3 نساء كنّ السبب في انتقال «يوم الأم» من مصر إلى العالم العربي 

شاكية وباكية من جحود أبنائها أحرقت قلبي مصطفى وعلي أمين وذكرتهما بحبهما لوالدتهما

مصطفى وعلي امين بصحبة والدتهم رتيبة زغلول ووالدهم محمد
TT

«وراء كل رجل عظيم أم عظيمة أحبته وأعطته درساً أثر في حياته وكان سبباً في نجاحه وتكوين شخصيته»، تلك كانت كلمات مصطفى أمين وفكرته عن الأم، وهي الفكرة التي لازمته طيلة حياته، هو وتوأمه علي أمين، وجعلت من يوم الأم حلماً في رأسيهما حتى من قبل الإعلان عنها في صحيفة «الأخبار»، وطلبهما من القراء مساعدتهما في اختيار وتحديد تاريخ الاحتفال بها.

إلا أن زيارة أم شاكية باكية من جحود أبنائها، مثلت نقطة الانطلاق التي ألهبت حماسهما لجعل ما يفكران فيه واقعاً ملموساً، ليوجد بيننا يوم الأم الذي بات مناسبة مصرية وعربية ترتبط بكلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب وصوت فايزة أحمد وهي تردد «ست الحبايب يا حبيبة، يا أغلى من روحي ودمي، يا حنينة وكلك طيبة يارب يخليكي يا أمي»، وهي الأغنية التي تبكي الجميع من شدة التأثر بكلماتها كباراً وصغاراً.

وعلى الرغم من محاولات عدة للنيل من هذا اليوم تارة عبر الغائه والادعاء بأنه بدعة، وتارة عبر تغيير اسمه كما حدث هذا العام بعدما أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي في مصر عن تغيير اسمه إلى يوم الأسرة، إلا أن المصريين لم يتنبهوا إلى تلك الدعاوى. وما زالوا يعتبرون أن هذا اليوم هو يوم الأم، وعيدها وحدها. حتى أن محال الهدايا ترفع شعار الاوكازيون وتخفيض الأسعار من أجل هدايا يوم الأم ضاربة بقرار الوزارة عرض الحائط، ولتبقي فكرة مصطفى وعلي أمين خالدة لا تموت. والسبب ليس فقط تلك الأم التي جاءتهما تشكو جحود أبنائها، ولكن أيضاً لحبهما الشديد لأمهما وتقديسهما لدورها في حياة كل منهما، والذي كان من أهم الأسباب التي جعلتهما يقدسان كل امرأة وينحنيان أمام مجهوداتها وكفاحها من أجل أسرتها.

فقد كانت والدتهما، رتيبة زغلول، ابنة شقيقة الزعيم الراحل سعد زغلول والتي عاشت مع خالها وزوجته صفية، أم المصريين، حتى بعد زواجها وإنجابها للتوأم مصطفى وعلي محمد أمين، اللذين جاءا للحياة في 21 فبراير (شباط) عام 1914.

ميلاد توأم كان من الأمور غير المعروفة في تلك الفترة، وهو ما جعل الأم تشعر بالحيرة والقلق من كيفية التعامل معهما وتربيتهما في وقت واحد، وبخاصة أن والدهما كان يعمل محامياً في مدينة دمياط شمال القاهرة، إلا أن وجودها بجوار زوجة خالها التي لم تكن تنجب منحها الكثير من الطمأنينة والقدرة على التعامل مع هذا الموقف الذي لم يخل بالطبع من طرافة سببها الشبه الشديد بينهما، حتى أنها كانت تضع في رأس أحدهما شريطاً للتفرقة بينهما. ولكنهما أدركا الهدف من ذلك الشريط فكانا يتبادلانه للهو مع المحيطين بهما.

وقد كان للأم رتيبة دور بارز في حياة طفليها التوأم اللذين لم يكفا عن التعبير عن أثره في كتابتهما في الصحف التي عملا بها. ومنها كلمات كتبها مصطفى أمين عنها قائلاً: «مدين أنا لأمي بالكثير من أسباب نجاحي، فقد كانت إذا آمنت بشيء أخلصت له بشدة». ويقول في موضع آخر: «أعتقد أن الله خلق الملائكة في صورة أمهات، ولولا أمي ما واصلت دراستي، ولا حصلت على شهادة جامعية ولا دخلت الجامعة من الأساس».

كانت الأجواء في بيت الأم تموج بالزائرين والاجتماعات التي كان يدعو لها الزعيم سعد زغلول كبار رجال الدولة من السياسيين والعلماء وعامة الناس للتفكير في سبل استقلال مصر. وقد كانت رتيبة جزءاً من هذه الصورة حتى أنها شاركت في احدى المرات في نقل منشورات من القاهرة لبورسعيد في أحد المراكب، ورغم ذلك كانت الأم رتيبة منتبهة إلى ابنيها مدركة دورها في تربيتهما وتعليمهما حتى أبسط الأمور. حتى أن الكاتب مصطفى أمين ذكر في بعض مقالاته أنها كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا رأته يجلس واضعاً ساقا على ساق في حضور من هم أكبر منه سناً.

ليس هذا فقط، بل حرصت الأم على أن يتعلم ابناها قيم التواضع والاهتمام بمن يحيط بهما وبثهما مشاعر الود والاحترام وأهمية التعليم، حتى إنها أصرت عليهما الامتناع عن إصدار الصحيفة المنزلية التي كانت أول إصداراتهما وهما في عمر صغير، حتى لا يهملا دروسهما.

وكانت دائما تشدد على أن التعليم هو الطريق الصحيح لتحقيق احلامهما في الصحافة، الأمر الذي خالفاها فيه وظلا على ولائهما للصحافة في المدرسة بدون علمها.

وكما كان للأم رتيبة دور بارز في حياة ابنيها، كان لصفية زغلول دور مميز حيث كانت في مقام جدتهما، ولكنها لم تكن جدة لأحفادها كما هي العادة، بل كانت واعية لدورها معهما حتى أن علي أمين نسب إليها فضل حبه للقراءة حين قال إنها كانت ترفض منحه خمسة قروش للذهاب إلى السينما إلا بعد أن يرتب ويلمع مكتبة جده سعد زغلول التي كانت ممتلئة بالكتب. فكان يفعل ما تأمره به حتى ارتبط بما في المكتبة من إبداعات جعلته شغوفاً على قراءتها.

وكان لصفية دور في بث روح المقاومة والإصرار في نفس الصغيرين اللذين شاهداها عام 1921. وعقب اعتقال سعد زغلول، وهي تشارك غيرها من النساء في إعداد قائمة المحال الإنجليزية التي طالبن الشعب بمقاطعتها، وهو ما قد كان.

ويستمر عشقهما للأم التي احتلت في ذاكرتهما مكانة مميزة حتى أنهما عندما سافرا إلي الولايات المتحدة لفت نظرهما وجود يوم للأم تحرص العائلات على الاحتفال به، وهو ما كتب عنه مصطفى أمين قائلاً:

«من الأعياد الجميلة في أميركا يوم الأم، وهو يوم لا تعطل فيه دواوين الحكومة ولا تقفل المدارس أبوابها ولا تطلق المدافع، وإنما اختير للأم يوم يذكرها فيه أبناؤها، فيقدم كل ولد لأمه هدية صغيرة مهما كانت تافهة، لتكون دليلاً على إحساسه نحوها بالحب والتقدير».

ورغم ذلك لم تخرج الفكرة عن حيز الإعجاب حتى بعد عودتهما من الخارج، حتى كان يوماً من أيام عام 1956 حينما وردت رسالة من أم إلى علي أمين في أخبار اليوم تشكو له فيها جفاء أولادها وسوء معاملتهم لها، في ذات الوقت الذي زارت فيه إحدى الأمهات مصطفى أمين في مكتبه وشكت له من أولادها الذين ضحت بعمرها من أجلهم بعد وفاة زوجها وهم صغارٌ، وكفاحها في سبيل تربيتهم والعبور بهم إلى بر الأمان حتى أنهوا دراستهم وتزوجوا واستقل كل منهم بحياته. وكانت مكافأتها أنهم لم يعودوا يزورونها إلا على فترات متباعدة. كانت الحادثتان موجعتين لقلب التوأم مصطفى وعلي أمين، فكتبا في عمودهما الشهير «فكرة» يقترحان على القراء فيها تخصيص يوم للأم، مؤكدين أن الإسلام يحض على الاهتمام بها. فانهالت على «أخبار اليوم» خطابات المؤيدين للفكرة. ومن بين عدة تواريخ اقترحها الأخوان لذلك اليوم، اختار القراء يوم 21 مارس (آذار) ليكون يوما للأم، والسبب أنه أول أيام فصل الربيع؛ وهو ما يمنح اليوم رمز الصفاء والمشاعر الجميلة، وكان 21 مارس عام 1956 العام الأول في احتفال مصر بيوم الأم، ومنها خرجت الفكرة إلى البلاد العربية الأخرى.