البركة والفوائد الطبية تجعل «العجوة» أغلى التمور

العين الشريرة والحسد ينشطان مبيعات أكبر سوق للتمور في الشرق الأوسط

أحد أسواق التمور في المدينة حيث تشتهر العديد من أنواع التمور المختلفة والخاصة بالمنطقة فقط («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو أن الخوف من الحسد والسحر وأذى العين الشريرة، الذي يشغل بال الكثيرين هذه الأيام يلعب دوراً كبيراً في تنشيط قطاع التمور، ورفع مبيعات أكبر سوق للتمور في الشرق الأوسط هي سوق قباء بالمدينة المنورة (غرب السعودية)، ولصالح أنواع معينة من التمور التي تبلغ أكثر من 270 نوعاً، وبشكل خاص تمرة العجوة. ولا يقتصر الحرص على الاستشفاء بتمر المدينة من العين والحسد على أهل المدينة وحدهم لكنه يتجاوزهم ليشمل زوارها من الحجيج والمعتمرين الذين يقبلون على شراء كميات كبيرة من العجوة بشكل خاص وبقية الأنواع.

وبحسب الحديث النبوي الشريف فإن من تصبّح بسبع تمرات من العجوة لم يضره سم، ولا سحر، ذلك اليوم، وفي أحاديث أخرى تمر العالية وهي المنطقة الأكثر عراقة في المدينة المنورة بالنسبة لزراعة التمور، وهو ما جعل انتعاشاً ملحوظاً يشمل سوق التمور في السعودية بشكل عام، وفي المدينة المنورة بشكل خاص، إضافة إلى رفع الأسعار بسبب زيادة الطلب ليصل سعر كيلو العجوة بحسب جودتها ولونها وحجم التمرة إلى 150 ريالا سعوديا أي ما يعادل الـ 40 دولاراً أميركياً، إلى جانب بقية التمور التي توجد في المدينة المنورة، وأشهر أنواعها الروثانة، والصفاوي، والعنبرة، واللبانة، والمبرومة، وهي تزرع في مزارع النخيل الموجودة في المدينة منذ القدم في منطقتي قباء، والعوالي، إلى جانب المزارع الأحدث في مناطق أخرى مثل أبيار الماشي وقضاعة، إلا أن شح المياه في هذه المناطق يعيد حصر مزارع النخيل في قباء والعوالي، والمناطق البعيدة نسبياً كخيبر والعلا، نظراً لغناها بالمياه الجوفية والآبار، ولصيتها التاريخي بالنسبة لزراعة التمور.

أما بالنسبة للمزارعين وتجار التمور في المدينة، فهي مهنة متوارثة أقرب ما تكون إلى الهواية والاهتمام الشخصي، ورغم كون زراعة التمور تمثل تجارة رابحة إلا أنها تستهلك الكثير من الوقت والمال والجهد في البداية قبل أن تحصد ثمارها، وكما يقول نائب رئيس لجنة الزراعة بالغرفة التجارية بالمدينة، ماجد غوث نقلا عن والده الذي احترف هذه المهنة، فإن «الثالوث الذي يجب أن يجتمع في أي مزارع ناجح هو مال قارون، وعمر نوح، وصبر أيوب، ليبدأ هو أو أولاده بالحصاد».

وعلى الرغم من أن العجوة التمرة الأكثر صيتاً وطلباً بين بقية التمور لميزتها في محاربة الحسد والسحر، إلا أن سعر فسيلة العجوة ليس الأغلى بين بقية الأنواع التي تحتل مرتبتها الأولى فسيلة المجدول «المستوردة» والتي يصل سعر فسيلتها إلى 2000 ريال سعودي أي ما يقارب (533 دولارا)، نظراً لندرة فسائل هذا النوع وكرمها في الإنتاج، تليها فسيلة العنبرة بسعر يتراوح بين الـ 700 ريال (186.6 دولار) والـ 900 ريال سعودي (240 دولارا)، في حين أن فسيلة العجوة بترول التمور والتمرة الأغلى بسبب خواصها الدينية والوقائية ضد الحسد والعين، تتراوح بين الـ 400 ريال (106.6 دولار) والـ500 ريال (133 دولارا) فقط بسبب قلة ثمرات نخلاتها مقارنة بما تنتجه بقية أنواع النخيل. وبحسب غوث فإن أهم المشاكل التي يعاني منها المزارعون، صعوبة التسويق الزراعي، إضافة إلى عمليات التغليف والحفظ والنقل والتي تمثل جزءاً كبيراً من قيمة السلعة وبالتالي تؤثر على التسويق وبيع المنتج، إلى جانب عدم وجود عمالة مدربة، الأمر الذي خلق مافيا متخصصة في محاولة استمالة عمال المزارع وقت الحصاد بشتى الطرق.

ياسر بكر، المدير التنفيذي لشركة تالة للتمور، بحكم عمله في البيع المباشر وخبرته في وسائل التسويق، يقول إن الإقبال الكبير على تمر العجوة بالذات سببه الأحاديث النبوية التي تشير إلى دور هذا الصنف في علاج العين والحسد، ويضيف بكر «تختلف الأنواع التي يقبل عليها الناس عادة بحسب المناطق، ففي المنطقة الوسطى نبيع الخلاص والصقعي، والسكرية، والبرحي، والخضري، أما في المدينة فالعجوة والعنبرة والمبروم هي الأكثر طلباً، في حين تستهوي أنواع مثل السكرية والصقعي أذواق أهل المنطقة الغربية».

أما مواسم زيادة الطلب برغم نشاط المبيعات طوال العام فيحددها بكر بقوله «موسم رمضان بطبيعة الحال ونظراً لحرص الصائمين على الإفطار بتمرة كما تقول السنة المطهرة هو أكثر المواسم نشاطاً، وإن كانت بقية العام تشهد أيضاً نشاطاً ملحوظاً لأسباب متعددة منها اكتساب تجار التمور ثقافة جيدة في طرق التسويق واقتراح التمور كبدائل صحية لأصناف الحلوى التي تسبب ضررا للصحة وزيادة في الوزن». ولا ينكر بكر أن الأحاديث النبوية هي أفضل وسيلة للدعاية وتنشيط المبيعات، مستشهداً على ذلك بحديث شريف يتحدث عن فضل تمر «برني المدينة»، استخدمه في الترويج لهذا النوع، وهو ما نشط مبيعاته بشكل ملحوظ، إلى جانب فوائده الصحية خاصة لمرضى السكر والراغبين في تخفيض أوزانهم نظراً لسهولة هضم سكر التمر الطبيعي». وعلى الرغم من قناعة الكثيرين في نجاعة تمر العجوة في الحد من أذى العيون الشريرة، إلا أن هذا ليس السبب الوحيد وراء رواج هذه الثمرة التي أصبحت تعد بالنسبة لمزارعي التمور بترولا صافياً، مضمون الأرباح، فهناك قائمة من الفوائد الصحية المثبتة علمياً بحسب تجار التمور، الذين يصرون على نشرها وترويجها من باب الدعاية وتنشيط المبيعات وهي فكرة جيدة تأتي بنتائج مضمونة، على حد قولهم، المهم أن قائمة الفوائد الطبية للتمور تطول ويدخل من ضمنها وفقاً لدراسات علمية وطبية موثقة، خفض نسبة الكوليسترول بالدم، والوقاية من تصلب الشرايين لاحتواء التمور على مادة البكتين، وتقليله لتشكل الحصيات بالمرارة، ومنع تسوس الأسنان لاحتوائه على الفلور.

تجدر الإشارة إلى أن المدينة المنورة وحدها توجد بها ما يقارب الـ 3 ملايين نخلة، ثلثا هذا العدد مثمر ويبلغ انتاجه السنوي من التمور 117 ألف طن، وفق إحصائية حديثة غير منشورة.