نرويجيون يستلهمون القهوة للتدليل على دخولنا العصر الصيني

«مهرجان الرقص المعاصر» المثير للجدل يشارف على نهايته في بيروت ورام الله

القهوة رمز وطني تدور حوله الرقصة النروجية
TT

يختتم في بيروت اليوم «مهرجان الرقص المعاصر» الذي تتواصل عروضه بين العاصمة اللبنانية ورام الله في فلسطين منذ أكثر من عشرة ايام. وهذا المهرجان الذي اثار حفيظة الحركة الإسلامية حماس في فلسطين، سيستمر هناك حتى الخامس من الحالي، وسترقص غداً على خشبة «مسرح القصبة» أمام الجمهور الفلسطيني فرقة «جو ستروميجرن» النرويجية التي قدمت عرضها البديع في بيروت على «مسرح المدينة» يوم الثلاثاء الماضي حيث صادف «يوم الرقص العالمي».

والعرض الذي يحمل اسم «المجتمع»، شيق لأنه يجعل المتفرج يحار إن كان يشاهد مسرحاً أم رقصاً أم هو شيء اشبه بالرسوم الكاريكاتورية. والواقع ان هذا العمل الذي ينطلق من قيمة القهوة عند النرويجيين يجمع فنوناً عديدة، يصعب حصرها، لكنها تتضافر في سبيل الإمتاع والإدهاش.

الراقصون الثلاثة يجلسون على المسرح حتى قبل دخول الجمهور. في الصدارة «بار» أو «طاولة» صفت على واجهتها فناجين قهوة كثيرة جداً، يقف خلفها، رجل يطحن القهوة وآخر على الجهة اليمنى للمسرح يلمّع فنجاناً إمعاناً في النظافة وآخر على يسار المسرح يجلس على كرسي يمسك رأسه بيديه.

حوار يخلط بين الإنجليزية والفرنسية يتهم الرجل الجالس على الكرسي في المقهى بسرقة فنجان، وبعد البحث يتبين انه في درج بجانبه، وقد خبأ داخله كيساً من الشاي، ويكتشف إضافة إلى الشاي صورة لماو تسي تونغ. وهنا تبدأ حفلة تعذيب بأسلوب راقص أحيانا، وكاريكاتوري أحياناً أخرى لهذا الرجل المتهم بخيانة أوروبا مع الصين. مرح وفكاهة وجد ليس بعده جد. أثناء الرقص والمزاح، يشعر الرجلان أن الثالث بينهما قد وفر العديد من الأدلة التي تدل على هذه الخيانة العظمى، خاصة حين يلعلع صوت طائرة هليكوبتر فوق المسرح، ويسمع صوت قصف ويبدأ الراقصون بتسلق الطاولة الطويلة ويغيرون من وظائفها، فمرة ينسون رفيقهم تحتها، ومرة أخرى يتسلقونها لاستكشاف مشهد القصف، ومرة ثالثة يحاولون استخدامها كسلم. توظيفات لهذه القطعة الخشبية، تجعل منها أداة اساسية لمشهديات جميلة ومتغيرة لا تكل العين من ملاحقتها. وعندما تمر الطائرة لمرة جديدة يكون الرجال الثلاثة الذين فرقوا فناجين القهوة فوق الخشبة بطريقة هندسية قد اندسوا تحت بساط يفرش المسرح اختباء من الهليكوبتر، وعندها يكتشفون ان الوجه المخفي لهذا البساط موشح بكلمات صينية. غمز من قناة الصين التي باتت فراش العالم ولحافه، ولا مهرب من منتجاتها وقبول غزواتها التجارية. وعندما يخلع الراقصون ملابسهم يكتشفون ان ملابسهم الداخلية الحمراء، رمز الشيوعية تحمل رموزاً صينية ايضاً. ولا نعرف ماذا سيفعل الإسلاميون في فلسطين وتحديداً غزة حين يسمعون عن الراقص الذي يخلع ملابسه إلا قطعة داخلية، تستر عورته، بعد ان يصعق من النجمة الصينية الموجودة على ملابسه الداخلية العلوية. والموضوع هنا ليس خلع الملابس وإنما الاستعاضة عنها بالزي الصيني، ودخول الراقصين في طقوس شرقية، حيث نشهد استعراضاً هزلياً للكونغ فو، ومحاولة لتقديم رقصات صينية، إمعاناً في التعبير عن دخول العالم الأوروبي العصر الصيني، ليس فقط على مستوى المنتجات، وإنما على مستوى السلوك والتوجهات. ومع الشعر المستعار، واللبس الصيني والتكلم بألفاظ توحي بأنها طالعة من اللغة الصينية، تنهار النزعة الوطنية الأوروبية التي بدأ بها العرض في المقهى النرويجي النظيف والأنيق الذي لا يتوقف عامله عن تلميع فناجين القهوة البيضاء كالثلج، وتحل مكانها حالة شرقية يعلو فيها الصوت، وتكثر الحركات باليدين، ويهز المتكلمون رؤوسهم ذات الشعور الطويلة، بحماسة واندفاع. فجأة تعود فناجين القهوة لتظهر من جديد، يشربها راقصان بمتعة الفنجانين، يضيئان وجهيهما. أنوار تنبعث من فنجاني القهوة لا تضيء السحنتين فقط، وإنما يمررها الراقصان على قلبيهما اللذين يمتلئان نوراً وإشعاعاً في ظلام القاعة، لتظهر نشوة على الوجوه. هل هي نشوة استعادة النرويجيين لطعم شرابهما الأصلي اي القهوة، أم هو مشهد يريد التدليل على ان تمازج الحضارات وتناقل الأشربة الوطنية، يجعل الانصهار الروحي أسهل وأمتع؟

اليوم يرقص في بيروت، اختتاماً لهذا المهرجان الذي قدّم أشكالاً تستحق ان تكتشف من أنواع الرقص المعاصر، الراقص اللبناني عمر راجح، وهو مؤسس «مسرح مقامات»، وهو الذي أطلق هذا المهرجان الراقص مع شركاء له في فلسطين والأردن، وهو ينجح للسنة الرابعة في تحميس المتفرجين على اكتشاف رقص من صنف آخر، وفنون لم يسبق لهم أن رأوها. ويقدم عمر راجح اليوم مع فرقته على «خشبة مسرح المدينة» عرض «الموجة السابعة» وهو عمل يجسد انتظار الرياح، ومستوحى من الأساطير الجرمانية، والخطايا السبع.