سعودية تؤسس أول دار نسائية للترجمة

قالت إن نقل المعرفة أول خطوة في طريق بناء الحضارات

الترجمات تفتح أبواب الحوار مع الآخر («الشرق الأوسط»)
TT

بين اتجاهين يرى أولهما أن ترجمة انجازات الحضارات الأخرى، وسيلة بناء لحضارته. والآخر يرى أنها تمثل شكلاُ من أشكال التغريب للمجتمع، لكن السعودية هاجر خالد العاكور، اتخذت من التوجه الأول هدفا لها، وأسست أول دار للترجمة بإدارة نسائية، في السعودية. وبعد أن قضت هاجر ـ وهي أيضا أول مترجمة محترفة سعودية ـ تسعة شهور للحصول على أول ترخيص خاص بدار تهتم بالترجمة من وزارة التجارة والصناعة. وهدفها من المشروع يتمثل في ربحين، الأول مادي كحال أي مشروع تجاري. والثاني شخصي، بطابع ثقافي، ألا وهو أن «نقل المعرفة أول خطوة في طريق بناء الحضارات»، بحسب قولها.

تقول هاجر «ننظر للترجمة نظرة جادة، ونؤمن أنها مسؤولية نفتح بها أبواب الحوار مع الآخر»، وللتواصل مع الآخر، تضع المترجمة السعودية في حسبانها، أن الحوار مع الآخر لا يقتصر على لغة محددة، أو في استسقاء المعرفة من ترجمة الكتب الأدبية فقط، كما هو حاصل اليوم في العالم العربي، والذي تمثلت نتيجته في أن أعداد ما ترجم خلال العامين الماضيين لا يزيد عن 1000 كتب في أوطان العرب كلها.

وعند سؤالها عما إذا اقتصرت في ترجمتها على الكتب الإنجليزية، أجابت «اللغة ليست فقط معرفة (لغوية) بقدر ما هي سبيلنا للتعرف على حضارات وثقافات مختلفة، وهي في ذات الوقت طريقنا لإيصال فكرنا للآخرين، وتصحيح المفاهيم المغلوطة».

وتضيف «لدينا أساتذة متخصصون في معظم اللغات الحية الإنجليزية والفرنسية الإيطالية والروسية والألمانية والأسبانية، إضافة إلى متخصصين في لغات أخرى كاليابانية والصينية والعبرية والفارسية والأوردية، وهي التي يمكن القول إنه ليس هناك طلب كبير عليها».

ولأن الترجمة لا تقتصر على النقل بل التعريف أيضا بحضارة الناقل المعاصرة، فدار هاجر تعمل على ترجمة الكتب العربية في شتى المجالات إلى الشعوب غير الناطقة بالعربية، وتعريفها بما تملكه من معارف وعلوم.

وتعتمد دار هاجر للترجمة على إعادة صياغة ما يترجم وليس النقل الحرفي فقط. كما تؤكد أن التنوع هو من ركائز خططها الأساسية في عمل دارها التي أسستها بجهد وتمويل شخصي. فهي لا ترى أن الترجمة تقتصر على روايات «مرتفعات وذرنج هاوس» لإيميلي برونتي أو«100 عام من العزلة» للكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، ولكنها تستهدف كتبا من نوع آخر. تتحدث عن مهن السباكة والزراعة والهندسة والديكور والإدارة، وكل ما يبني العقول والقلوب والأحلام لدى أبناء شعبها. مشروع «الحلم» عند «هاجر»، يشاركها فيه فريق ضخم من المترجمين والمترجمات في العالم العربي وبلاد المهجر، وترى أن البريد الالكتروني سهل عملية التواصل بين أفراد الفريق، خصوصا في مهنة تفرض عليهم كما تقول «قدر معين من السرعة والإتقان وحدود زمنية نعمل ضمن نطاقها».

وتتحدث هاجر عن عمل المترجم بفلسفة «وردية»، إن صح الوصف، فهي ترى أن عملها لا يختلف عن الجراح من حيث التزام الدقة والوقت. كما أنه لا بد من توفر صفات في المترجم بأن «يكون ناقداً ذاتياً ومصححاً، وقارئا جيدا، ويمتلك محصلة لغوية عالية، تساعده على إضفاء جماليات للنص حتى لا يقع تحت طائل الترجمة الحرفية العقيمة، وكل هذا من دون طمس معالم النص الأساسية».

وتضيف المهاجرة في عوالم الترجمة «كما يتحتم عليه الانفتاح على التقنيات الجديدة في عالم الترجمة، والوسائل التي تساعد في سرعة إنجاز العمل المطلوب». وعلى طريقة العقلانيين في قراءة الأمور، تعترف هاجر بأنها وزملاءها من المترجمين السعوديين، ذكورا وإناثا، تنقصهم «الرغبة في الانفتاح على مستجدات ومتغيرات حقل الترجمة»، على الرغم من امتلاكهم للإتقان اللغوي والكفاءة.

للترجمة دورها المهم في بناء حضارات الشعوب، وخير دليل هو ما استطاع المسلمون الأوائل من تحقيقه في شتى مجالات المعرفة والعلوم، بعد ترجمة كتب الحضارات التي سبقتهم أو المعاصرة لهم. وهاجر تضع الأمر نصب عينيها، ولكنها لا تكتفي بذلك. حالها كحال الطموحين من البشر، فالترجمة لديها لن تقتصر على الجانب المقروء بل الشفهي، ولكن في المستقبل الذي تشير إليه بلغة القرب وليس البعد. ويبدو هذا الحلم رائدا في السعودية، إذا ما عرف أن البلد الذي يستضيف أكثر من 50 منتدى وملتقى سياسيا واقتصاديا وعلميا واجتماعيا، بحضور كبار الشخصيات الدولية، ما زال يعتمد في الترجمة على مكاتب تتعاطى الترجمة الفورية من خارج البلاد.