لمن من المصممين سيرتدي النجوم في «كان» مساء غد؟

حرب خفية وجواسيس في الكواليس لاستثمار شهرة نجوم السينما

العمل قائم على قدم و ساق في قصر الأحتفالات الكبرى بمدينة كان (رويترز)
TT

بينما ينشغل العاملون في قصر المهرجانات في مدينة «كان» الفرنسية بفرش السجادة الحمراء على الدرجات المؤدية الى المدخل الرئيسي، يتزاحم 4 آلاف مصور وصحافي لكي يغطوا الحدث السينمائي الأشهر في العالم. ويعرف المصورون، بخبراتهم السابقة، المواقع التي تتيح لهم التقاط أفضل الصور للنجوم الذين سيرتقون الدرجات الى حفل افتتاح الدورة الحادية والستين للمهرجان، مساء الغد. وهي صور ستدور العالم وتتخاطفها المجلات الشعبية التي تهتم بأخبار الممثلات وأزيائهن أكثر من متابعتها للأفلام، وستسرق الأضواء من ملصق المهرجان الذي صممه بيير كولييه عن صورة لدافيد لينتش.

وبينما كانت لجان اختيار الأفلام تطوف العالم لكي تنتقي حوالي العشرين فيلماً للمسابقة الرسمية، من بين 1792 فيلماً تنافست على هذا «الشرف»، كانت هناك عدة حروب صغيرة تجري على هامش مهرجان «كان» السينمائي الدولي، أبرزها حرب مصممي الأزياء وأصحاب العلامات التجارية الشهيرة لإقناع هذه النجمة أو تلك بحضور حفل الافتتاح وهي ترتدي فستاناً من تصميمهم. وهي حرب يجري التحضير لها طوال عام كامل، وتقوم على التقرب من وكلاء الفنانين ودعوتهم الى حفلات غداء أو عشاء وإغراقهم بالهدايا وباقات الورد لضمان موافقة الأسماء الكبيرة على المشاركة في هذه اللعبة ذات الهدف التجاري، رغم أن الكل يتفادى الحديث عن هذا الجانب.

إن ارتداء شارون ستون مثلاً، أو كاترين دينوف، أو مونيكا بيلوتشي، فستاناً من توقيع «ديور» أو «أرماني» أو «شانيل» هو عملية تخدم أصحاب هذه العلامات أكثر بكثير مما تعود عليهم به الحملات الإعلانية التقليدية التي تكلف الملايين. لكنها ليست حروب دور الأزياء فحسب، بل تجري في كواليس المهرجان حروب موازية لأصحاب شركات المجوهرات ومشاهير مصففي الشعر. ويجري في غرف الفنادق الراقية، على شاطئ «كان»، تداول علب من القطيفة تحوي أروع الأطقم من الألماس والزمرد والياقوت واللآلئ التي تعيرها محلات شهيرة من وزن «شوبار» و«فان كليف» و«بوشرون»، عن طيب خاطر، الى نجمات كبيرات أو ناشئات، لكي يتزيّن بها في حفلات المهرجان على سبيل الدعاية لأصحابها.

ومن المؤكد أن الممثلات المعروفات لا يدفعن ثمن الأثواب التي يرتدينها، خصوصاً في حفلي الافتتاح والختام. لكن السؤال الذي يدور همساً هو: «هل تكتفي نجمة كبيرة من نجمات الصف الأول بأن ترتدي زياً من تصميم فلان وتقوم بدور الداعية له، بدون مقابل؟». أي هل يضطر أصحاب دور الأزياء الى «مكافأة» سفيراتهم الأنيقات بمبالغ مالية متفق عليها، بالإضافة الى حقوق التمخطر بالفستان بدون مقابل؟

هناك اتفاق بين الجانبين على التكتم حول هذه النقطة. لكن العارفين بالأمور يتحدثون عن مبالغ بأرقام معتبرة تتقضاها النجمات لقاء هذه المهمة «الجلل»، وكذلك مقابل حضور السهرة الفلانية أو الجولة في اليخت العلاني. ولهذا صار حضور مهرجان «كان» الدولي فرصة لا تفوّتها نجمات السينما الأميركية بالذات، تساعدهن في تلميع صورهن وفي العودة بثروة صغيرة بعد قضاء إجازة صيفية لطيفة في أرقى القصور الفندقية لهذه المدينة الساحلية الساحرة. وباختصار فإن الطرفين يكسبان من التعاون. فقد ارتفعت مبيعات فرع التجميل لشركة «ديور» بنسبة 32 في المائة بفضل تعاقدها مع شارون ستون للدعاية لمستحضراتها الخاصة بالعناية بالبشرة. أما شركة القهوة «نيسيريسو» التي يظهر في إعلاناتها النجم جورج كلوني فقد ارتفعت مبيعاتها، بعد التعاقد معه، بنسبة 42 في المائة.

ومثل كل الحروب، لا بد من جواسيس وأجهزة مخابرات ناعمة تتلصص على المهرجانات السينمائية الأُخرى لمعرفة أسماء النجمات المدعوات لها ومصدر الثياب التي سيظهرن بها. ولا يمكن لمصمم فرنسي، مثلاً، أن يرسم خطة القنص الخاصة به ما لم يعرف ماذا ارتدت فلانة أو علانة في حفل توزيع جوائز «الأُوسكار» الأميركية أو «سيزار» الفرنسية. كما تلجأ دور الأزياء الى خدمات مستشارين فنيين لكي يدلوها على أسماء النجمات الصاعدة لكي يستبقوا كل الاحتمالات ويفاجئوا الخصم في غفلة منه، على أساس أن الحرب خدعة. وهذا هو بالضبط ما جرى للممثلة الفرنسية المتوسطة الشهرة ماريون كوتار التي تهافت كبار المصممين على استمالتها لأنها كانت مرشحة للفوز بجائزة «الأُوسكار»، مع كل ما يمثله هذا الفوز من صور تنشر على أغلفة المجلات العالمية وتلفت النظر الى ما ترتديه حين تصعد الى المسرح لكي تتسلم التمثال البرونزي الشهير. اليوم، بات معروفاً، على وجه قريب من الدقة، أي النجمات ترتبط بأي المصممين. بل مضت دور الأزياء والعطور ومستحضرات التجميل خطوة أبعد عن طريق التعاقد مع الممثلات ليقمن بدور السفيرات لهن و«الوجه الإعلاني» للشركة. وتحصل الممثلات على دخول عالية من خلال هذا النشاط، يجري التفاوض عليها في كبريات دور المحاماة العالمية. فمن المعروف أن شركة «لوريال» تتعاقد مع مجموعة كبيرة من الممثلات يحملن اسم «فريق الأحلام». و«شانيل» متعاقدة مع آنا موغلاليس وكيرا نايتلي، و«ديور» تحتكر شارون ستون، و«لانكوم» تتعامل مع آن هاثواي وكلايف أوين، و«كارتييه» مع مونيكا بيلوتشي، و«بوشرون» مع جوليان مور... وهلم جرّا.

وباب الرزق الجديد هذا يدفع الممثلات الشابات الى البحث عن «متعهدين تجاريين» قبل البحث عن مخرجين ومنتجين. وفي فرنسا مثلاً، وقّعت المغنية الشابة كونستانس فيرلوكا عقداً مع محلات «غاب» للأزياء الشبابية. والأمر لا يقتصر على الجنس اللطيف فقد وقّع الممثل الصاعد ملفيل بوبو عقداً للدعاية لمجوهرات «فريد» الخاصة بالرجال.

وإلى جانب مهنة الوكيل الفني نشأت مهنة جديدة هي «مدير الصورة». ومهمة المشتغلين في هذه المهنة استثمار الصورة الشهيرة لهذه الفنانة أو ذاك النجم وتسويقها في عالم الدعاية والإعلان ورعاية الحفلات وحضور المناسبات الخيرية. لكن الصورة ليست مشرقة ومربحة على طول الخط. فقد «تمرد» جورج كلوني وتخلف عن حضور حفل افتتاح مقهى «نيسبريسو» في جادة «الشانزيليزيه» في باريس، قبل فترة. واضطر القائمون على التسويق الى استبدال شارون ستون به في اللحظة الأخيرة. كما أبلغ كلوني شركة «أوميغا» للساعات السويسرية، وهي احدى الشركات التي يقوم بالدعاية لمنتجاتها، بأنه قلق من أوضاع حقوق الانسان في الصين، باعتبار أن الشركة هي الراعي لكافة أجهزة التوقيت في دورة بكين المقبلة للألعاب الأولمبية. بل أن كلوني ذهب أبعد من حدوده الفنية عندما طلب من «أوميغا» ممارسة ضغوط على السلطات الصينية فيما يخص فضية دارفور، أيضاً، والعلاقة بالسودان.

هل تلقي هذه الشركات بأموالها في عرض البحر؟ يرد السؤال الى الذهن عندما نعرف أن «نيسبريسو» دفعت لكلوني 5 ملايين دولار مقابل عقده معها. لكن يبدو أن هذا المبلغ هو بمثابة «الفراطة» للطرفين، خصوصاً إذا علمنا أن المصمم الايطالي جيورجو أرماني دفع 25 مليون دولار مقابل احتكار الصورة الدعائية للاعب كرة القدم ديفيد بيكام لثلاث سنوات.

لهذا لم يعد من المستغرب أن يخلع السياسيون جبة الوقار وينزلوا الى ميدان المنافسة مع الفنانين والفنانات. وهذا ما فعله الرئيس الأسبق غورباتشوف عندما ظهر في حملة إعلانية لشركة «لوي فويتون» للحقائب الجلدية. ويبدو أن السياسي يحسد الفنان والفنان يغبط السياسي، لهذا باتت الحدود تتضاءل وتلتبس بين الأدوار السياسية والسينمائية، فقد لفت المرشح الأميركي السابق للرئاسة آل غور الأنظار عندما قدم فيلماً عن حماية البيئة، أما رئيس لجنة تحكيم الدورة الحالية من مهرجان «كان» فهو الممثل والمخرج الأميركي شين بين الذي كانت له مواقفه الصارخة ضد الحرب في العراق.