائماً.

وإذا كانت أليساندرا قد حافظت على روح الدار في هذا الموسم فإن الذين يعرفون جموحها يؤكدون أنها أجلت انقلابها الى موسم الأزياء الراقية الذي يقام في الصيف المقبل، وعندها ستكشف عن مخالبها الجمالية وتضخ جرعات كبيرة من التجديد في عروق الشركة المخضرمة.

ومن بين العروض التسعين برزت مجموعة المصمم البريطاني القبرصي الأصل حسين شالايان الذي يختار لكل عرض فكرة محورية تدور حولها أزياؤه. ومحور هذا العام كان الاحتفال بالطبيعة بما فيها من مياه وخضرة وهواء وبالإنسان الذي عرف كيف يتعايش معها. قدم المصمم ثيابه مصحوبة بمجوهرات الصائغ «سواروفسكي». واختار أقمشة مطبوعة بأشكال من الأحجار التي عرف الانسان القديم، في العصور الحجرية، كيف يطوعها لحاجياته اليومية ويستقدح منها النار. بل أن بعض فساتين شالايان كانت تتشكل على هيئة قرود تبعث على الدهشة. كما قدم ثوبين «ميكانيكيين» للدلالة على الزمن الذي انطلقت منه الثورة الصناعية.

وتبقى مجموعة المصممة البريطانية ستيلا مكارتني في البال لأنها نجحت الى حد كبير في المزج بين الأناقة الملائكية والرفيعة وبين مظهر فتيات هذا العصر، المستريحات في أثوابهن والراغبات في الحفاظ على طبيعتهن بعيداً عن التعقيد. وكانت عارضات مكارتني، حسب الموضة المقررة لهذا الموسم، تمشين فوق أحذية مرفوعة على كعوب تشبه المنصات الخشبية العالية، بفساتين منفوخة من القماش الرقيق الرصاصي اللؤلؤي أو ببرانس طويلة من النسيج المقلم بالرمادي والأسود والخاكي.