عراقيات يعاودن العمل بعد رحلة غياب

بعد انحسار موجة ترهيب النساء

بدأت النساء العراقيات بالعودة إلى أعمالهن التجارية (رويترز)
TT

ما أن تيقنت سناء، 35 عاما، من ان الاوضاع الامنية في منطقة الوشاش اصبحت طبيعية، ويمكنها مزاولة عملها في بيع الملابس النسائية، حتى لملمت اغراضها التي وضعتها في البيت واسرعت لافتتاح محلها بالقرب من الشارع العام.

اعتادت سناء في ما مضى على التسوق من اسواق الشورجة للجملة، بالنسبة للاكسسوارات والحلي وادوات التجميل، وكانت تذهب بشكل طبيعي الى هذه الاماكن، وتعرض البضاعة في محلها، الذي ترتاده النساء بشكل كبير في منطقة الوشاش.

تقول سناء لـ«الشرق الاوسط» : «خفت كثيرا عندما اصبح عدد المحال التجارية المفتوحة في المنطقة قليلا، فاخذتُ البضاعة الى البيت واغلقت المحل، خصوصا في الفترة التي حدثت فيها اشتباكات بين الاجهزة الامنية وعناصر من جيش المهدي، وكانت الزبونات اللواتي يطلبن بضاعتي يأتين الى البيت للتزود بها، وفور سماعي بان المحلات عاودت نشاطها عدت الى عملي ايضا».

وسناء ليست الوحيدة التي تركت مكان عملها بسبب الاوضاع الامنية. فهديل ايضا كانت تبيع مواد متخصصة بالتجميل والعطور، وكانت تبيع تلك المواد، التي تستوردها من تركيا والصين عبر احد التجار الذين تتعامل معهم. تقول هديل: «احببت مهنتي كثيرا لكن طريقة حياتي في اللبس والتعامل مع التجار، جعل بعض الذين لا يتقبلون ذلك، يهددونني، فتركت العمل، وعندما استقرت الأوضاع عدت للعمل، ولكن بتحفظ اكثر وحذر اكبر.

وتقول هديل لـ«الشرق الاوسط»، انها تتعامل مع العديد من التجار المتخصصين بالعطور ومواد التجميل، وان اكثر بضاعتها من تركيا والاردن وسورية والصين، وأشارت إلى أنها تستمتع بعملها وان كان الخطر ما زال يلوح بالأفق.

وتعود مساهمة النساء العراقيات، بشكل أساسي، في مجال «البزنس» إلى التسعينات من القرن الماضي. فتحت وطأة العقوبات الدولية التي فرضت على العراق بعد حرب الخليج الثانية، وما ترتب عليه من انهيار قيمة رواتب الموظفين والعاملين في مؤسسات الدولة، حيث تزايدت معدلات التضخم بشكل خيالي، إلى الحد الذي جعل قيمة رواتب تلك الفئات المرفهة من الأطباء والمهندسين لا تساوي أكثر من بضعة دولارات شهريا، اضطر الكثير من الموظفين الى البحث عن وظائف أخرى للتمكن من إعالة أفراد أسرهم وإبقائهم على قيد الحياة. وإذا كان الرجال من مختلف المهن الراقية أصبحوا يعملون، بالدرجة الأولى، سواق تاكسي بعد الانتهاء من الدوام الرسمي، فإن النساء كان عليهن العثور على أشغال أكثر سلامة. فبدت تتزايد تدريجيا محلات الخدمات التكميلية التي تتوجه إلى تلك النخب، التي لم تتضرر بالعقوبات الدولية.

لكن مشاركة النساء العراقيات الضخمة في مجالات العمل، خارج إطار مسؤوليات البيت، جاءت قبل عقد من ذلك التاريخ، إذ مع اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية، ودفع أعداد متزايدة من الرجال إلى جبهات القتال، راحت النساء الجامعيات بشكل خاص، يحتللن دورا أكبر فأكبر في مجال إدارة المؤسسات الحكومية. كذلك زادت مشاركتهن بشكل كبير في مجال القطاع الخاص، سواء كان خدماتيا أو انتاجيا. وإذا كان الغزو الأميركي للعراق، في عام 2003، قد كسر معه ذلك الطوق المهلك الذي فرضه الحصار الدولي على العراق، وما ترتب عليه من تفكيك للبنى التحتية للمجتمع بشكل صامت وغير مرئي، فإنه في الوقت نفسه أعطى الفرصة لتصاعد التطرف الديني المتلبس ثيابا طائفية، وبشكل غريب تماما عن تاريخ تطور المجتمع العراقي. وكانت النساء أولى ضحايا هذه الظاهرة. ففي بغداد، أصبحت ظاهرة السفور أو سياقة السيارة من قبل النساء سببا كافيا للقتل على يد تلك العصابات الطائفية. ومع وقوع فئات المجتمع البغدادي رهينة بيد هذه المنظمات الإجرامية، انسحبت النساء من محلاتهن ووظائفهن وانكفأن في بيوتهن بانتظار قدوم الفرج.

كانت نادية تملك صالون تجميل في منطقة الوزيرية، لكنها تحت وطأة الانفلات الأمني وسيادة سلطة الميليشيات الإجرامية، قررت ان تفتح محلا لها في عمان او سورية، وفعلا غادرت العراق أكثر من مرة لايجاد الفرصة المناسبة للحياة، وقد وجدتها في عمان، لكنها فضلت العودة بعد استقرار الاوضاع، بشكل نسبي، كما تقول. وأكدت ان للعمل في العراق نكهة خاصة، لان فيه نساء ذواقات يعرفن كيف يبدين أجمل.

التقينا نادية في منطقة الكرادة، مع أفراد من عائلتها، وكانت تشتري بعض لوازم صالونها لتعيد له الحياة من جديد كما تقول.

بعض النساء عدن الى عملهن الحكومي ايضا بعد ان طلبن اجازات منها لسوء الاوضاع الامنية في المناطق التي يعشن فيها، نداء وعروبة وغيرهما كثيرات التقيناهن وهن عائدات للتو من دوائرهن الرسمية بعد ان قطعن اجازاتهن، بعد سماع اخبار الزيادت في الرواتب. يبدو ان النساء اول المتحسسات بالخطر واول من يشعر بالأمن، ولذا وكما قال احد الزملاء الصحافيين العراقيين، انظري الى الشارع فإن وجدت امرأة تعمل بلا خوف فقولي عندها ان الاوضاع استقرت او في طريقها للاستقرار.