هكذا يفرح المصريون

مصريون يُحيون أعراسهم بأغان.. من كلماتها: «المرتب تعبان.. المستخبي بان.. الدنيا خربانة» و«محدش فاضي لحد»

إن أصحاب حفلات الزفاف أصبحوا في الفترة الأخيرة يعربون، بشكل متزايد، عن حبهم لسماع أي كلام مغنَّى عن غلاء الأسعار والركود الاقتصادي(ا.ف.ب)
TT

في عُرس لأسرة متوسطة الحال بضاحية المنيل جنوب العاصمة المصرية، حاول مغن شعبي يدعى محمد عبد المجيد، بدء الحفل بأداء أغنية للفنانة الشهيرة شادية عن جمال العروسة وكثرة من يريد خطبتها بالذهب واللؤلوء، لكنه فوجئ بأصحاب العرس وضيوفهم يطلبون أغان تتحدث عن الواقع المعيشي، وأن الراتب قليل ولا يكفي لشراء عَلكة، حيث تقول الاغنية:

الدنيا خربانة..

المرتب تعبان..

مايجبش حتى لبان

والمستخبي بان..

الدنيا خربانة..

وفي عُرس آخر اضطر مغن شهير باسم محمد مزيكا، في ضاحية المرج بشمال القاهرة، مجاراة نمط أغان تتحدث عن البطالة وضيق ذات اليد، وتنعي كلماتها ضعف أجور خريجي الجامعات، بعد رحلتهم التعليمية من أول المرحلة الابتدائية للإعدادية فالثانوية، إذ تقول:

خمسين جنيه خمسين جنيه..

مش عارف أعمل بيهم إيه..

ست سنين ابتدائية

وثلاث سنين إعدادية

و3 سنين في الثانوية..

والآخر أقبض خمسين جنيه..

طب بس أعمل بيهم إيه..

وقد يبدو من الغريب في حفلات كالخطوبة والزواج، ترديد أغان تتحدث عن الواقع المعيشي، لا الحب والفرح والجمال، وبخاصة في الضواحي الشعبية بالقاهرة، وعدة مدن أخرى. ولا يمكن أن تمر تلك الأغاني الغريبة، دون أن التوقف أمامها والتفكير في ما يرمي إليه مؤلفها الذي غالباً ما يكون مجهولاً، واسباب غنائها في عُرس، وتحويله إلى ما يشبه «رقصة مجنونة من الندب على الحال والعويل على المآل»، كما يقول كريم حسن، الذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» وهو يطل، من مكتب محاماة يديره بشارع محمد عساف جنوب العاصمة، على حفل زفاف منصوب في عرض طريق ضيقة.

كان العشرات يرقصون بينما المغني يزيد في كلمات الأغنية ويعيد، مردداً أسماء من أهل العريس والعروس، وأسماء لضواحٍ ومدن ومحافظات مصرية، وهو يزعق على موسيقى صاخبة، ويقول:

الدنيا خربانة..

يا حاج محمد خربانة..

يا موسى يا جميل خربانة..

والله خربانة..

المونولوجست مجدي عيد، الذي اشتهر في أوساط أعراس وحفلات مصرية، بخلط الغناء بفقرات من النكات، منتهجاً نهج الفنان المصري الراحل إسماعيل يسن، قال لـ«الشرق الأوسط» إن أصحاب حفلات الزفاف أصبحوا في الفترة الأخيرة يعربون، بشكل متزايد، عن حبهم لسماع أي كلام مغنَّى عن غلاء الأسعار والركود الاقتصادي..«أعتقد أنهم غير قادرين على التعبير عن أنفسهم حول قضايا تؤرقهم وتشغل بالهم.. الغلاء.. البطالة.. الزحام المروري الشديد في القاهرة.. هرولة الناس وراء لقمة العيش لدرجة أن الجار قد لا يسأل عن جاره لأشهر».

وأرجع «عيد»، وهو خريج كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، سبب انتشار أغان كـ«خربانة» و«خمسين جنيه» في أفراح لشرائح اجتماعية ذات دخل اقتصادي تحت المتوسط بكثير، إضافة لبعض الأسر متوسطة الحال أيضاً، إلى أفلام السينما التي ظهرت في الفترة الأخيرة، والتي تتضمن العديد من أغان تقترب من فن المنولوج، مثل أغنية «العنب العنب»، و«الخيار الخيار»، و«بحبك يا حمار»، وغيرها، قائلاً إن بيع أغاني الأفلام في شرائط كاسيت واسطوانات مدمجة بالأسواق، باعتبار أنها مجازة من الرقابة مسبقاً بعد إجازة الرقابة للفيلم السينمائي في مجموعه، وعرضها في الفضائيات، ما أخرجها عن سياق أحداث الفيلم، وتحولت، وحدها، إلى أغان لا علاقة لها بفن الغناء، ومن ثم..«يجاري العديد من المبتدئين هذه الظاهرة، ويرتجلون كلمات وألحان يرون أنها غير مسبوقة.. يرون أنها تعبر عن الحياة اليومية لعامة الشعب.. وأنهم سيحققون نجاحاً، من خلالها، مثل نجوم السينما..».

ومن الأغاني الموحية التي تسخر من شُح الخبز وارتفاع أسعار الطعام، وطلبها منه مدعوون في عرس أحياه أخيراً، أدى «عيد» أغنية من تأليفه، عبارة عن منولوج (حوار) بين زوج يبدي لزوجته، التي تدعى «سيدة»، استعداده لشراء أي خضروات أو لحوم أو خبز، لأن راتبه يكفي، لدرجة أن الزوج يقول لها إنه ذاهب للإنفاق من هذا الراتب بدون حساب.. تقول كلمات هذه الأغنية:

يا سيده عايزة حاجه من تحت..

يا سيدة أنا نازل تحت..

طب بصي في الثلاجة ..

يمكن محتاجة حاجة..

الخير أهو كتير..

والعيش من غير طوابير..

وعندك لحمه وخيار..

والمرتب مكفي نازل أبعزق تحت..

وفي عُرس آخر بضاحية 15 مايو في محافظة حلوان، كانت العروس ابنة معلم مدرسة يدعى جمال الدين، وللتغلب على أعباء المعيشة يعمل منذ سنوات لمدة أكثر من 16 ساعة في اليوم، إذ اعتاد إعطاء حصص إضافية لطلاب في بيوتهم بأجر، ولا وقت لديه ليهدره، أما العريس فابن موظف بشركة كهرباء اسمه عبد الكريم، ويعمل بعد الدوام الرسمي في محل لبيع الأدوات الكهربائية. وينتشر بين أولاد مثل هذه الأسر استخدام التليفونات المحمولة (الجوال) والتعامل مع الانترنت.

ويَحسِبُ كلٌّ من جمال الدين وعبد الكريم، نفسيهما، من حيث الدخل المالي والمستوى الاجتماعي، أقل من الطبقة المتوسطة، لأن أسرتيهما، قبل نحو ربع قرن، كانتا من الأسر التي ترتاد النوادي الاجتماعية، وتمتلك كل منها سيارة، وتقيم أعراس أبنائها في قاعات الفنادق.

ويتذكر كل من معلم المدرسة الذي تزوج منذ 23 سنة، وموظف الكهرباء، الذي كان عرسه في سنة 1983، أن حفلات الأعراس في تلك الأيام كانت أقل صخباً وأكثر بهجة، يُظهر فيها مغنون مبتدئون، أو نصف مشهورين، مدى إتقانهم أداء أغان رومانسية عن الحب وزهوة الزفاف وفرحته، من تلك التي شدا بها محمد فوزي وفريد الأطرش وشادية وفايزة أحمد وغيرهم.

وفي حفل زفاف ابنة الأول على ابن الثاني، الذي أقيم في باحة تتوسط منزليهما في حلوان، خلع كل من جمال الدين وعبد الكريم سترة بدلته، وانضما لحلبة رقص على كلمات أغنية تقول كلماتها إن أحداً لم يعد لديه وقتا للآخر، حتى لو كان من أفراد أسرته، بسبب تغير ظروف الحياة وتسارع إيقاعها وتشابك علاقاتها الرقمية لا الإنسانية، ويشدو المطرب على الإيقاعات فيما الرقص يتواصل:

ما حدش فاضي لحد..

ولا حد بيسمع حد..

وان كان عندك سؤال..

أوعي تستنى الرد..

ماحدش فاضي لحد..

الأب يا عيني شقيان..

راجع البيت تعبان..

يلاقي الواد ع النت..

عمال يلاغي البنت..

والبنت معاها تليفون..

وبتتكلم بجنون..

وفي حال عدم قدرة الأسرة على أجر المغني المبتدئ وفرقته الموسيقية، الذي يتراوح بين 700 إلى ثلاثة آلاف جنيه أو خمسة آلاف جنيه، تستعيض عن ذلك باستئجار ما يسمي في مناطق شعبية فقيرة بمصر، الـ(دي جي)، وأجره من 150 جنيه إلى 500 جنيه، وهو عبارة عن مكبر للصوت وجهاز كمبيوتر عليه المئات من الأغاني الموحية، وفني مختص لديه القدرة على التنقل بين الأغاني وقراءة رغبة جمهور الزفاف في ما يريدون الاستماع إليه.

هاني عبد الجواد، وهو فني (دي جي) في منطقة إمبابة بالجيزة قال إن «الناس في الأعراس كانت تحب تسمع أغنية: أبطل السجاير وأكون إنسان جديد (لشعبان عبد الرحيم).. يمكن عشان كان أمنية اللي بيدخنوا يبطلوا تدخين سجاير، ولما ظهرت أغنية شعبان عبد الرحيم أيضاً: أنا أكره إسرائيل، رقصوا عليها في حفلات الزفاف، لكن في الشهور الأخيرة.. من بداية السنة اللي فاتت، وبعد ارتفاع الأسعار كان ذلك السبب الحقيقي وراء حب الناس لأغنية خربانة.. مين اللي ألفها ومين اللي لحنها ومين اللي يغنيها مش مهم.. المهم إن دي هي الحقيقة.. المهم إنها تعبر عن اللي جوه كل واحد».

وتباع مثل هذه الأغاني في شرائط كاسيت وعلى اسطوانات مدمجة، رغم عدم إجازتها من المصنفات الفنية في مصر، بحسب مسئول بإدارة المصنفات، والذي أردف قائلاً: «أصبح من الصعب منع تداول أشياء كثيرة بسبب الانترنت، وحتى لو لم نجز بيع أغان معينة، إلا إنها أصبحت منتشرة على موقع اليوتوب، ومجاناً».