بابل تنتظر عودة علماء الآثار للكشف عن مزيد من خفاياها

القوات الأميركية والبولونية اتخذت من المدينة الأثرية قاعدة لها وعرضتها للخراب

جريا على التقليد القديم المتبع على جدران مدينة بابل القديمة قام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بوضع حجر يحمل اسمه داخل الجدار الجديد الذي تم بنائه في عهده. (أ.ف.ب)
TT

تنام تحت التلال الترابية لمدينة بابل الأثرية، جنوب بغداد، احياء سكنية ومكتبات وجامعات ومعابد، لم تكتشف حتى اليوم، وعلى حد الخبير الأثري الراحل الدكتور وليد الجادر، الذي قال قبل اكثر من عقدين من الزمن، ان بابل تحتاج الى اكثر من قرنين ليتم الكشف عن جزء كبير من آثارها، وقد تحتاج الى ما يقرب من 500 عام للكشف عن كل آثارها بطرق علمية صحيحة، لا تهدم ما تحت التراب وتخربه.

هذه المدينة التي كانت عاصمة الدنيا قبل اكثر من ستة آلاف عام، والتي أعاد بناءها ملكها الشهير حمورابي، واعاد صيانة ابنيتها ملكها الأكثر شهرة نبوخذ نصر، موعودة دائما مع الخراب.

وحسب الجادر، فإن الحروب التي كانت تدور في السابق كانت تستهدف الحضارات وتخربها، ومعالم هذه الحضارات هي المدن، لهذا عندما انتصر نبوخذ نصر على الفرس العيلاميين، وخرب مدنهم وأسر حكماءهم واستولى على آلهتهم، انتظر الفرس عشرات السنين ليردوا على هذا الخراب وهاجموا بابل، كما انتقم منها اليهود ردا على سبي نبوخذ نصر، ستة آلاف من ملوكهم وشيوخهم وسدنة معابدهم، فيما يعرف بالسبي البابلي.

وحتى اليوم تتردد اغنية محتواها يدور حول انتقام بني صهيون من بابل، واسمها نهر بابل (ذي ريفير أوف بابيلون) والتي تؤكد عودة صهيون الى بابل.

من هذه الجزئية في قصة بابل يتهم بعض المثقفين العراقيين، القوات الاميركية والبولونية، بأنهم ينفذون مخططا اسرائيليا بتخريب بابل، عندما اقتحموا المدينة العتيقة بدباباتهم وطائرات الهليكوبتر، ليجعلوا من المدينة الأهم آثاريا قاعدة لهم، وكأن العراق خلا من الاراضي التي تصلح قواعد عسكرية، تاركين ذكرى سيئة في المكان الذي اقتحموه بمعداتهم العسكرية. لكن المدينة الأثرية ما تزال تنتظر علماء الآثار لكشف خفاياها المهمة للحضارة البشرية.

فقد غادرت وحدات بولندية واميركية معسكرها في موقع للتنقيب عن الآثار في اهم موقع تاريخي في العالم. لكن المسؤولين عن المكان يخشون عودتهم مجددا.

ويقول عالم الآثار العراقي هادي موسى، الذي يعمل دليلا في الموقع لوكالة الصحافة الفرنسية، ان تحليق المروحيات وحركة المجنزرات الحقتا اضرارا بالجدران الهشة.

ويؤكد تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) ان «الأضرار الناجمة عن الاحتلال العسكري جسيمة جدا». ويعدد التقرير مصادر القلق الرئيسية، مشيرا الى اعمال الحفر وبناء مهبط للمروحيات واستخدام التراب، الذي يحتوي بقايا اثار وتسرب الوقود الى باطن الارض وغير ذلك ايضا.

وقد صدر التقرير، الذي يتضمن كشفا حول المكان قبل اجتماع مقرر لخبراء من اليونسكو والعراق، يعقد في برلين الشهر المقبل، بغرض تحديد الاضرار بشكل نهائي.

وتمركز الجنود الاميركيون على مساحة 150 هكتارا في الموقع في ابريل (نيسان) 2003 قبل ان تحل مكانهم قوة بولندية غادرته في يناير(كانون الثاني) 2005. وما تزال اكياس الرمل والاسلاك الشائكة ظاهرة للعيان في موقع القاعدة العسكرية. ولا تنفي القيادة الاميركية في العراق الحاق ضرر بالمواقع الاثرية خلال العامين 2003 و2004. ويقول متحدث عسكري اميركي، انه منذ ذلك الوقت «اصبحت غالبية القواعد العسكرية بعيدة عن مواقع الآثار المهمة».

في المقابل، ينفي الأميركيون مشاركتهم في نهب المواقع الاثرية بعد غزو العراق في مارس (آذار) 2003، وسقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين.

وبعد مغادرة القوة البولندية المكان، وضعت هيئة الآثار العراقية يدها على بابل، التي بنيت قرب نهر الفرات حوالي عام 3000 قبل الميلاد وخضعت لملك الاخمينيين الفرس قورش (557 ـ 528 قبل الميلاد) ثم داريوس قبل ان يستولي عليها الاسكندر الكبير في القرن الرابع قبل الميلاد.

لكن أعمال الحفر والتنقيب متوقفة وكذلك الترميم. ويقول موسى إن بوابة عشتار (آلهة الحب عند البابليين) استعادت رونقها مع الأسود والثيران والتنين، المبنية من الآجر الازرق.

وبوابة عشتار هي المدخل الى ما تبقى من القصر والمعابد ومقار السكن المبنية من الاجر، التي يحمل نقوشا بابلية وآشورية.

يشار الى ان بوابة عشتار الحقيقية معروضة في متحف بيرغام في برلين. وكان صدام حسين اطلق في الثمانينات مشروعا ضخما يعيد بناء بابل بشكل يتضمن اعادة تعمير اطلال المدينة القديمة، لتكون مماثلة لحالها الأصلي في سالف العصور.

وأمر رجل العراق القوي حينذاك بحفر اسمه على الآجر، تيمنا بما كان يفعله اسياد بابل قديما. وقد كتب على احدى اللوحات «ترميم قصر الملك نبوخذ نصر إبان عهد المهيب صدام حسين». ويسعى علماء الآثار الى ادراج بابل على لائحة التراث العالمي لاستئناف اعمال الحفر والتنقيب وعودة خبراء الآثار من العالم اجمع الى هذا المكان الاسطوري. ويشدد موسى على «ضرورة بذل الجهود المضنية من الجانب العراقي للوصول الى هذا الهدف، ويجب ان نحضر خطة عمل من اجل ذلك». من جهته، يقول ممثل اليونسكو في العراق محمد جليد المقيم في عمان، ان العراق ليس مطروحا في الوقت الراهن. ويضيف جليد ان توصيات اتخذت خلال اجتماع خاص عقد اواخر عام 2007 ما تزال تنتظر تطبيقها.

وتدعو التوصيات السلطات العراقية، الى المصادقة على سلسلة من الاتفاقات حول حماية المواقع الأثرية ومحاربة تهريب القطع الفنية.