فتاة سعودية تطلق عالمها السينمائي فوق كثبان الربع الخالي

رافقت 40 طالباً من جامعة هارفارد.. ومسؤولون سعوديون بارزون ظهروا في فيلمها التسجيلي

لقطة من فيلم (ما وراء الرمال) للمخرجة نور الدباغ («الشرق الأوسط»)
TT

اختارت السعودية نور الدباغ، رمال شيبة في الربع الخالي، المكان الأصعب والأكثر وعورة ورهبة، لتخوض تجربتها السينمائية، وتخوض أيضاً تجربة جريئة في التعريف ببلدها؛ السعودية، حيث انطلقت برفقة نحو 40 طالباً من طلاب الدراسات العليا في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد الأميركية، لاستكشاف السعودية، والتعريف بها، بداية من كثبان الرمال حتى قصر المصمك في الرياض ومعامل النفط في الظهران، والأسواق الشعبية بجدة.

الفيلم التسجيلي «وراء الرمال» الذي عرض في مهرجان الخليج السينمائي بدبي، يمثل تجربة جريئة لشابة سعودية اقتحمت عالم الإخراج السينمائي، بعد دراستها في كلية هارفارد للدراسات البصرية والبيئية وتخرجها عام 2006. وهي التجربة الثالثة، بعد أن أخرجت فيلمين قصيرين؛ كان أحدهما عبارة عن مشروع تخرجها في الجامعة.

وتقول نور إن الفيلم أتاح لطلاب كلية الاعمال في هارفارد، وهم خليط من طلبة أجانب من أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، استكشاف السعودية للمرة الأولى، حيث زاروا أماكنَ مختلفة، وقابلوا أشخاصاً متنوعين، كما قابلوا أعضاء في الأسرة المالكة، ومسؤولين حكوميين، وعددا من العاملين في صناعة النفط، والموظفين، والباعة، وطالبات في كليات البنات، وأناسا عاديين في الشارع. وخلال عشرة أيام، يروي الزوار الاربعون رؤيتهم للثقافة السعودية، واستكشاف النقاط الحساسة في مسيرة التطور، حيث يحاول الطلاب الاميركيون الكفاح للتعرف على البيئة المحيطة بهم والمختلفة تماماً عما ألفوه.

نور الدباغ، 24 عاماً، ولدت وعاشت في مدينة الظهران شرق السعودية، ودرست في جامعة هارفارد الاميركية وتخرجت فيها عام 2006 في الدراسات البصرية والبيئية. وخلال الفيلم، قامت نور بدور التصوير بالإضافة لدورها كمخرجة ومُعِدة، حيث حملت الكاميرا طوال مدة الفيلم. تقول نور لـ«الشرق الأوسط»، «عشقتُ استخدامَ الكاميرات منذ كنتُ طفلة. وفي المدرسة كنت أهرُبُ من جفاف كتابة الواجبات المدرسية الى متعة إخراج المشاهد المسرحية. وتابعت تصوير محيطي والمناسبات الخاصة في حياة أهلي بالبيت حتى التحقت بالجامعة في أميركا. وهناك اخترت أن أتخصص في علم الإخراج والفنون البصرية؛ من ضمنها الأفلام الوثائقية». وتقول إن القرار لم يكن سهلاً، «لكني أصررتُ على رغبتي وتغلبت على التحديات».

فقد كان والدها يفضل أن تدرس القانون، لكنه ما برح أن رضخ لرغبتها، حتى أنه شارك في فيلمها. وكان ضمن مَنْ تحدثوا الى الزائرين في الفيلم، معبرا عن آرائه بخصوص قضايا مجتمعية.

ولا ترى نور أن البيئة السعودية مقفلة تماماً أمام عمل المرأة في الإخراج السينمائي. وتقول «ربما كانت البيئة السعودية بوضعها المجتمعي الحالي تصعّب إنتاج فيلم وثائقي بها، ولكنها مليئة بقضايا يهتم بها المتابع». وتقول «بالنسبة لفيلم روائي، فبرأيي الخاص قد يكون أسهل كخطوة مستقبلية حيث دراستي التخصصية كانت في التصوير الوثائقي».

ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، عما إذا ساعدها تخصصها في السينما أن تقرأ الواقع برؤية مختلفة، تقول نور «لم تغيِّر ـ السينما ـ نظرتي للواقع، ولكن أتاحت لي المجالَ في أن أشارك غيري في عرض للواقع كما أراه يعكس مواضيعَ أعتقد أنها ذات أهمية مصيرية في عصرنا الحالي مثل القدرة على التواصل مع الآخر وإتمام مسيرة التقدّم والتطور في مجتمعنا مع الحفاظ على هويتنا وعاداتنا التي تميزنا عن غيرنا».

وفيلم «ما وراء الرمال» مثل تجربتها الأولى. وقالت إنها واجهت الكثير من الصعوبات كأيِّ مخرج يحاول إخراج فيلم وثائقي لأول مرة، «فلم أكن أعرفُ مسبقاً ماذا أتوقع من أحداثٍ سنصوِّرُها؟». ونظم الرحلة شقيقها، هاشم. وكانت قد طلبت منه أن تقوم هي بتصوير الرحلة بكاملها للمشاركة في هذه التجربة. وقالت «صورنا 36 ساعة أثناء الزيارة ثم عملت على تكثيفها في فيلم طوله 50 دقيقة يلخص قصة هذه الرحلة في السعودية بدءاً بالمنطقة الشرقية والربع الخالي ثم الرياض وجدة، وقمت بإجراء مقابلات قبل الرحلة مع 6 شخصيات انتقيتهم من بين الـ 35 طالباً وطالبة الذين شاركوا في الرحلة». وقالت «كنت متخوفة بعض الشيء قبل البدء بالمشروع لعدم تأكدي من ردة الفعل إزاء تصويرنا لآراء الناس في الشارع والأماكن العامة، ولكني فوجئت بإيجابية الاستقبال والتشجيع الذي تلقيته بشكل عام وكذلك فضول الناس عما نقوم به ورغبتهم في المشاركة».

وتقول نور إن السعودية منطقة ما زالت غامضة بالنسبة لمعظم الناس في العالم لعدم توفر فرص السفر إليها، بالإضافة إلى أن الإعلام الغربي كثيراً ما يعكس صورة غير واقعية لها أو بالتركيز على حالات شاذّة بها، فجاءت فكرة الفيلم ليس للدفاع عن السعودية، ولكن لتسجيل عملية اكتشاف البلاد، خاصة قضاياها الساخنة مثل التطرّف من وجهة نظر أجانب يزورونها لأول مرة من مختلف أنحاء العالم، كاليابان، إيطاليا، الأرجنتين، الولايات المتحدة، بريطانيا، آيرلندا. واختلفت ردود فعلهم ولكن الشيءَ المشترك أن تعليقاتهم وإجاباتهم في نهاية الرحلة جاءت تعكس وعيهم بالوضع الحقيقي في السعودية. وآراؤهم اختلفت بوضوح ملحوظ عما كانت عليه ما قبل السفر.

وتقول إن الفيلم موجهٌ للمشاهد الأجنبي بشكل عام، ولكنه قد يعكس أيضاً للمشاهد العربي والسعودي بالذات نظرة الناس لبلدنا ونتيجة تعرفهم مباشرة على السعودية، بالإضافة إلى ما يقوله المسؤولون في المملكة للأجانب عند سؤالهم عن الخصوصيات السعودية.

وعن كيفية استقبال الفيلم عند عرضه في مهرجان الخليج السينمائي، تقول نور «تجاوب الجمهور مع الفيلم بشكل جميل في العرض الأول حيث ضحكوا أمام مواقف بعينها وصمتوا في مواقف أخرى، ولذلك شعرت شخصيا أن الرسالة وصلت بالشكل الصحيح. وأتى العرض الثاني، فأسعدني لأن صالة العرض امتلأت تماماً بالأجانب المقيمين في دبي، وكذلك العرب والسعوديين. وكان لديهم الكثيرُ من الأسئلة بعد العرض. واستمر النقاش حتى طلب مسؤول المهرجان التفضل بإنهاء النقاش ليتم عرض الفيلم التالي». وتقول «كانت المشاركة في مهرجان الخليج السينمائي هي تجربتي الأولى وتعلمت منها الكثيرَ. تعرفت على العديد من مخرجي الأفلام القصيرة، الموهوبين والحريصين على الإبداع في حرفتهم. ورغم عدم وجود صالات عرض الأفلام في السعودية، لكن من الواضح أن الاهتمام موجود في الساحة». أما الأطراف الرسمية والشعبية السعودية التي شاركت في الفيلم عبر حوارها مع طلبة هارفارد، فتقول عنهم نور، إن «كلَّ مَنْ التقينَا بهم في الرحلة يمثلون شرائحَ مختلفة، استضافونا أو التقينا بهم في تنقلاتنا بدءاً من أعضاء بارزين في العائلة المالكة، ومسؤولين كبار، وصولاً لمواطنين عاديين وباعة على ناصية الشارع.. كلهم شاركوا في رسم ملامح الصورة السعودية».