التويجري.. الجندي الفيلسوف

«الجنادرية 23» تكرمه كشخصية ثقافية مفكرا وأحد أقطاب ومؤسسي المهرجان

خادم الحرمين الشريفين ومشوار طويل مع عبد العزيز التويجري أمتد لأكثر من أربعة عقود
TT

كرم المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) في دورته الـ23 التي رعى انطلاقتها أمس خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الشيخ الراحل عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري كشخصية ثقافية في مهرجان هذا العام وذلك وفاء له وتقديراً لجهوده المتعددة وحضوره المتميز في المشهد الثقافي المحلي والعربي إضافة إلى أن الراحل عد أحد أقطاب ومؤسسي المهرجان وسجل حضوراً لافتاً فيه منذ انطلاقته قبل 23 عاماً وحتى رحيله في يونيو (حزيران) من العام الماضي.

ويتناول مثقفون عرب خلال ندوة التكريم التي تقام مساء اليوم الخميس جهود وإنجازات الراحل كمسؤول ومفكر، كما يفتتح اليوم المعرض المقام بمناسبة تكريم الشيخ الراحل وذلك في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات برعاية الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز نائب رئيس الحرس الوطني المساعد للشؤون العسكرية نائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان.

ويتزامن ذلك مع صدور الأعمال الكاملة للشيخ الراحل التي توزعت بين الفلسفة والأدب والتاريخ والبوح الذاتي وصدرت عن الدار العربية للعلوم في بيروت وعددها 14 مؤلفاً.

حفلت سيرة الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، الذي ودع الحياة في يونيو، بجوانب لافتة ومحطات مهمة، حيث عاصر ملوك الدولة السعودية، بدءاً من الملك المؤسس مروراً بالملوك سعود وفيصل وخالد وفهد، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وشارك الراحل في حل العديد من الأزمات السياسية والاجتماعية، واختير من جامعة حكومية أميركية كشخصية مشاركة في صناعة القرار الاستراتيجي، وعد الشيخ الراحل أطول اكثر سعودي التحق بالعمل الحكومي لمدة تجاوزت العقود السبعة. وقد اولت القيادة السعودية الشيخ الراحل الثقة، وكانت بداية ذلك عندما كتب التويجري، وهو في سن مبكرة رسالة الى الملك عبد العزيز طلب فيها عطفه عليه وإيجاد وظيفة له حيث كانت الكتابة للملك واللقاء به متاحة للجميع صغيراً أو كبيراً، وعندما اطلع الملك المؤسس على خطاب الشاب أمر بنقل أخيه حمد رئيساً لبيت المال في القصيم، وتعيين الصغير مكانه رئيساً لبيت المال في المجمعة وسدير والزلفي. ولد الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري في حوطة سدير (160 كيلومترا شمال غربي الرياض) عام 1917، وتعلم في القرية القرآن الكريم في الكتاتيب وهو النظام السائد في المنطقة قبل دخول المدارس النظامية وذلك على يد «المطوع» صالح بن نصر الله، وبعدها انتقل الى بلدته المجمعة وعمره 6 سنوات. خصصت جامعة هارفرد كرسي الزمالة باسم الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري على شكل توفير منح دراسية للطلاب المتفوقين من مختلف أنحاء العالم للدراسة في جامعة هارفارد، وبالأخص طلاب العالم الإسلامي والعربي. كما حاز الراحل شهادة تقدير من جامعة جورجيا الحكومية بالولايات المتحدة الأميركية كإحدى الشخصيات المشاركة في الدراسة المتعلقة بصانعي القرار الإستراتيجي. وأسندت للراحل وظيفة نائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة. وعلى الصعيد السياسي، شارك الراحل في معظم رحلات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، منذ أن عين رئيساً للحرس الوطني عام 1965 إلى مختلف دول العالم، كما شارك في كثير من مؤتمرات القمة الخليجية والعربية والإسلامية والدولية، وشارك في الكثير من الندوات الفكرية في المملكة وخارجها.

عاش الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري اليتم وهو صغير، وتجرع مرارته وذاق مواجعه بعد أن رحل والده وهو في سن مبكرة، وذلك بالقرب من الجبيل، اثناء عودته من رحلة علاجية الى البحرين، ويومها لم يكن الصغير يعرف شيئاً عن فكرة الحياة والموت وأسهم ذلك في تكوين شخصيته الابوية الحانية. ويبدو أن اليتم في طفولة الشيخ عبد العزيز التويجري اسهمت في تكوين شخصيته الابوية الحانية، حيث برزت معاناته من ذلك حتى كتب «اليتم الموجع أثر في حياتي، وعجزت عن احتماله أو تفهمه آنذاك». بدأ الشيخ التويجري رحلته مع الثقافة في سن مبكرة، لكنه وبعد سنوات طويلة مع الكتاب والقراءة والاطلاع والبحث والتقصي والاحتكاك مع رموز السياسة والثقافة والادب في العالم، أصدر أكثر من 14 مؤلفا كان لها صدى محلي وعربي. وإذا كان التويجري مؤلفاً في جانب من جوانب شخصيته فقد دفع نجاحه في هذا الجانب الى قيام المعجبين به الى التأليف عنه، حيث انجز الكاتب فؤاد مطر قبل سنوات مؤلفاً تناول فيه سيرة قائدين، هما الملك عبد العزيز وجمال عبد الناصر لكاتبين عايشا الأحداث فدرساها وأرّخاها ليقدماها للقارئ بتفاصيلها وخباياها وخفاياها، وقام المؤلف بخلط السيرتين في سياق واحد: الشيخ عبد العزيز التويجري يؤرخ للملك عبد العزيز آل سعود، ومحمد حسنين هيكل يؤرخ لجمال عبد الناصر. ويرى المؤلف أن اعتماد بعض هذه الشهادات والوثائق ـ المنشورة في كتب وضعها عرب وأجانب وفي مجلات سبق أن صدرت في الأربعينات من القرن العشرين ـ من قبل الشيخ التويجري أعطاها صفة الشهادة الصادقة والوثيقة التي لا شك في صحتها، وذلك من موقعه الرسمي من جهة وعلاقته التراثية بالملك عبد العزيز من جهة أخرى، مما يؤكد صحتها وسلامتها. فالكاتب لم يعايش بطل كتابه لسنوات فقط، وإنما كان من الذين عملوا في رحاب مملكته، وبطبيعة الحال فإنه لا يكتب بمنهج الزوّار أمثال أمين الريحاني، أو بمنهج المستشرقين الذين تتبعوا مسيرة الملك، وإنما يكتب بمنهج القريب من صاحب القضية ولديه رسائل بخط اليد تعود لسنوات 1939 و1942 و1947. وفي هذه الحال يسلّط الضوء على الجوهر أكثر من انبهاره بالمظهر، كما هي حال الزوار العابرين وحال المستشرقين، إضافة إلى ذلك أن وضعية التويجري تتيح له أن يسمع من سعوديين، عاصروا الملك عبد العزيز، أو عملوا في ديوانه ما لا يمكن أن يرويه هؤلاء لأحد غيره. وهذا يحقّق الوصول إلى أعماق الملك عبد العزيز. ويستوقف قارئ كتاب التويجري، كما يلاحظ المؤلف، التركيز إلى درجة الانبهار، على الرؤية الوطنية للملك الراحل، يستوقفنا قول الملك عبد العزيز: «إن العروبة والإسلام جسد وروح، فلا عروبة إلاّ بالإسلام». وقول الملك الراحل: «وطننا العربي والإسلامي كما هو معلوم ومرئي قسّمته الأيدي الآثمة وبددته، وزرعت الفتن بين الأخ وأخيه. وأنا لا أهل لي غير العرب والمسلمين ولا وطن لي إلاّ وطنهم ولا عزّ إلاّ بعزهم، ولا حرية إلاّ بحريتهم..». وعند التأمل بأحوال الوطن العربي اليوم نلاحظ أن العلاج لما نحن عليه هو في اعتماد ما رآه الملك عبد العزيز قبل أكثر من نصف قرن. أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فقد أدرك الملك باكراً خطورة وعد بلفور، وقال: «إنه ليشرفني أن أموت في ميدان القتال كشهيد لحق فلسطين العربية». وقد أرسل مذكرة للرئيس الأميركي روزفلت مؤرخة في 10/3/1945، يجد المرء نفسه، لدى قراءتها اليوم، أمام تشخيص وتحليل بعيد النظر لمستقبل القضية الفلسطينية. فقد توقع أن يقوم الصهاينة بسلسلة من المذابح بين العرب، كما توقع مبكراً الاعتداءات والحروب الإسرائيلية على العرب حين قال: «إن مطامع اليهود ليست في فلسطين وحدها، فإن ما أعدوه يدل على أنهم ينوون العدوان على ما جاورها من البلدان العربية.. ففضلا عن أن حشد اليهود في فلسطين لا يستند إلى حجّة تاريخية ولا حق طبيعي، وأنه ظلم مطلق، فهو في الوقت نفسه يشكل خطراً على العرب والشرق الأوسط. وصفوة القول إن تكوين دولة يهودية في فلسطين سيكون ضربة قاضية على كيان العرب ومهدداً للسلم في استمرار.. وإذا نفد صبر العرب يوماً من الأيام ويئسوا من مستقبلهم، فإنهم يضطرون للدفاع عن أنفسهم وأجيالهم المقبلة إزاء هذا العدوان». يقول المؤلف: مع أن التويجري لا ينهج المنهج الافتراضي في التحليل، إلاّ أننا نجد أنفسنا نفترض وفق المبادئ التي التزم بها الملك عبد العزيز وتمسك بها بأن الرجل ما كان ليرتضي ما حدث، وكان في ضوء الثوابت الواردة في مذكرته سيعتمد نوعاً من المواجهة تخفف من وطأة الظلم، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن تلك المذكرة بمضمونها ومفرداتها كانت الدافع الأساسي وراء عقد مؤتمر القمة العربي الأول في «أنشاص» في 28/5/1946 الذي خرج بمقررات تقضي برفض فتح أبواب فلسطين لهجرة اليهود، وقرار آخر يعلن التمسك بهوية فلسطين العربية واستقلالها، وقرار ثالث قضى بتشكيل هيئة وطنية تمثل كل القوى الفلسطينية «على منهج واحد ينأى بهم عن الخلافات التي تستغلها الحركة الصهيونية». وتستوقف دراسة التويجري، كما يرى المؤلف، صفات الملك الراحل وخصاله، فهو مقدام وشغوف بالانتصار في المواجهة العلنية، واثق من نفسه ومن حتمية الانتصار، محب للعلم، مسكون ببناء الدولة الحديثة، والتحديث ممارسة موروثة نفَّذها الأبناء الذين توالوا على الحكم بعد والدهم، متسامح تسامح الحاكم المقتدر مع الخصوم، محب للعمل على نحو ما اختصر التويجري الحالة بالقول: «عبد العزيز والوقت لا يفترقان». كما تأسر قارئ الدراسة بساطة العيش التي اعتمدها الملك. وقدّم لكتاب التويجري محمد حسنين هيكل، الأمر الذي يعني أن ما جذبه لكتابة المقدمة هو شغفه بالحالات المماثلة لحالته مع عبد الناصر، مع فارق جوهري هو أن هيكل سارع إلى كتابة تجربة عبد الناصر لعلمه بأن نصالا كثيرة سيتم إطلاقها على هذه التجربة لمجرد مواراة ناصر التراب. أما تباطؤ التويجري في وضع دراسته عن الملك عبد العزيز فلا تأتي لضرورات دفاعية، وإنما تأتي بعدما استقرّت التجربة في ضمائر الناس. وهو يكتب ليس للدفاع وإنما يريد القول إن خلاص الأمة يكمن في العودة إلى بعض المنابع. فالملك عبد العزيز أحد حكام قلائل في العالم الثالث الحاضرين دائماً في أذهان شعوبهم ولا تنطبق عليهم الظاهرة المألوفة، التي تتمثل في أن الحكام الذين يتعاقبون على الحكم يعملون على تغييب من سبقهم. وعن رأي هيكل في الملك عبد العزيز آل سعود، يعرض المؤلف كلامه التالي: «إن الملك أسس دولة وأنشأ نظاماً، وتلك مهمة تعهد بها المقادير لرجال لا يتكررون بسهولة، ذلك أن تأسيس الدول وإنشاء النظم يحتاج أول ما يحتاج إلى إرادة تستطيع في لحظة استثنائية أن تحرّك التفاعل الكيميائي الخلاّق بين الجغرافيا والتاريخ، ممّا يولِّد ويفجِّر طاقة فعل هائلة... إن الملك عبد العزيز بكل المعايير شخصية تاريخية كبيرة ضمن مؤسسي الدول ومنشئي النظم».

* حياته العملية

* بدأ التويجري حياته العملية في سن الشباب متطوعاً في صفوف جيش الملك عبد العزيز، وفي عام 1931 عين مشرفاً على بيت مال المجمعة وسدير والزلفي بأمر من الملك عبد العزيز، وفي عام 1938 عين رئيساً لمالية المجمعة وسدير والزلفي بأمر من الملك المؤسس، ثم عين في عام 1961 وكيلاً للحرس الوطني بموجب مرسوم ملكي، وفي عام 1975 صدر مرسوم ملكي بتعيينه نائباً لرئيس الحرس الوطني المساعد بالمرتبة الممتازة، وفي عام 1977 صدر أمر ملكي بتعيينه نائباً لرئيس الحرس الوطني المساعد بمرتبة وزير. شغل الشيخ الراحل عدداً من المهام القيادية في الدولة والتي من أبرزها: عضويته في مجلس الأمن الوطني، ومجلس القوى العاملة والمجلس الأعلى للدفاع المدني، كما كان نائباً لرئيس مجلس إدارة مكتبة الملك عبد العزيز، ونائب رئيس اللجنة العليا بالحرس الوطني، وعضو اللجنة العليا لإعداد النظام الأساسي للحكم، وعضو اللجنة العليا لإعداد نظام مجلس الشورى، وعضو اللجنة العليا لإعداد نظام المناطق، ونائب رئيس هيئة الإشراف على مجلة الحرس الوطني.

* مؤلفاته > «لسراة الليل هتف الصباح.. الملك عبد العزيز دراسة وثائقية» >«عند الصباح حمد القوم السرى... الملك عبد العزيز دراسة وثائقية» > في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء > أبا العلاء ضجر الركب من عناء الطريق > حاطب ليل ضجر، رسائل إلى ولدي: منازل الأحلام الجميلة > رسائل إلى ولدي: حتى لا يصيبنا الدوار > خاطرات أرقني سراها > ركب أدلج في ليل طال صباحه > رسائل خفت عليها الضياع > أجهدتني التساؤلات معك أيها التاريخ > رسائل وما حكته في بيتي > ذكريات وأحاسيس نامت على عضد الزمن > الإنسان رسالة وقارئ