«أوبرا بكين» تمهد للهبوط في بيروت

الصين تعاود تسويقها كرمز لثقافتها الكلاسيكية

لبنانيان يرتديان الملابس الصينية وقد صبغا وجهيهما بالأصبغة وكأنهما يستعدان للمشاركة في أوبرا بكين (تصوير: جوزف أبي رعد)
TT

«لو شاهدت على المسرح طاولة ووراءها كرسي، فهذا معناه أننا في البيت. أما لو رأيت الكرسي موضوعاً على الطاولة، فهذا معناه أننا في الجبل. أما لو وجدت أن الكرسي والطاولة غطيت خلفيتهما بستارة، فلا بد أن تعرف أننا في المكتب». على هذا النحو كانت استاذة الفن الدرامي الصينية زهانغ وي، تشرح للحضور في «مسرح مونو» البيروتي مساء الأربعاء الماضي، ألغاز «أوبرا بكين» التي ستحط في بيروت، مايو (ايار) المقبل. وهذه الأوبرا التي هي اليوم من أقدم الفنون المسرحية التي تبقت في العالم، تتجاوز الأوبرا الأوروبية في تعقيداتها وصعوبة تقنياتها، وكثرة رموزها. ورغم أن كل زائر لبكين لا بد أن يفعل ثلاثة أشياء رئيسية، زيارة جدار برلين ومشاهدة «أوبرا بكين»، ثم أكل البط بالطريقة الصينية، إلا أن فهم هذه الأوبرا الفريدة من نوعها، يكاد يكون غير ممكن، من دون معرفة أسرارها.

ولهذه الغاية سبقت البروفسورة زهانغ العرض الأوبرالي المنتظر في بيروت، بشروحات مثيرة. فهذه الأوبرا يختلط فيها الغناء بالرقص والمعزوفات الموسيقية الحية إلى جانب الألعاب البهلوانية وفنون القتال والرسوم، وغالباً ما تقدم قصصاً تعود إلى ما قبل الميلاد، بالاستعانة بأنواع من الماكياج، يصل إلى حد طلاء الوجه بالكامل، في طريقة تذكر بالهنود الحمر. وكل طلاء أو قناع يرمز إلى شخصية بعينها، لها بعدها التاريخي والاجتماعي، هذا إلى جانب الملابس، التي تعني زركشات وقصات كل منها، اننا أمام شخصية معينة، لا يمكن للصيني أن يخطأها.

ويخبرنا أحد الصينيين الموجودين في اللقاء أن هذه الأوبرا التي تعتبر خصوصية ثقافية لمدينة بكين وجوارها، كانت الفن الأكثر شعبية قبل انتشار التلفزيون، لكن الحكومة الصينية تعيدها اليوم إلى الواجهة وتسوقها ثقافياً، وتوليها عناية كبيرة، كرمز للثقافة الصينية الكلاسيكية.

وهذا الفن الذي يقدمه في الصين ما يزيد على 300 مسرح، رغم موسيقاه الهادئة وقصصه التاريخية، إلا أنه يعتمد على الإبهار والتقشف، وله أساليبه الإيحائية. فغالباً لا يكون على المسرح أي قطعة من الديكورات الثقيلة وبمقدور الممثلين أن يجسدوا المشاهد التي يريدونها من دون احتياج لعدة كبيرة.

فهناك القتال في البحر، من غير وجود مياه على المسرح، والقتال في الجو حتى نشعر بان الممثلين يطيرون لكثرة الضباب وهم يستخدمون سيوفهم وباقي أسلحتهم، وكذلك بمقدورك أن تتابع الممثلين يمخرون عباب الماء من دون وجود قوارب أو نهر حقيقي يجتازونه، او امرأة تطعم دجاجها من غير دجاج على المسرح، وأخرى تخيط ثوباً لا نراه، بل نشعر به، كل هذا شاهده الحضور، على شاشة بينما كانت الأكاديمية الصينية، تشرح غرائب هذا المسرح الرمزي، الذي بلغ العالمية ويريد أن يفرض نفسه كأحد الأصول الأساسية للفن المسرحي الذي يعرفه البشر اليوم.

وقفت البروفسورة زهانغ وي، ومثلت أمام الجمهور كيف تفتح باباً غير موجود على المسرح في «أوبرا بكين» وكيف تغلقه أيضاً، وغنّت طالبة من الجمهور أن يصفق معها بإيقاع صيني لم تعتده الأذن العربية. وبدا أن الجمهور بات يعرف بعد هذا التقديم المصور المدعوم بالشروح وأشرطة الفيديو والتمثيل الحي، كيف يتعرف على شخصية الجنرال من ملابسه والرسوم الموجودة على وجهه، وكيف له أن يميز المرأة الفاضلة من تلك اللعوب من خلال ردائها والألوان التي يصطبغ به وجهها. حوالي أربعين راقصا وممثلا سيحضرون إلى لبنان في مايو المقبل، ليقدموا «أوبرا بكين» في الجامعة اليسوعية في بيروت بالتعاون مع معهد كونفوشيوس، وسيكون على المجتهدين الذين جاؤوا لمتابعة هذا الشرح / التوطئة، أن يفهموا ويحللوا ويستمتعوا ـ كما لن يتاح لغيرهم ـ هذا الفن الذي يعود بأصوله إلى ما قبل الميلاد، وما يزال الصينيون يجدون فيه متعتهم، وفخرهم الوطني. ولمزيد من التقارب بين هذه الأوبرا والعرب، وزعت السفارة الصينية كتاباً مترجماً إلى العربية عنوانه «كتاب تمهيدي لأوبرا بكين»، فيه نصوص لأهم الحكايات الصينية التي تستلهمها الأوبرا. والكتاب يشرح ايضاً بعبارات موجزة ان أوبرا بكين تعكس أفكار الفيلسوف الصيني الشهير كونفوشيوس (551 ق.م-479 ق.م) واعتباراته في ما يخص الأخلاق. ولا يوجد تراجيديا أو كوميديا خالصة في أوبرا بكين، بل إن هذين الوجهين من الحياة لا ينفصلان، فالصراع بينهما هو الأداة التي تحمل كل قصة إلى خلاصتها التي لا لبس فيها».