2000 متحف في 42 مدينة أُوروبية تفتح أبوابها حتى الصباح

الليالي الألف وجنيّات وخزف وتذوق أعمى في الدورة الرابعة من «ليلة المتاحف»

اللوفر يسهر حتى الصباح مع زوار الليل
TT

هل استجمعت شجاعتك يوماً وقررت زيارة المتحف الوطني في بلدك أو في البلد الذي تزوره، وأن تمضي ساعات بين معروضاته بدلاً من التسكع في الأسواق والمقاهي؟ وهل مر ببالك أن زيارة المتحف ممكنة بعد منتصف الليل... طالما أنك تتذرع بمشاغل العمل خلال النهار؟

خذ علماً إذاً بأن 42 مدينة أُوروبية احتفلت أمس بالدورة الرابعة لـ «ليلة المتاحف»، وهي الليلة التي تبقى فيها أبواب أكثر من 2000 متحف مشرعة للزوار، مجاناً، حتى الصباح. وقد وجهت وزيرة الثقافة الفرنسية، كريستين ألبانيل، رسالة بهذه المناسبة قالت فيها إنها تأمل بأن تكون ليلة المتاحف لحظة اجتماعية متميزة من لحظات «ديمقراطية الثقافة».

متاحف كبيرة وصغيرة تنافست للفوز بأكبر عدد متيسّر من الزوار، باقتراح فعاليات جذابة تتنوع ما بين المعارض والحفلات الموسيقية والعروض السينمائية وورش الأطفال. فهذه الليلة مخصصة، أيضاً، للعائلات. وهي واحدة من المناسبات النادرة التي يأخذ فيها الآباء أولادهم الى الخارج في ساعات الليل، بعد أن يكونوا قد أخذوا إغفاءة قصيرة واستعدوا للسهر في واحد من المتاحف أو أكثر. وبلغ عدد العروض والفعاليات التي هيأتها المتاحف الفرنسية لزوارها هذا العام وحده 1939 نشاطاً، أي بزيادة 400 نشاط عن العام الفائت.

كذلك سعى مديرو المتاحف الى اجتذاب جمهور لم يتعود هذا النوع من الزيارات الثقافية من قبل. ويبدو أنهم ماضون في نجاحهم لأن أكثر من مليون وثلث المليون زائر لبوا الدعوة في العام الماضي واجتازوا بوابات ألفي متحف في عموم أُوروبا، بينها متاحف كبرى شهيرة كمتحف برلين والمتحف البريطاني واللوفر، ومنها ما هو صغير لا يشغل أكثر من صالة متواضعة في قرية نائية. أما هذا العام فمن المنتظر أن يكون عدد الزوار قد زاد عن ذلك.

بدأ هذا التقليد في باريس، المدينة التي تحتضن بمفردها 130 متحفاً موزعاً ما بين دوائرها العشرين وضواحيها وأكثر من 1000 متحف في عموم مدن فرنسا وقراها. ثم سرعان ما أصبح «عيداً أُوروبياً» ترعاه المفوضية الأُوروبية وتتطوع لتقليده عواصم في أرجاء العالم. ومن يطالع منهاج هذا العام في فرنسا يغرق في بحر مئات العروض والنشاطات التي تعد المرء بتمضية سهرة مختلفة .

ومن المعارض التي اقترحها متحف فنون التزيين في جادة «ريفولي» في باريس واحد بعنوان «أحمر قدر الإمكان». وهو يقدم تنويعات من الأثاث والستائر واللوحات والأدوات المنزلية والديكورات التي تتشارك في لونها الأحمر. وهناك، في العنوان نفسه، معرض عن نابليون باعتباره رمزاً للسلطة الامبراطورية، وثالث طريف عن الجنيّات، يقدم ملصقات سينمائية ومشاهد من الأفلام التي تناولت موضوع الجن والأرواح والقوى الغيبية.

وفي متحف «القصر الكبير» في باريس أُتيح لزوار الليل أن يشاهدوا الفيلم الذي أخرجته الأميركية صوفيا كوبولا عن الملكة الفرنسية ماري أنطوانيت بمناسبة وجود معرض عنها. أما متحف «أُورساي» للفن الحديث فقد أعدّ لزواره ليلة تحت عنوان «ألف ليلة وليلة»، كشف فيها عن مجموعته من اللوحات الاستشراقية التي رسمها فنانون فرنسيون جالوا في بلاد الشرق واقتبسوا ألوانهم من أشعة شمسه.

أما متحف الخزف في «فالوريس» فقدّم معرضاً عن تاريخ آنية تقديم الطعام عبر العصور. وابتكر القائمون على المتحف مجموعة من النشاطات المتعلقة بالموضوع، منها حفل «للتذوق الأعمى»، حيث يغلق الزوار أعينهم ويحاولون تخمين نوع الطعام الذي يقدم اليهم. وثمة حفل عن «المطبخ والموسيقى» قدمه شبان يعزفون على البيانو مقطوعات لها علاقة بالأكلات المختلفة .

ولقد راهن القائمون على متحف الأركيولوجيا (الآثار) في مدينة نيم، بجنوب فرنسا، على اجتذاب جمهور واسع من الأطفال من خلال مشغل لهم عن «أقنعة المسرح»، بجانب المجموعات الثابتة الموجودة في كل واحد من المتاحف المذكورة .

أما في ألمانيا فتعتبر «ليلة المتاحف» تقليداً حديث العهد نسبياً لأن العاصمة برلين بدأته فقط عام 1997 قبل أن يمتد إلى نحو 120 مدينة أخرى. وحتى اليوم لا تتفق كل المدن الألمانية على اختيار ليلة المتاحف الطويلة بسبب اختلاف التقاليد والثقافات بين مدينة وأخرى، بيد أن ليلة 17/18 مايو (أيار) تقرر أن تكون ليلة مشهودة في مدينة ايرفورت بشرق البلاد. وفيها أتيحت زيارة كل المتاحف والمعارض والمباني مقابل تذكرة واحدة تغطي أيضاً وسائط النقل. وقد فتحت معالم المدينة الأخرى، مثل الكنائس والكنس اليهودية والمسارح والقاعات، أبوابها أمام محبي الثقافة أيضاً، وتنوّعت الفعاليات لتشمل معارض الصور واللوحات والمنحوتات والموسيقى إلى جانب المعروضات التقليدية للمتاحف. وبين العروض الأبرز «ليلة الخنافس الطويلة» قرر فيها متحف الفنون الشعبية عرض فيلم عن فرقة «البيتلز» الغنائية البريطانية الشهيرة وتخصيص الأمسية لعزف موسيقاهم بأدوات قديمة من معروضات المتحف. ثم هناك معرض ومحاضرة في متحف «نويه موله» عن الكهرباء الأخضر (الطاقة البديلة) من تقديم تلاميذ مدارس مهتمين بالبيئة، وسباق في سرعة ودقة الكتابة على الآلات الطابعة في الساعتين 20 و22 على التوالي في متحف الطباعة.

أضف إلا ما تقدّم العديد من المتاحف التي التزمت بفتح أبوابها حتى منتصف الليل في هذه المدينة الشرقية العريقة عاصمة ولاية ثورينجيا، بينها «متحف مدينة ايرفورت» الذي يستعرض 1250 سنة من تاريخ المدينة، منها متحف طواحين الهواء والماء. و«متحف انغه» الذي يعرض مئات اللوحات النادرة من الفن الألماني في القرون الوسطى، وصالة فنون ايرفورت للفن الحديث التي تعرض أعمالاً مهمة من القرن العشرين وخصوصا للانطباعي ايريش هيكل، ومتحف الطبيعة الذي يعرض حيوانات ونباتات وصخور قديمة من ولاية ثورينجيا، بينها 350 ألف حشرة محنطة. ثم متحف الفنون الشعبية في ثورينجيا الذي يعرض نماذج من ثقافة المنطقة على مدى قرون، ومتحف بيناري شبايشر لأجهزة الطباعة والكتابة الذي يجتذب المهتمين من كافة ألمانيا والمدن المحيطة بها.

وكانت بلدية ايرفورت منذ بعض الوقت تأمل بجو صيفي مشمس في «ليلة المتاحف» الطويلة، بالنظر للعدد الكبير من الفعاليات الفنية والموسيقى المعدة في متحف هندسة الحدائق الذي يمتد على 36 هكتارا من الأرض، وأجواء الموسيقى والأكلات الشعبية اليابانية .