مسرحية «هاي سكول ميوزيكل» سبقت الجرافات إلى فكّ حصار بيروت

الشركة المنتجة أعلنت عن بدء العروض على وقع الرصاص

TT

كان الخبر سوريالياً، حين تم الإعلان عن عرض مسرحية «هاي سكول ميوزيكال» في بيروت، بينما كان الرصاص لا يزال يلعلع في الأجواء. وعند الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الخميس الماضي، وبينما كانت المفاوضات تجري بين الموالاة والمعارضة، لرفع السواتر الترابية وفتح الطرقات، كان ثمة عائلات تتحايل على الشوارع المقطوعة وتلتف على أكوام الأتربة العالية والحجارة، لتصل إلى «الفوروم» حيث افتتاح هذه المسرحية الأميركية الغنائية الشهيرة، التي جاب صيتها المعمورة، وانتظرها شبان واطفال لبنان بفارغ الصبر. تم تأجيل عرض المسرحية لأيام بسبب الأحداث، لكن الشركة المنتجة «مازيتو»، أبت الاستسلام وإلغاء العرض، وكانت بين خيارين، إما أن تخسر كل شيء أو أن تغامر وتعلن بدء العروض، على وقع الرصاص. وهكذا كان، فإضافة إلى دعوات الافتتاح تم بيع أكثر من 400 بطاقة، وصدحت الموسيقى معلنة إشارة الانطلاق، حتى قبل رفع العصيان المدني الذي فرضه «حزب الله» على المدينة. شاهد الحاضرون نجومهم المفضلين، «تروي» و«غابريلا»، يغنيان ويرقصان، وكذلك «شاد» بشعره الأجعد والفاتنة المدللة «شاربيه» بشعرها الأشقر الطويل كاللعبة باربي، وبدا الماكياج وكأنه يجعل من هؤلاء الممثلين البديلين، أقرب ما يكونون إلى نسخهم الأصلية. حتى الأصوات، تم اختيارها بمهارة لتقارب الأصل، وصنّعت ديكورات مماثلة لتلك التي عرفها المشاهد في الفيلم الشهير الذي باع مليون ونصف مليون نسخة شريط «دي.في.دي» خلال سبعة أيام بعد صدوره. صفق المتفرجون حين شاهدوا الكافتيريا الشهيرة التي تدور فيها أحداث القصة بطاولاتها ونادليها، وكذلك الشبان الذين يجوبونها تزحلقاً على عجلاتهم. كان لافتاً أن الحاضرين يعرفون الكلمات عن ظهر قلب، ويرددونها بحماسة مع الممثلين. حضرت المدرسة الثانوية الأميركية التي تدور فيها القصة بديكوراتها وتفاصيلها وفريق كرة السلة مع نجمه «تروي»، وكذلك صف تعليم المسرح مع معلمته الشقراء البدينة. كل شيء تم ترتيبه ليقنع المتفرج انه في عالم «ديزني»، وان هؤلاء المؤدين بعد تشقير شعورهم وتعديل لهجتهم الإنجليزية وتدريبهم منذ شهر نوفمبر الماضي على الرقص والمشي والغناء، باتوا قادرين على تقديم هذه النسخة من «هاي سكول ميوزيكل». كانت مفارقة غريبة، أن القتال الذي كان يدور منذ ساعات بالقرب من هذا المكان هو ضد المشروع الأميركي في المنطقة حسب ما يقال، في ما يقدم هذا العرض جانباً من حياة طلاب في مدرسة أميركية عشقها المراهقون اللبنانيون. قصة حب تدور بين المراهقين «تروي» و«غابريلا» في مدرسة ثانوية، ولا تستطيع ان تكسرها لا تهديدات «تروي» بخسارته نجوميته ككابتن لفريق كرة السلة، ولا فخاخ الغيورة «شاربيه». انها حكاية انتصار الحب والغناء والفرح على كل الحواجز والمكائد. رسالة ذات دلالة، ربما جعلتها الصدفة ذات معنى كبير جداً لم يكن مقصوداً لا من شركة «ديزني» ولا من شركة الإنتاج اللبنانية التي استقدمت هذه الكوميديا الموسيقية العالمية. علماً بأن مراقبين من شركة «ديزني» بقيا في لبنان رغم الحرب والضرب ليراقبا سير المسرحية وفقاً للشروط المنصوص عليها، حفظاً لاسم شركة ديزني وسمعتها».

بعد انتهاء العرض، وبينما كانت الألعاب التي تم استيحاؤها من روح المسرحية تشغل اليانعين من الحضور، بدت المنتجة لميس جوجو في غاية التأثر، لأن العرض مضى بسلام. وتروي والدتها التي تشاركها العمل وقد اغرورقت عيناها بالدموع: «كاد كل شيء يذهب هباء. حين وقعت الاشتباكات وأراد الممثلون الأجانب الذين يشاركون معنا ويبلغ عددهم 22 شخصاً مغادرة لبنان حفاظاً على حياتهم. طلبنا منهم فقط أن نجتمع ونحاول ان نقيم عرضاً واحداً بدون جمهور لمجرد تسجيله على شريط فيديو للذكرى. في لحظة ما قطعنا الأمل، لكننا بعد ذلك قررنا أن نقيم حفلاً واحداً للمدعوين الذين يستطيعون الوصول. وبعدها تجرأنا وقلنا لماذا لا نبيع بطاقات أيضاً للجمهور الذي يمكنه الوصول. الصدفة وحدها هي التي جعلت هذا العرض يتزامن مع خبر عودة الهدوء». وتكمل والدة المنتجة التي بدت غير مصدقة خبر إعلان عودة الحياة إلى طبيعتها في بيروت بعد انتهاء العرض مباشرة: «كان رهاننا كبيراً، لقد اشترينا من ديزني رخصة انتاج هاي سكول ميوزيكال، بمبلغ 350 ألف دولار، وهي الرخصة الوحيدة التي أعطيت لبلد عربي. كان علينا أن نلتزم بأدق التفاصيل الإنتاجية والإخراجية التي تفرضها ديزني. لم يكن هذا سهلاً، سجلنا الموسيقى هنا، والتزمنا بالنص حرفياً، وعلّمنا بعض الممثلين الإنجليزية. اضطررنا لتنحيف بعض الممثلين، وتشقير شعر البعض الآخر، لقد وصلت التكلفة إلى ما يناهز نصف مليون دولار».

انطلقت مسرحية «هاي سكول ميوزيكال» في بيروت، يوم الخميس إذن وستستمر لمدة عشرة أيام، ولن يتوقف الأمر هنا، فثمة اتفاق على ان تقوم بجولة عربية في دبي وقطر وعمّان ودول عربية أخرى يتم التفاوض معها.