غروزني تخرج من تحت الرماد

سيدة شيشانية تعاين آثار الخراب في منزلها («نيويورك تايمز»)
TT

كانت المفاجأة تحت الأنقاض التي خلفها انهيار مبنى روضة الأطفال في شارع قاديروف، حيث وجد العمال هناك بعض جثث الأطفال وسط العاصمة الشيشانية. وتم نقل الجثث وأعيد دفنها بصورة لائقة. ويقول العاملون في مجال حقوق الإنسان إن ذلك ليس أمرا غير عادي في مدينة كانت ولا زالت تعاني الكثير. وتقول ناتاليا استيميروفا، وهي باحثة في مجموعة ميموريال لحقوق الإنسان في مقابلة صحافية معها: «لقد مات الناس هناك وهم الآن يقومون ببناء مدرسة جديدة». وقد قامت مجموعتها بتوثيق اكتشاف الجثث في الصيف الماضي. وأضافت ناتاليا: «نعلم أن أناساً اختفوا. ونعلم أن معظمهم قتل. ونعلم أننا نحتاج للبحث والتنقيب عن جثثهم».

ومن شأن أيِّ إجراء قضائي أن يثير أسئلة حول الرئيس فلاديمير بوتين الذي سوف يترك منصبه قريبا، والذي تعتبر الحرب من أهم إنجازاته في السنوات الثماني التي قضاها رئيسا. ونتيجة لذلك، فإن السياسة العامة لروسيا فيما يتعلق بالمقابر الجماعية في الشيشان هي أن تترك الأمر دون أي نوع من الإثارة. وهناك 57 مقبرة جماعية معروفة في جمهورية الشيشان والتي يمكن أن يصل حجمها إلى حكم ولاية كونيكتيكت. وهناك مواقع لمقابر أصغر حجما في حدائق العاصمة والأفنية والأقبية.

وفي غروزني، تعمل الآلات مع العمال حول المقابر بل وأحيانا في قلب هذه المقابر التي خلفتها الحرب الأولى بين عامي 1994 و1996 والحرب الثانية عام 1999. وتشهد المدينة التي دمرتها الحرب جهودا حثيثة من أجل البناء وإعادة الإعمار. ويشير المسؤولون بفخر إلى المباني البراقة الجديدة وكأنها رمز للسلام. وفي العام الماضي، وبعد أن نصّبت روسيا أحد قادة الميليشيات العميلة لها، وهو رامزان قاديروف، رئيساً على الشيشان، تسلم نحو 969 لاجئاً منازل جديدة. وهناك مسجد يتسع لنحو 10 آلاف مصلٍ وسط العاصمة، كما تم إعادة بناء عدد من المدارس. لكن مشكلة المقابر في غروزني ما زالت تستعصي على الحل. وتم نقل خمس مقابر في الأقل لإفساح المكان لإعادة البناء. وفي إبريل (نيسان) عام 2006، نبش العمال قبور نحو 57 جثة في حديقة كيروف، وذلك من أجل إقامة ملهى للشباب. وأثناء القصف في عامي 1999 و2000، قال العمال في مجال حقوق الإنسان، إن الأهالي قاموا بدفن أقاربهم والضحايا غير المعروفين في الحديقة. ولم يتم التعرف على ست جثث في هذا الموقع، كما تم إعادة دفنهم في مقبرة أخرى. وتقول السيدة إستيميروفا: «لقد تم العثور على العديد من الجثث».

وتعكس مقابر غروزني صورة قاتمة للسلام الذي توصلت إليه روسيا في هذا البلد، فهناك اهتمام بإعادة بناء المباني مع إهمال للآثار الإنسانية التي خلفتها الحرب. فلم تكن هناك محاكمات نظامية لمجرمي الحرب كما لم يتم التعرف على الموتى. ويبقى السؤال عن عدد الجثث لا يجد جوابا. وحدد متخصص شكاوى حقوق الإنسان في الحكومة الشيشانية نوردي نوخازيف، عدد المفقودين بنحو 3.018 خلال الحربين الماضيتين. ومن المؤكد أنه تم دفن بعض الجثث تحت مواقع البناء. وقدم المدعي العام رقما أقل من ذلك، قائلا إن الرقم يبلغ نحو 2747 مواطنا شيشانيا وردت أسماؤهم في تقارير المفقودين، وأن 574 منهم تم التعرف عليهم. وتقدر مجموعة ميموريال ذلك العدد بنحو 3 آلاف إلى 5 آلاف شخص. وأدت المقابر الجماعية إلى حدوث أزمة في العلاقات بين روسيا وأوروبا. وأوضح المجلس الأوروبي أن نبش القبور الجماعية وضرورة التعرف على الضحايا وقاتليهم مسألة بالغة الأهمية. ويقول توماس هامربرج، وهو مفوض حقوق الإنسان من المجلس الأوروبي، في زيارة له للشيشان خلال هذا الشهر: «هناك عدد من العائلات التي فقدت بعض أفرادها بسبب أعمال الخطف. ولا يمكن التغاضي عن ذلك الأمر بسهولة». لكنه من الواضح أن إعادة البناء تدمر كل الأدلة الخاصة بجرائم الحرب. فمبنى مدرسة الصم في ميدان مينوتكا على سبيل المثال كان يستخدم مقرا مؤقتا لقوات وزارة الداخلية. وأصبحت هذه القضية من بين القضايا النادرة التي يتم التحقيق فيها بشأن جرائم الحرب الروسية. وقال بعض الشهود إن القبو كان يستخدم في التعذيب. لكن في عام 2006 تم ملء ذلك القبو بالحطام لكي تتم تسوية الموقع لإعادة بناء المدرسة، حسبما أفادت إستيميروفا.

ومع استمرار البناء، يستمر السؤال بشأن كيفية الربط بين أسماء المفقودين والجثث التي لم يتم التعرف عليها في غروزني. وما زال العديد من سكان غروزني يعيشون وسط الحطام. ومع ذلك، فإن المدينة تتمتع بالهدوء. ويقوم الباعة بممارسة عملهم في الشوارع. لكن المباني لا تقدم العزاء الكافي لأديني إيدالوفا، وهو مواطن يقيم في غروزني. وكان قد فقد اثنين من أبنائه، وهو يقول في ذلك الإطار معلقاً: «إن أبناءنا لن يسيروا مرة أخرى على هذه الأرصفة حتى لو قام المسؤولون ببنائها من الذهب. لسنا في حاجة إلى مثل هذه المباني؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»