«العرضة»: رمز السعادة والانتماء وارتباط بالثقافة المحلية

تشكيلة جميلة للأرضية التي تُقام عليها العرضة
TT

جموع ملتفة من الرجال السعوديين يكتظون دوائر وجماعات لاستنباط الفرح والسعادة والقوة من واقعهم بلغة «الرقص» والاستعراض، عبر «عَرضةٍ» تشكل أبسط قنوات الرتباط بالثقافة المحلية والانتماء إلى الإرث الوطني والاجتماعي وأسرعها، بل تتخطى ذلك، لتأتي كرمز راسخ لمبدأ ديني إسلامي يحث على الفرح والاحتفال بالنصر والسعادة.

وإن كانت الطرق قد تغيرت والأساليب تلونت وتبدلت والأماكن والأزمان اختلفت على مر العقود الطوال، إلا أن «المبدأ» الثابت لا يتغير، لا سيما أن باب الابتكار والتنويع لا يزال مشرعاً داخل إطار الاحتفال بلغات التعبير الأقوى بين بني البشر، وهو ما سمح لأنواع عديدة من «الرقص» بأن تمارس في ما بين الرجال، في الأفراح والمناسبات والأعياد الوطنية والدينية، حتى باتت رمزاً يرتبط بالرجولة والقوة والحفاظ على الإرث والتراث.

و«الرقصة» التي يؤديها الرجال في «العرضة» ـ كما تذكر المراجع التاريخية ـ هي نتاج مطور من عادة عربية قديمة عرفها العرب منذ زمن «الجاهلية»، وارتبطت بالحرب، وأورثها الآباء والأجداد لأبنائهم وأحفادهم، وباتت تؤدى على نسقٍ من الاحتراف والمعرفة عبر حركات متناغمة، باستخدام الأدوات المختلفة الواجب توافرها باصطحاب الراقص في «العرضة»، وهي أدوات «حربية» على الغالب.

ويوضح لـ«الشرق الأوسط» محمد القويعي، الباحث والمؤرخ التراثي، أن الرقص في العرضة يبعث على النشوة والشعور بالعزة، ويتيح للرجل ممارسة فرحه وسعادته عبر الأداء الجسدي والاستعراض الصوتي، لافتاً إلى أن ذلك بات فناً يتطلب من الراغب في أدائه أن يكون متعلماً ومدرباً، أو أن يكون قد ورث هذا الفن وطرق أدائه وأساليب استعراضه ممن سبقوه من الآباء والأجداد، وأضاف بقوله «لا يمكن لأي شخص غير محترفٍ أن يقوم بالرقص الحربي بشكل صحيح... الأمر ليس بهذه السهولة». وأشار القويعي ـ وهو يعكف في الوقت الحاضر على تأليف كتاب عن «العرضة السعودية» وتاريخها ونشأتها وأساليبها ـ إلى أن الرقص الذي يؤديه الرجال في العرضة يكتسب صعوبة تتركز في كيفية مزامنة الرقص والانحناء إلى الجانبين ومقاييسه ومعاييره، بالتزامن مع ضرب الطبول، وألحان القصيدة الملحنة على نسق الأداء الحربي في العرضة. وعن الجانب الفني ـ والحديث للقويعي ـ فمثلث اكتمال العرضة المتكاملة يتطلب أضلاعاً من الواجب توافرها، أولها الشعر المخصص للعرضة ـ وهو شعر له كتابه المخصصون، والأدوات المستخدمة كـ«البنادق، أو السيوف، أو الخناجر، أو الرماح»، إلى جانب المؤدين الذين يجب أن تتوافر فيهم خصائص الأداء الاحترافي العالي.

ويشير الباحث إلى أن «الرقصة» يعنى بها الرجال لارتباطها بقدرتهم على الانتصار على العدو، وهي رمز احتفالهم في الوقت الحاضر، إلى جانب كونها دلائل في الزمن الحالي تستحضر القوة والرجولة والعزة، لافتاً إلى أن نصوص «الرقصة» الشعرية، لها رواد محترفون ومتخصصون في هذا المجال فقط، ومن أبرزهم الجبيلة، والغبيني، وابن دحيم والعوني وغيرهم.

وعن النص الشعري للرقصة السعودية ـ يقول الباحث: «ليس بإمكان كل شاعرٍ الكتابة للعرضة، لا بد أن يتمكن الشخص من ذلك، وأن يتضمن النص الشعري روحاً حماسية فريدة من نوعها، وشروطاً أخرى تتعلق بنوع العرضة والنظر إلى كونها من النوع الطويل أم القصير، وبعض النصوص الشعرية تبدأ بأبياتٍ غزلية».

وتبدأ الرقصة الحربية، بما يسميه القويعي بـ«البيسنة»، ويوضح أن هذا اصطلاح يطلق على ما يشابه الموال الذي يسبق الأغنية، حيث يبدأ قارعو الطبول في «العرضة» بالضرب ضربات متوالية على الطبل قبل أن يبدأ الشاعر بالتغني بالأبيات، وهي خطوة تشهد فيها ساحة العرضة نوعاً من التجييش وشد الانتباه ومزج الجميع بأجوائها.

وتتضمن الرقصة صدحاً بالأبيات الشعرية من وحي القوة والأنفة، تحتوي على الحماسة والتغني بأمجاد الوطن والقائد وما إلى ذلك، ضمن ضرب منتظم على الدفوف له أنواع وأصناف منها، ما يعرف بـ«التثليث»، وهو ضرب شخص أو اثنين ضربات منتظمة عبر لحن مخصص، وآخر يطلق عليه «التخمير» وله نمط مخصص، ويضرب من خلاله 7 أشخاص أو أكثر بالدفوف ضرباً منتظماً مع الرقصات.