آثار مصر الغارقة تحل ضيفة في إسبانيا وتتنفس عبير الأندلس

بعد جولة استمرت عاماً في فرنسا وألمانيا

TT

بعد جولة أوروبية استمرت عاما، يتنفس معرض الآثار المصرية الغارقة عبير أرض الأندلس مجددا ضيافته الأوروبية بالعاصمة الأسبانية مدريد، اعتبارا من منتصف ابريل (نيسان) المقبل. في تظاهرة ثقافية يترقبها آلاف الإسبان، وبعد أن حظي المعرض باحتفاء بالغ في جولاته بكل من باريس وبرلين وبون.

وبحسب المسؤولين، من المقرر أن يحقق المعرض لمصر عائدا يبلغ 900 ألف يورو. ليصل إجمالي ما حققه المعرض خلال فترة تجواله في أوروبا حتى الآن 4 ملايين يورو.

يضم المعرض 489 قطعة أثرية تم انتشالها من أعماق البحر المتوسط في مدينة الإسكندرية، ترجع إلى عصور تاريخية متفاوتة، اكتشفها خبراء الآثار المصريون بالتعاون مع بعثة المعهد الأوروبي للآثار الغارقة العاملة في الإسكندرية منذ أوائل التسعينات في القرن الماضي. وهذه القطع لا تمثل إلا جانبا محدودا من الآثار الغارقة المكتشفة في مصر، ومنها قطع ضخمة وتماثيل عملاقة نقلت جوا وبحرا لتتجول في أوروبا لمدة عامين. ويتم توجيه العائد المادي للمعرض إلى تمويل الدراسات والتصميمات اللازمة لإقامة أول متحف للآثار الغارقة في الإسكندرية، بجانب ما سيحققه المعرض من دعاية إعلامية وسياسية لمصر.

وإلى جانب هذه القطع الأثرية، يضم المعرض لوحة حجرية عليها تقويم مصري قديم تعد فريدة في نوعها حتى أن «جيريون سيفرينش» مدير المتحف الألماني وصفها بأنها من أعظم الآثار البشرية المكتشفة، بالإضافة إلى أحجار من الغرانيت الأسود بنقوش هيروغليفية ويونانية.

هذه الآثار تشكل خلاصة تاريخ طويل ممتد من العصر اليوناني الروماني إلى العصور الأخرى التالية، بما فيها المحطات التاريخية التي شهدتها مصر، وارتبطت بسنوات الاحتلال الفرنسي، ثم الإنجليزي والمعارك البحرية التي وقعت بينهما بالإسكندرية.

وكان البحر المتوسط شاهدا على مثل هذه الأحداث، وهو ما أسفرت عنه اكتشافات الآثار الغارقة عندما تم انتشال الأساطيل الحربية للفرنسيين، وبعض مدافع «نابليون بونابرت» إضافة إلى بعض التماثيل التي تعود للعصر اليوناني والعملات المعدنية التي تعود إلى العصر الإسلامي. لم يكن هذا فحسب الذي باح به قاع المتوسط، بل كانت هناك مدن أخرى غارقة تم انتشالها من المياه وخليج أبو قير في الإسكندرية مثل مدينتي «كانوب وهيراقليوم» اللتين ترجعان إلى العصر اليوناني الروماني، إلا أن كل هذه المكتشفات الغارقة لن يتم إشراكها في المعرض المتجول والذي يقتصر على بعض القطع الصغيرة والتماثيل حفاظا على القطع الأخرى من الرحلات الجوية.

أعمال التنقيب عن التراث المصري الغارق بدأت في خريف عام 1995، عندما تم اكتشاف الجزء الغارق من الحي الملكي بالميناء الشرقي في الإسكندرية، إلى أن توالى الكشف عن أسطول نابليون الغارق في ميناء أبو قير في الإسكندرية ومدينة «هيراقليوم» الرومانية، وبعض القطع الأثرية الصغيرة التي ترجع إلى عصور مختلفة.

وتعود بداياتها إلى عام 1909 عندما بدأ الأمير عمر طوسون أعمال التنقيب عن تراث مصر الغارق في الإسكندرية، إلا أنه ومع ضعف الإمكانات وقتها توقف المشروع عدة مرات، إلى أن تمت إعادته في منتصف التسعينات من القرن الماضي بالاستفادة بأحدث التقنيات، حيث يتم استخدام أجهزة الاستشعار عن بعد.

واستطاعت البعثة الأوروبية والمجلس المصري الأعلى للآثار عام 1996 رسم خريطة كاملة لخليج «أبو قير» وتحديد أكثر من 70 موقعا تمثل أماكن مواقع أثرية قديمة وأسطول نابليون الغارق. وتم الكشف عن سفينة القيادة «الأورينت» و8 مدافع وزن كل منها 8 أطنان وعملات ذهبية، بالإضافة إلى الكشف عن مدينة «كانوب» عام 2000 الذي يعد الإنجاز الأهم للبعثة في المنطقة.

كما استطاعت البعثة نفسها تحقيق اكتشاف علمي برسم خريطة طوبوغرافية علمية دقيقة لمواقع الآثار الغارقة للميناء الشرقي، بالإضافة إلى القيام بأبحاث تم خلالها تحقيق كشوف علمية مهمة مثل الكشف عن مجموعة تماثيل لأبي الهول بالعصر البطلمي، وتمثال لأحد الكهنة ويحمل إناء كانوبيا، ومجموعة من الحلي والعملات الذهبية والفضية والبرونزية.

رحلة انتقال الآثار من بون إلى مدريد ستتم على متن طائرة «فرنسية ـ ألمانية» ستضع على هيكلها الخارجي العلم المصري وستقوم بنقل محتويات المعرض إلى المدينة تباعا. ولحماية هذه القطع وتأمينها بالشكل الكافي تم تحديد القيمة التأمينية لها بمبلغ 41 مليونا و692 ألف دولار تشمل حمايتها ضد الإرهاب والكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والأعاصير، وإعداد بوليصة التأمين اللازمة للمعرض لضمان سلامة وحماية القطع الأثرية ضد الحجز أو الاستيلاء أو المصادرة.

ونظرا لأهمية هذه الكنوز، فقد حرصت الحكومة المصرية على أن تعد متحفا تحت الماء في الإسكندرية، بما يجعله الأول في منطقة الشرق الأوسط ليشاهد الجمهور هذه الكنوز النادرة، وإبراز الطرق التي تم انتشالها بها، والتي تأخذ شكلا علميا رائعا، ووضع خريطة داخل المتحف توضح أماكن وجود آلاف الآثار الغارقة وما تم استخراجه من تحت مياه البحر. واستلزم هذا الانتشال مشاركة فرق من الغواصين والاستعانة بأساليب كشف الكترونية وتقنيات جيوفيزيائية حديثة، وكذلك استخدام أجهزة قياس بالرنين المغناطيسي النووي والسونار لتنفيذ أعمال الكشف بعد دراسات طوبوغرافية وفيزيائية.