الحكومة الألمانية تحول ملجأها النووي السري إلى متحف

أنشئ أثناء الحرب الباردة في جبال آرتال

TT

بعد أن كشفت الحكومة الألمانية عن أعظم أسرارها في فترة الحرب الباردة، وهو الملجأ النووي الضخم في جبال آرتال، قررت الآن تحويل جزء من هذا المخبأ إلى متحف يحمل اسم «أرشيف الملجأ الاتحادي».

وهكذا رفعت الحكومة الألمانية الستار عن أحد أهم أسرارها بعد أن ضحكت كثيرا من سراديب ألمانيا الشرقية التي تمتد بين شطري برلين وتحت الجدار بالضبط. وذكر فلوريان ماوسباخ، مسؤول شؤون البناء في الحكومة الاتحادية، أن حكومة المستشارة انجيلا ميركل قررت تحويل جزء من الملجأ إلى متحف وتفتح أبوابه للزوار يوميا. وسيحتل المتحف نحو 200 متر مربع فقط من المبنى الضخم الذي يمتد بالعنكبوت داخل الجبل بمسافة 19 كيلومترا. ويتألف الملجأ من 5 أقبية ضخمة ترتبط فيما بينها بشبكة من الممرات والغرف وتتحكم فيه أبوب حديدية منيعة. ويفترض أن يحمي الملجأ الحكومة في حالة نشوب حرب نووية أو بيولوجية أو كيماوية إبان حقبة الحرب الباردة. ويمتد المخبأ من الجبل إلى باطن الأرض الصخرية بعمق 110 أمتار. ويتسع الملجأ إلى 3000 شخص هم، عدا عن المستشار ورئيس الجمهورية، رجال الحكومة وأعضاء البرلمان، أعضاء المجلس الاتحادي ورئيس محكمة الدستور. ويضم المبنى 936 غرفة، تضم كل غرفة 4 أسرة، عرض الواحد منها 80 سم، وهناك غرفتان فقط مزودتان بسرير واحد، وهما الغرفتان الخاصتان بالمستشار ورئيس الجمهورية. ويحتوي المبنى على 897 مكتبا، 5 قاعات طعام تتسع كل منها إلى 600 شخص مرة واحدة، ومستشفى وغرف عمليات، وغرف سيطرة، وحمامات.. إلخ. ويُفترض أن يحمي القبو الصخري الحكومة لمدة 30 يوما في الأقل في حالة حصول حرب عالمية ثالثة أو تعرض ألمانيا إلى الصواريخ الروسية. هناك مخازن كبيرة تحتوي على أحدث الملابس الواقية من سموم الحروب النووية والبيولوجية والكيمياوية.

صمم الملجأ المكتب الهندسي «شرودر ـ سيفاردو» في بون. ويقع المبنى في وادي الآر غير بعيد عن العاصمة السابقة بون وتحميه بوابة حديدية وزنها 25 طنا. وتم خلال البناء توسيع نفق قطار قديم ومهمل بناه آخر قياصرة ألمانيا عام 1903 ليسهل إمدادات الحروب إلى الجبهة الفرنسية القريبة. واستخدمه أدولف هتلر للصناعة الحربية ولم يفكر في تحويله إلى مخبأ بسبب وجود العاصمة آنذاك ببرلين. عمل فيه عمال، تم اختيارهم من الجيش وبدقة، بين 1960-1972 وعمل فيه نحو 200 موظف دائم حتى عام 1997. وكان على هؤلاء الموظفين أن يسهروا ليلا ونهارا على تحضير الملجأ لاستقبال الحكومة في أي وقت، ويسهرون على توفير الأغذية وتجديدها بشكل مستمر.

ويقول ماوسباخ إن الحكومة اتخذت قرار بناء الملجأ عام 1955 أي بعد انضمام ألمانيا إلى حلف الناتو. ويضيف أن الحكومة تخلت عن الملجأ بعد توحيد ألمانيا، وانتهاء الحرب الباردة، وانهيار حلف وارشو وتقلص المخاوف من الحروب النووية. إلا أن حكومة المستشار الاشتراكي السابق جيرهارد شرودر فكرت في إحياء العمل فيه بعد عمليات 11 سبتمبر (أيلول) التي أثارت المخاوف من القنابل الإرهابية النووية «القذرة». وموّهت الحكومة على البناء باسم «دائرة مارينتال» وجعلت من المنطقة القريبة منه مطارا «خاصا» للطائرات الصغيرة وطائرات الهليكوبتر.

وكانت كلفة بناء الملجأ (4 مليارات مارك أو 2 مليار يورو) أكثر الأبنية الحكومة كلفة في تاريخ الحكومة الألمانية بعد تقسيم ألمانيا. وتم صبغ الغرف والقاعات باللونين الرمادي والزيتوني اللذين يذكران بالألوان العسكرية. وهناك مخارج تحميها بوابات حديدية ضخمة إلى جانب الأبواب الحديدة الصغيرة التي تفصل بين الغرف والقاعات التي يبلغ تعدادها نحو 25 ألف باب. وكان العارفون بالمبنى، من أعضاء الحكومة، يتندرون على الملجأ باسم «فندق الساعة الأخيرة». وأجرت الحكومة طوال الفترة التي سبقت سقوط جدار برلين تدريبات خاصة لأعضاء الحكومة على كيفية دخول ومغادرة الملجأ وكيفية العمل داخله. وخصصت الحكومة قاعات كبيرة لاجتماعات البرلمان تحت الأرض في حالة نشوب الحرب. يتألف المتحف الجديد من غرف وقاعات. وتضم غرف المستشار ورئيس الجمهورية، والسيطرة، والأرشيف، ومخزن البدلات الواقية، وبعض الحمامات، إحدى البوابات الضخمة وجزء من الممر والنفق العمودي الذي يمتد إلى عمق الأرض. ويقول عامل السيطرة، فالتر شورمان، 74 سنة، إنه عمل 29 سنة في الملجأ، وكان يعمل من الصباح حتى المساء، وأحيانا في الدفعات المسائية، دون أن تعرف زوجته مكان عمله. ويضيف «أقسمنا جميعا أمام الحكومة على كتمان السر والحفاظ على الملجأ في حالة استعداد دائم».