فندق أم ساحة مغامرات؟

شهد العديد من الفضائح وأقام فيه العديد من الشخصيات الشهيرة

فندق ماي فلاور أصابته لعنة الفضائح
TT

وقف الحراس والخدم الذين يرتدون القفازات البيضاء والبذل البنية الداكنة، في فندق ماي فلاور الفاخر، وقد أدركوا هذه الإشارات الخفية: سيدات جذابات لا يحملن حقائب السفر، ويرتدين الثياب الأنيقة المطرزة، ولكن تبدو عليهن الرغبة في مقابلة بعض أعضاء اللجنة التجارية، لشرب العصائر معا. وقد يحدث أن يتجهن مباشرة إلى المصعد. وإذا كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة مساء، فقد يوقفهن بعض الحراس، مما يؤدي إلى بعض المواقف المحرجة، ولكن بمجرد إجراء اتصال هاتفي سريع بالطابق الأعلى، فإن كل شيء يكون على ما يرام. وفي أغلب الأحيان، فإن هؤلاء السيدات اللاتي يتقاضين من 500 إلى 5000 دولار في الساعة مقابل العناية بالضيوف، يجلسن على كرسي صغير في الردهة المكسوة بالخشب، والتي تسمى «تاون آند كونتري»، في قاعة الانتظار، ويطلبن الصودا بالليمون، ولا يطلبن مشروبات مركبة، لأن العميل سوف يظهر خلال دقائق، ليرشدهن إلى إحدى الغرف الجميلة المخصصة لهن. وبالنسبة للعملاء الدائمين وموظفي فندق ماي فلاور، فإن ما حدث الشهر الماضي من إفشاء لعلاقة حاكم نيويورك إليوت سبيتزر، مع عاهرة تتقاضى أجرا كبيرا، داخل هذا الفندق، يعتبر أمرا عاديا يحدث منذ عشرات السنين. وقد وصل الأمر إلى أن بعض الموظفين يلعبون لعبة: تخمين اسم الفتاة المطلوبة. وقد أفاد مدير سابق لهذا الفندق، رفض الإفصاح عن هويته أثناء بحثه عن وظيفة جديدة في عالم الفنادق الفاخرة، بقوله: «نحن نعمل في مجال بيع الغرف. ومن شأن تقديم خدمة المرافقات أن يجعل ضيوفنا سعداء». ويعتبر فندق ماي فلاور واحداً من أفضل الفنادق في واشنطن، حيث تتناسب الواجهة الدائرية، والصور الجدارية، وورقة الشجر الذهبية الكبيرة، الخاصة بهذا الفندق، المدينة ذات الطموح الكبير. وقد قال عنه الرئيس الأمريكي الأسبق، هاري اس ترومان: «إنه ثاني أفضل عنوان في واشنطن»، ويبعد مدخل الفندق عن البيت الأبيض، نحو خمس دقائق سيرا على الأقدام. وقد تناول جاي إدجر هوفر طعام الغداء في هذا الفندق، كل يوم لمدة 20 سنة، حيث كان يطلب حساء الدجاج غير الحريف، والجبن الأبيض، والغريب فروت. وقد احتفل تشارلز لندبرغ برحلة طيرانه الأولى عبر المحيط الأطلسي في قاعة الرقص. كما كتب فرانكلين ديلانو روزفلت خطابه الأول عند توليه الرئاسة في الغرفة رقم 776 من هذا الفندق أيضاً. وقد أدين ماريون اس باري جر، عمدة واشنطن السابق، عام 1990 بجريمة تعاطي المخدرات، بعد اتهامه بتعاطي الكوكايين، أثناء الإقامة في هذا الفندق عام 1989. كما التقى أعضاء من المجلس التشريعي لبحث مدى تقصير الرئيس بل كلينتون، بمونيكا ليونسكي في الجناح الرئاسي بالطابق العاشر من الفندق، بعد ذلك بعشر سنوات. والآن، فقد أطلق فندق ماي فلاور رصاصة الرحمة الحاسمة على الحياة السياسية للسيد سبيتزر. وقد أفاد دان راسكن، الذي كان يعزف على البيانو في هذا الفندق، منذ عهد أيزنهاور، في رسالة بريد إلكتروني بقوله: «في مارس (آذار) من عام 1933، كان الحاكم السابق لولاية نيويورك، الرئيس روزفلت، يؤلف خطابا مهما، غيّر مجرى التاريخ، في غرفته داخل هذا الفندق، حيث كان يعتقد أن الشيء الوحيد الذي علينا أن نخاف منه هو الخوف نفسه. والآن، وبعد مرور نحو 75 سنة، فإن هناك حاكما آخر لنيويورك يغير مجرى التاريخ كذلك. وهو يعتقد أن الشيء الوحيد الذي علينا أن نخاف منه هو ـ أن يقبض علينا».

وعند سؤاله عن سمعة الفندق، رفض جون ولف، المتحدث باسم فنادق ماريوت العالمية، التي تمتلك ماي فلاور، الرد على حالات بعينها، قائلا في رسالة بريد إلكتروني: «إن سياسة شركتنا هي الالتزام بكافة القوانين الفيدرالية والمحلية، وقوانين الولايات. ونحن أيضا نحترم خصوصية عملائنا، شريطة الالتزام بأمن وحماية الضيوف الآخرين والجمهور».

وأضاف السيد ولف: «لن يتغاضى الفندق عن أي أعمال لا تتوافق مع هذه السياسة، أو تكون غير قانونية». ومع بعض الجدل المثار، وبعد عمل مقابلات مع العديد من الموظفين والعملاء ـ وغيرهم ممن لهم ارتباط وثيق بمجتمع واشنطن ـ يبدو أن ماي فلاور وغيره من الفنادق ذات المستوى المتقارب، والتي تصل فيها تكلفة الليلة الواحدة نحو 400 دولار، تتخذ موقفا سلبيا، يتلخص في سياسة «لا تسأل ولا تجب»، فيما يتعلق بالتجهيزات الفاخرة الخاصة بالبغاء. ونحن هنا لا نذكر العمال بأسمائهم خوفا عليهم. وقد كان السيد سبيتزر زائرا مألوفا ومتحدثا في ماي فلاور، حيث كان من بين الشخصيات المهمة التي توزع صورها على العمال، ليرحبوا بهم شخصيا. وقد أوضحت سجلات الفندق أنه قام بالحجز 13 مرة باسمه، منذ أن أصبح حاكما لولاية نيويورك، بما في ذلك ليلة 13 فبراير (شباط)، وهي الليلة التي أفاد مسؤولو تطبيق القانون بأنه قد واعد فيها فتاة تدعى كرستين (في غرفة أخرى) مقابل 4300 دولار. وقد أفاد أحد موظفي الفندق بأن كرستين فتاة تبلغ من العمر 22 عاما، تطلق على نفسها اسم آشلي ألكسندرا دبري، وقد قامت بمصاحبة ضيف واحد على الأقل في ماي فلاور، من قبل، وقد وصلت إلى الفندق ومعها 4 حقائب، وأقامت طوال الليل. وقد ذكر الموظف كذلك أنها غادرت في اليوم التالي ـ يوم عيد الحب ـ وهي ترتدي بنطالا من الجينز، وسترة مموهة تشبه الزي العسكري.

وقد قضى السيد سبيتزر فترة ما بعد الظهر يوم 13 فبراير (شباط) في قاعة الاستقبال، حيث يتم تقديم القهوة السريعة والشطائر الفاخرة، وزجاجات الخمر التي يصل ثمنها إلى 500 دولار. وقد رآه أحد الموظفين وهو يمزح بأنه كان يرغب في عازف بيانو، ليقوم بالعزف له داخل غرفته في الليلة السابقة. وقد أفاد السيد راسكن وآخرون بأنهم رأوه في قاعة تاون آند كونتري، كما أفاد موظف سابق بأنه رأى السيد سبيتزر ذات مرة، يغادر الحانة برفقة امرأة، قبل أن يتوجها إلى الغرفة. وتعتبر قاعة تاون آند كونتري ملتقى مجموعة مختلفة من الشخصيات التي تعيش في واشنطن، مثل أعضاء الجمعيات والصحافيين ووكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي والدبلوماسيين ورجال الكونغرس والمخابرات وقد أفاد أحد الموظفين السابقين بأن المرافقات اللاتي يتقاضين أجورا باهظة يأتين إلى الفندق من دون أن يظهر عليهن التطفل. وقد قال: «إذا لم تكن تدرك الأمر، فقد تعتقد أنهن صديقات أو زوجات. ونحن لا نتتبع أنشطتهن. ويبدو الأمر كما لو أنك تدركه متأخرا، وتقول لنفسك: آه، حسنا، لقد جاء إلى هنا من أجل ذلك».

ولا يمكن أن نصف هذا العمل بالرومانسية، ولكن هناك من يستفيدون منه. فبعض الفتيات الناجحات يمتلكن سيارات حديثة، يوقفنها بالقرب من مطاعم مورتون للحوم. ويقول أحد الموظفين: «أتذكر أنني رأيت سيدة تقيم في الفندق كثيرا، وكان لديها العديد من السيارات الرائعة، مثل بورش وجاكوار. ثم سألت عن عمل هذه السيدة، فقيل لي إنها تعمل في ماي فلاور، ففهمت الأمر».

وقد شعرت ديانا إل. بيلي، التي كتبت تاريخا للفندق، بالمأساة جراء هذه السمعة السيئة للفندق، وقالت: «إنه لأمر محزن أن نرى هذا الفندق، وقد ساءت سمعته على هذا النحو». ربما يكون ذلك صحيحا، ولكن لعنة الفضائح تصيب العديد من الأعمال التي تخدم رفاهية المدينة من آن إلى آخر. وقد أشار أحد العمال في إدارة الرئيس كارتر، ممن حققوا نجاحا اقتصاديا كبيرا، إلى أن عدد أعضاء جماعات الضغط ارتفع بسرعة جنونية إلى 35.000 من نحو 3.000 عندما وصل إلى هذه المدينة. وعلى الرغم من عدم رغبته في كتابة اسمه، إلا أن هذا العامل أضاف: «لقد نمت كل الصناعات التطفلية ـ مثل أعمال أعضاء جماعات الضغط والمستشارين السياسيين والمحامين وأعمال البغاء ـ وأصبحت أكثر تعقيدا. لقد أصبحت المدينة أكثر إثارة».

وحيث تقع على طريق كونيتكت، تستحق حانة ماي فلاور تصنيفها ضمن إدارة الخدمات العامة، عن جدارة. فقد كانت لفترة طويلة بيتا ثانيا لأعضاء في الكونغرس، وأعضاء جماعات الضغط، ممن ينفقون ببذخ على تناول طعام الغداء الفاخر فيها. وقد كان وزراء الخارجية يتحدثون فيها عن أحوال العالم مع نظرائهم من الدول الأخرى، كما اعتاد الرؤساء على الاسترخاء فيها بعد أيام العمل الطويلة. وقد أبلغ جورج داش الجاسوس الألماني، عن نفسه في هذا الفندق عام 1942. وقد طلب التحدث إلى هوفر، الذي كان يتناول طعامه في الطابق الأسفل. (وفي يوم آخر، بحث رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي، عن الشخص رقم 3 على قائمة المطلوبين الأكثر أهمية، فأمر هوفر بالقبض على الرجل، ثم عاد لتناول الحساء).

وقد كانت عشيقة جون اف كنيدي، جوديث إكسنر، تحتفظ بغرفة في ماي فلاور، وكانت تذهب خلسة إلى البيت الأبيض عندما تكون السيدة الأولى خارج المدينة. (تشير السيرة الذاتية لكنيدي كذلك إلى تفاصيل موعد غرامي رئاسي مع الممثلة إنجي ديكنسون في ماي فلاور). ويقول المؤرخ الرئاسي روبرت داليك: «في الماضي، كان من الممكن أن يعتمد العميل ذو المكانة العالية على أصحاب الفنادق في الحفاظ على الأسرار. فقد كانت هذه الفنادق مخصصة للسادة. فلا يمكن لأحد أن يخون كنيدي أو أي سيناتور. لقد كان من التهور أن يفشي بعض الموظفين أسرار لقاء سبيتزر مع النساء أحيانا في الطابق الأسفل».

لقد مر العهد الذي كان فيه العميل في الفنادق الفخمة ربما يستجدي اسم امرأة مشهورة للقائها أو عنوان بيت دعارة أفضل من حارس الفندق. أما الآن، فإن خدمات المرافقات تنشر إعلاناتها صراحة، ويعرف العملاء كيف يصلون إليها. وما يزيد الأمر تعقيدا أن بعض الضيوف ذوي المناصب الحساسة، يقومون بحجز غرفة إضافية (وقد أفاد مسؤولو تطبيق القانون بأن السيد سبيتزر قد استغل اسم صديق له وراع للفندق، هو جورج فوكس). ويميل هؤلاء الضيوف إلى الانجذاب نحو الدورين السابع والثامن من الفندق، حيث تكون الغرف أكثر كلفة، وتكون الوسائد أكثر نعومة، وتكون الملابس القطنية البيضاء أكثر رقة (وقد أفاد أحد العملاء الفيدراليين بأن كرستين قابلت العميل رقم 9، والذي تم تعريفه فيما بعد بحاكم الولاية، في الغرفة رقم 871، وتفيد سجلات الفندق بأن السيد سبيتزر أقام في الغرفة رقم 772). ويتطلب فتح الردهة والحانة المنفصلة مفتاحا خاصا، لكبار الزوار، كنوع من الخصوصية بالنسبة لهم. ويعلم العمال الذين قد خدموا لسنوات عديدة في ماي فلاور، أن سعادة الشخصية المهمة، تعني المزيد من البقشيش. وفي الوقت الذي كان يتدفق فيه الصحافيون وغيرهم إلى الفندق خلال الأسبوع الماضي، يحتفظ السيد راسكن، عازف البيانو، بحس دعابته بشأن قضية سبيتزر فقد كتب في إحدى رسائل البريد الإلكتروني: «في أي ردهة، عندما نرى عشيقين يجلسان على أريكة، فإننا نفكر في أن عليهما أن يحجزا غرفة! ونقول لأنفسنا: حسناً، إنه فندق. وأشعر بالرضا عن نفسي عندما تصبح الموسيقى التي أعزفها أكثر رومانسية، ويتم حجز الغرفة. أشعر بأنني قد أنجزت مهمتي بنجاح».

* خدمة «نيويورك تايمز»