مراهقو السعودية يتمردون على اللغة العربية ويبتدعون رموزا لفظية بينهم

حولوا «التاكسي» إلى صاحب العلاقات المتعددة ووصفوا كبار السن بـ«جاكم الصفر»

المقاهي من الأماكن التي يقضي فيها الشباب معظم أوقاتهم، بعيدا عن الروتين اليومي، ويتبادلون فيها تعابير لفظية «مستحدثة» (تصوير: أحمد فتحي)
TT

إذا جمعتك جلسة بمراهقين سعوديين سواء كانوا فتيانا أو فتيات، وسمعت منهم ألفاظا، قد يبدو لك حين سماعها، ان عليك أن تتفحص قاموسك اللغوي؛ فلا تكترث فأنت وضعك صحيح، وهم أيضا أصبحوا، بمعايير التطور الحالي، كذلك.

فقد غزت الشارع السعودي في الآونة الأخيرة، مفردات جديدة ومصطلحات تبدو لأول وهلة عصية على الفهم، يتداولها المراهقون والشباب فيما بينهم كاختصارات لمعاني أطول أو كرموز خفية لحديث ما لا يرغبون في غيرهم خاصة كبار السن، فهم ما يتحدثون عنه.

فـ«التاكسي» على سبيل المثال لم تعد تعني بمفهوم «الكبار» تلك السيارة التي يستخدمها العامة في تنقلاتهم، فهي تعني عند هؤلاء المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين الـ13 والـ21 ربيعا، بالشخص غير المباشر صاحب العلاقات المتعددة. ولم يكتف هؤلاء المراهقون بتحويل معاني الألفاظ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حين بدأوا يتلاعبون بالكلمات، فحين تسمع مثلا أحدهم يخاطب الآخر بـ«أشوفك أمس» فهو يصارحه على المكشوف، بأنه لا يرغب في رؤيته مجدداً! من جانبها تبرر، رغد، 14 سنة، استخدامها هي وزملاؤها تلك المصطلحات، بأنها تختصر عليهم الكثير من الشرح والتفصيل، «فكلمة بسيطة كافية لتوضيح المعنى».

على الطرف الآخر (الذكوري)، يصف مصعب، وهو شاب في الـ20 ربيعا من عمره، استخدام تلك الالفاظ بأنها تمنحهم قدراً من السرية للحديث، خاصة في حضور الأكبر سناً، حيث يتم تشفير أغلب المصطلحات المفهومة لدى الكبار. ويضرب مثلا على ذلك بأنه حين تجمعهم جلسة، ويقبل شخص غير مرغوب فيه، فبدل من الإشارات والأحاديث، يكفي أن نقول «جاكم الصفر» ليفهم المضمون من دون غضب الكبار. وحول ردة فعل الأهالي تذكر أم رغد أنها انزعجت في البداية جدا من استخدام ابنائها لهذه اللغة، لكن مع مرور الوقت اعتدت عليها. وتقول «لا أمانع أن يستخدمها أبنائي ما دمت افهم معانيها، والا تخفي وراءها معان غير مقبولة، شريطة أن تظل مقتصرة على أحاديث الأصدقاء العادية، ولا تمتد إلى مجالس الكبار الرسمية».

فيما يخالفها الرأي أبو أحمد، وهو في العقد الخامس من عمره تقريبا، حيث يقول «الأفضل أن يتعلم أبنائي الحديث بلغة أكثر رقياً، وأسلس للفهم، فلماذا لا يكتسبون مصطلحات أجمل مستندين في ذلك إلى اللغة العربية، ويتم التعامل بها، هكذا نرتقي بالأسلوب أكثر، ومعه نرتقي بالتفكير، حتى أن فهم اللغة الفصحى سيصبح أسهل، بدل أن يضطر البعض للرجوع إلى معجم».

أما عن كيفية ظهورها وانتشارها يقول عبد الله عبد العزيز، 18 عاما، وهو طالب جامعي، «تنشأ غالبية المصطلحات من خلال موقف ما، أو حتى خطأ لفظي يصدر من احدهم، وقد نقتبسها من فيلم ما، ثم نتداولها فيما بيننا، كل فرد يأخذها عنه فرد آخر، ونفاجأ آخر الأمر بأن نسمعها من طرف آخر لا علاقة له بالحدث، حتى أن البعض يستمتع بتأليفها ونشرها ويتخذ من ذلك هواية».

وتذكر نورة محمد، 24 عاما، وهي تعمل معلمة «أن مصطلحات كهذه، تنتقل أسرع في الأوساط الاجتماعية ذات العائلات الأكثر تنوعا في الفئات العمرية. فمثلا الشباب الاجتماعيون أصحاب الصداقات المتعددة، يقتبسونها أسرع من غيرهم، والعائلات التي تملك تنوعا في أعمار أفرادها وتقاربا فيما بينهم، تجد الكلمات تشيع بين الأخوة بسرعة أكبر».

وحول التأثير الاجتماعي، يقول الدكتور علي الرومي وهو مختص بعلم الاجتماع، إن هذه الألفاظ عبارة عن مصطلحات رمزيه أخذت من وسائل التقنية الحديثة للتواصل السهل، وليس لها أي تأثير لغوي، لكن قد يكون لها بعد نفسي في كون الشخص الذي يستخدم مصطلحات كهذه ـ خاصة المقتبسة من عوالم التقنية ـ قد تعطي إيحاء بأنه شخص على دراية أكثر من غيره.

ويتساءل الدكتور ماجد الحمد أستاذ في قسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود بالرياض، ان كانت اللغة تحتمل أن تكون هناك مستويات داخلها، مفيدا بأن الإجابة هي نعم، فاللغة متطورة وكائن حي، وليس من المستغرب أن توجد لغة خاصة لفئات معينة ومنهم فئة الشباب، لا سيما وأنهم أكثر فئات المجتمع حيوية. وحول كيفية التعامل معها، ذكر الحمد انه من الخطأ محاولة فرض وصاية هنا، ناصحا بضرورة تكاتف المجتمع إعلاميا وتعليماً في هدف واحد، وهو نشر اللغة العربية، فـ«المصطلحات على المستوى الشفهي، لا تعتبر مشكلة في حد ذاتها، إلا في حال تحولها إلى المستوى الكتابي».

يشار إلى أن دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة ـ حيث نشأت تلك الظاهرة أول مرة في مصر ـ أن اختيار الشباب للغة خاصة، هو تمرد على النظام الاجتماعي، لذلك ابتدعوا لوناً جديدا خاصاً بهم لا يفهمه أحدا غيرهم. فيما ذكر أخصائيون تربويون، أن ما يحدث ليس تمرداً بقدر ما هو هرب من المجتمع، وأن على الكبار احترام لغتهم الجديدة وعدم الاستهزاء بها، طالما أنها لا تتعارض مع الآداب العامة في المجتمع.

وركزت الدراسة على شريحة عشوائية من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عاما، ورصدت وجود تأثير للإنترنت على مفردات اللغة المتداولة بين الشباب على مواقع الإنترنت والمدونات وغرف المحادثات. وأوضحت أن طبيعة الإنترنت باعتبارها وسيلة اتصال سريعة الإيقاع، واكبتها محاولات لفرض عدد من المفردات السريعة والمختصرة للتعامل بين الشباب.

وبينت الدراسة أن شبكة الإنترنت ليست وحدها المسؤولة عن تغير لغة الشباب، فالعديد من المصطلحات الأجنبية المنتشرة بين الشباب سببها استخدام اللغة الإنجليزية كلغة تعامل في بعض أماكن العمل، إضافة إلى تردي التعليم الجامعي، الذي لا يهتم أصلا باللغة، وصولا إلى الدراما العربية، وما تقدمه في المسلسلات والأفلام من ألفاظ شاذة.