الرسام أحمد بن يسف: لست مغربيا ولا إسبانيا.. أنا أندلسي

بدأ حياته فقيرا ومتشردا.. و«الحمامة» حاضرة دائما في أعماله

الرسام بن يسف أمام إحدى لوحاته («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو الرسام المغربي احمد بن يسف، في الصورة الكبيرة المعلقة فوق قاعة معرضه بالرباط، بلحيته الكثيفة، وعباءته البيضاء المطرزة على صدره بخيوط صفراء، مثل فيلسوف من الزمن القديم لا ينطق إلا بالحكمة.

وفي هذا المعرض التكريمي الذي أقيم له بقاعة «لا ميناودير»، ومعناها بالعربية، كما قالت صاحبتها ثريا الهواري «اللؤلؤة»، وقف بن يسف، متكئا على عكازه الصغير، مستقبلا بفرح ظاهر، زواره من الدبلوماسيين والإعلاميين والفنانين والزوار والمعجبين بفنه، الذين غمروه بدفء مشاعرهم.

يتضمن المعرض منتخبات من اللوحات التي أبدعها، على امتداد مشواره الفني، منذ دخوله الساحة التشكيلية سنة 1963، حتى الآن. وتتمثل فيها كل المحطات الفنية التي مر منها، والأساليب والمدارس والاتجاهات الفنية التي خاض فيها بريشته، بدءا بالتجريدية والانطباعية والواقعية. عند مدخل المعرض، لوحتان من الحجم الكبير لوالد الرسام ووالدته الراحلة الحاجة رقية الصوردو. وقال بن يسف لـ«الشرق الأوسط» إنه حرص على تجسيدهما بفنه، اعترافا بفضلهما عليه، ووفاء لذكراهما، واستحضارا لرابطة الروح والدم التي تجمعه بهما.وأضاف ضاحكا: «هما اختارا مسقط رأسي في مدينة تطوان، وأنا اخترت العيش في مدينة اشبيلية»؟

ولماذا اشبيلية بالذات؟ سألته «الشرق الأوسط»، فأجاب: «أنا اعتبر نفسي اندلسيا، ولست مغربيا ولا اسبانيا، وإن كان هناك جزء يربطني باسبانيا، وجزء آخر بشمال افريقيا، علما أن إشعاع ثقافة الأندلس وصل إلى دولة مالي». وقال: «إن الجانب المهم في الإنسان، هو المتعلق بالقيم والأصالة، أما الجواز فهو مجرد وثيقة سفر». يتميز أسلوب بن يسف بتعبيراته ومفرداته الجمالية، واحترافيته وتطويعه للتقنية الفنية بطريقة أكاديمية، واستغراقه في رصد الملامح والتفاصيل، من خلال التدرج في اللون بدقة متناهية تضفي على لوحاته هالة من البهاء. وإذا كان بن يسف جرب مختلف الأساليب والرموز الفنية، فإنه لم يتخل أبدا عن «الحمامة» التي تشكل حضورا لافتا في أعماله التشكيلية، وشرح ذلك لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «كنت في السابق، عندما أرسم لوحة مغرقة في عمق الواقع الاجتماعي ببؤسه وعنفه، أضع وردة حمراء أو مزهرية في المشهد للتلطيف من قسوته، ثم اهتديت إلى فكرة الحمامة كرمز وديع للسكينة والمحبة والسلام، للتخفيف من جرعة الألم في نفسية المتلقي». وبنفس المعرض الذي طرح فيه رؤاه وتصوراته للعديد من القضايا، ومنها رفضه التام لكل أشكال الإرهاب، رسم لوحة لأحداث الحادي عشر، يبدو فيها أحد البرجين مشتعلا، بينما ترفرف حوله حمامتان، واحدة حقيقية، والثانية من الورق المقوى، وهو يشرح ذلك بقوله: «لجأت لهذه الطريقة في التعبير، لإثبات التساؤل حول ما حدث، هل هو صحيح أم كذب؟»، على حد قوله.

حكاية بن يسف مع الرسم جديرة بأن يقع التفرس فيها، ويحلو له أحيانا أن يرويها. كان والده يريده أن يصبح طبيبا، وهو يريد الرسم، فكان قراره صارما بحرمانه من المال، والاكتفاء فقط بتغذيته، وعانى من جراء ذلك الكثير، ولا سيما عندما غامر بالذهاب إلى اشبيلية لدراسة الفن التشكيلي في احد المعاهد الفنية، حيث كان ينام في الحدائق ليلا. وأصيب بفقر الدم بسبب الجوع.

وقال بن يسف، الفنان العصامي، الذي بنى نفسه باجتهاده، إن المعاناة حفزته على تحدي كل الظروف، فقد كان جاهلا لا يعرف الإسبانية مثلا، وغدا اليوم يتكلم بها بطلاقة، تماما مثل الإسبان.

ومن طرائف المفارقات أن لوحاته توضع اليوم على العملة المغربية (الدرهم)، وهو الذي بدأ حياته فقيرا مكافحا في اسبانيا، وأصبحت له مكانة فنية متميزة فيها، ويكفي أنه وضع أكبر جدارية على ملعب مدينة اشبيلية الرياضي. وحين كبر ابنه البكر عمر، وأصبح طبيبا في اسبانيا، قدمه لوالده، قائلا له: «ها هو حفيدك حقق لك رغبتك في احتراف الطب» فكان جوابه: «أنا كنت أريدك أنت أن تكون طبيبا».