صالات التداول.. عالم من «الحواس الخمس» في حياة السعوديين

بعضهم يأكل ويشرب ويعمل ويعشق فيها

TT

منذ دخلت السعودية نادي النفط العالمي قبل عقود طويلة، وصورة الرجل البدوي الذي يتنقل من مكان لآخر، تتوارى شيئا فشيئا لتدخل قاموس التراث، ولتحل مكانها الان صورة السعودي الذي يجلس خلف شاشة صغيرة يتنقل بنقرة «ماوس» من عالم لآخر بحثا عن مكان له في نادي المال والأعمال وضوضاء الصفقات التجارية.

الصور التي تلتقطها كاميرات الوكالات العالمية ووسائل الاعلام المحلية، لرجال وسيدات يقضون ساعات طوال من أوقاتهم خلف شاشات تداول الأسهم، ولا يفصلهم عنها سوى دقائق لأداء العبادة، أو لالتقاط الأنفاس بوجبة سريعة، تكشف كيف أصبحت تلك الصورة، نمطا عاديا في حياة السعوديين.

يقول ناصر الأسمري (32 عاما)، وهو أحد المداومين على صالات التداول «ثلث حياتي قضيته في الدراسة، والآخر في رعي أغنام والدي في جبال عسير، ويبدو أني سأقضي ما تبقى أمام هذه الشاشة».

الأسمري، والذي تفرغ لأعماله الخاصة بعد تجربة سريعة مع العمل الحكومي، يشعل سيجارته ثم يأخذ نفسا عميقا قبل أن ينفث الدخان إلى الأعلى على شكل دوائر، ويكمل: «أمام هذه الشاشة، ربحت كثيرا ، وخسرت أكثر. تعرفت على أناس وندمت على معرفة آخرين».

ويضيف وكأنه يستعيد شريط حياته «حتى الحب، لقد كنت أعيشه واتنفسه وأستمتع به عبر الهاتف، بينما أمارس في نفس الوقت حربا يومية مع مئات الشركات المساهمة التي تغازلني هي الأخرى بجاذبيتها لأجد نفسي في آخر المطاف وحيدا من حبيبة وشركات».

من يجلس في صالة أسهم في أية مدينة سعودية، سيختبر حواسه الخمس. هكذا يقول فارس اليامي «تشم رائحة عطور الآخرين الصباحية وعرقهم في المساء، تسمع معاناتهم وتلامس أدق أسرارهم، وتبصر بعينيك سقوط آمالهم، بل وتتذوق مشاعرهم». ويتسامى اليامي في الحديث عن أيامه مع صالات التداول «هل تصدقني إذ قلت لك بأني أحيانا أدخل الصالة وأجلس فقط، وقتها لا يكون في محفظتي الاستثمارية ما يستحق المضاربة» ليطلق ضحكة عالية «ربما أصبحت مدمنا رائحة البنوك».

ومن يتابع المشهد السعودي، سيلاحظ أن تناميا كبيرا في افتتاح البنوك لصالات تداول للاسهم، رغم توفر وسائل التقنية الحديثة الأخرى كالتداول عبر الانترنت أو «الهاتف النقال»، إلا أن تلك العلاقة بين البنوك وعملائها من كبار وصغار المتداولين ظلت تحظى بنوع مختلف من الود، فيما يرى متداولون أن المشاركة في الرأي وبناء علاقات اجتماعية في اطار المصلحة المتبادلة، عبر الصالات مباشرة تظل أسبابا جوهرية في تلك العلاقة مع صالات التداول دون سواها من الوسائل الاخرى المتاحة.

وعزز من اقبال المتداولين على صالات الأسهم، قيام أنشطة استثمارية جديدة تصب في نفس الاتجاه، إذ بادر مستثمرون لافتتاح مقاهي للجنسين، تتوفر بها شاشات للاسهم ومجهزة بوسائل حديثة وحواسب شخصية وخدمات اتصال سلكية ولاسلكية، مع تقديم مشروبات مختلفة بغية اجتذاب شرائح كبيرة من أصحاب المحافظ الاستثمارية في سوق الاسهم السعودية، حتى باتت تلك المزايا «التداولية» سمة للتنافس بين المستثمرين في قطاع المقاهي في السعودية والذي يلاقي رواجا كبيرا كونه يربط المتعة والترفيه بالفائدة في ساعات التداول في مكان واحد.