بيكاسو على ضفاف الخليج للمرة الأولى

عرض 40 قطعة تظهر تأثر الفنان الإسباني بالحضارة الإسلامية

إحدى لوحات بيكاسو في المعرض المقام حاليا بأبو ظبي
TT

طبيعة صامتة لإبريق وتفاح.. رأس رجل بلحية.. موت المرأة بمصارعة الثيران.. نساء يقمن بالتزين.. الرسام الشاب.. الظل.. شخصيات واقفة.. ربما تكون هذه بعضا من عناوين للوحات فنية، لكنها في الواقع أكثر من ذلك بكثير، إنها لبابلو بيكاسو.. إنها قصائد شعرية في صورة لوحات فنية.

وما بين لوحته «بورتريه شخصي» التي رسمها عام 1901 من المرحلة الزرقاء، وحتى لوحة «بورتريه الرسام الشاب» التي أبدعها عام 1972 قبل بضعة أشهر من وفاته، تضمن معرض «بيكاسو أبوظبي» أعمالا فريدة من متحف بيكاسو الوطني ـ باريس». واستعرضت مجموعة فنية رائعة الجمال تضم 186 لوحة، حياة مراحل زمنية عديدة في حياة الفنان العالمي بيكاسو.

ولمن لم يعرف فإن بيكاسو، ابن مدينة ملقة الإسبانية، تأثر بالحضارة الإسلامية، فإن العاصمة الإماراتية أبوظبي انفردت بتقديم 40 قطعة تظهر تأثر بيكاسو بالحضارة الإسلامية، التي كانت بالتأكيد قريبة جدا من الفنان العالمي في بلاد الأندلس.

المعرض الذي حط رحاله في العاصمة الإماراتية أبوظبي، افتتحه مساء أول من أمس الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان رئيس جهاز الأمن الوطني في الامارات العربية المتحدة، ويستمر حتى الرابع من سبتمبر (أيلول) المقبل في «غاليري وان» في قصر الإمارات، ويعد أكبر وأول معرض في نوعه بمنطقة الشرق الأوسط يتضمن مجموعة واسعة من أعمال بابلو بيكاسو، تتبع مختلف مراحل تطور المسيرة الإبداعية لأحد أعظم فناني القرن العشرين. وإذا كنت تعتقد أنك شاهدت معارض عالمية وتذوقت لوحات فنية رائعة، فلا نقول لك إلا: أعِد النظر في اعتقادك، وراجع حساباتك، فما يتضمنه معرض بيكاسو أبوظبي، ليس معرضا ككل المعارض وليس مجموعة من اللوحات المتميزة فحسب، إنها جزء من جمالية متسلسلة لا تتوقف عند حد معين، ولا تكفيك عشرات الدقائق عند لوحة واحدة، فما بالك بأكثر من 100 لوحة، تضمنت كل منها موضوعا مختلفا وعنوانا جذابا، فلم يبق للزائرين سوى الانتقال من لوحة لأخرى ليعودوا من جديد للوحة سابقة، فمن يروي ظمأه من هذه الأعمال الفنية النادرة؟

وقبل الولوج للمعرض، كنت توقعت أن أشاهد احتياطات أمنية كبيرة، فالمعروض ثمين بالمعنى المادي والمعنوي، إلا أن المفاجأة كانت حاضرة وبقوة، فلم تكن الاحتياطات بتلك الشدة التي توقعها الزائرون، صحيح أن كاميرات المراقبة تنتشر في أرجاء المعرض، لكن أيَّ إجراءات أمنية شديدة، تتناسب مع قيمة المعروضات، لم يلحظها الزائرون بتاتا طوال فترة تجولهم بالمعرض، بل أن رجال الأمن المكلفين حراسة المعروضات، لم يتعد عددهم أصابع اليدين.

ولأن الفن لغة عالمية، فإن اللوحات نفسها كانت كفيلة بشرح معناها، إلا أن تضمين بعض اللوحات لرسائل كتبها بيكاسو نفسه، جعل الكثيرين يتمنون لو كانوا يجيدون اللغة الإسبانية، حتى يفهموا ما كتب في هذه الرسائل، التي بلا شك أنها ترتبط بشكل أو بآخر بهذه اللوحات الفنية، فكان هناك تمازج فريد بنوعه بين الرسائل والرسم، لكن لأن الكاتب هو بيكاسو والرسام هو بيكاسو أيضا، فكانت النتيجة لوحات بديعة لا يتقنها إلا بيكاسو.

عبر بيكاسو في لوحاته عن مصارعة الثيران، ليس لأن الفنان العالمي معجب كبير بهذا الحدث، وكان كثيرا ما يرتاد حلبات مصارعة الثيران في ارليس جنوب فرنسا، لكن لانه كان يستخدمه كتشبيه للغريزة الحيوانية المحركة للافعال الانسانية والتي لم يتنصل منها.

وتعد أبوظبي المحطة الثانية، والوحيدة في المنطقة العربية، ضمن جولة المعرض العالمية في 9 دول، والتي انطلقت من متحف الملكة صوفيا في مدريد. ويشهد الحدث تقديم 186 لوحة ومنحوتة ومخطوطة، منها 40 مخطوطة ورسما يدويا يتم الكشف عنها مجتمعة للمرة الأولى وتستضيفها أبوظبي حصرياً. وتعكس هذه الأعمال تأثر بيكاسو بالثقافة الإسلامية خلال فترة نشأته وشبابه التي قضاها في مدن ملقة، لاكوتثينا وبرشلونة.

وينفرد المعرض، الذي تنظمه كل من شركة التطوير والاستثمار السياحي، و«مبادلة للتنمية»، بإطلاق أول دليل في نوعه باللغة العربية يقدم شرحاً لمجموعة الأعمال الفنية لمتحف بيكاسو الوطني. وبصورة عامة، يعتبر الحدث خطوة نوعية تجاه ترسيخ مكانة أبوظبي كإحدى منارات الثقافة والفنون عالمياً. ويستكشف المعرض مراحل محددة في حياة بيكاسو: الأولى (1901 إلى 1909)، وتشمل أعماله التكعيبية الأولى بدءاً بالمرحلة الزرقاء وصولاً إلى الأبحاث الأولية للوحة «سيدات أفينيون». وتشمل الثانية، الفترة من 1910 إلى 1924، وتضم العديد من الأعمال التكعيبية والكلاسيكية الجديدة. أما الثالثة، فتغطي الفترة من 1924 إلى 1935. وتتألف من تماثيل سريالية وأبرز لوحات المرحلة التكعيبية، في حين تغطي الفترة الرابعة 1935-1951 أعمالاً تُبرز تأثره بالحرب الأهلية الاسبانية والحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. فيما تعكس الفترة الأخيرة 1947-1972 إحساساً واضحاً بالسعادة.

وتقول آن بالداساري، مديرة متحف بيكاسو الوطني في باريس، والمسؤولة عن تنظيم معرض «بيكاسو أبوظبي» تطرح هذه المجموعة قراءة جديدة ومبتكرة لأعمال بيكاسو، حيث يقدم المعرض إطلالة شاملة على مسيرته، أبحاثه، تطور إدراكه الفني من خلال لوحات ومنحوتات ومخطوطات ورسوم يدوية». وأضافت «يوفر المعرض تجربة غير مسبوقة، حيث يتألف من مجموعة أعمال حرص بيكاسو على الاحتفاظ بها لنفسه، ليس لارتباطها بعائلته أو حياته الشخصية فحسب، بل لأهميتها كمفاتيح رئيسية لتطور رؤيته الفنية». ويتحتم النظر إلى أعمال المعرض انطلاقاً من هذا المفهوم».

ويتخلل الحدث تنظيم برنامج موسع من الأنشطة التعليمية وفعاليات التوعية الثقافية المصممة لمخاطبة احتياجات ومتطلبات جميع المهتمين بالفنون من مختلف الأعمار. ويشمل البرنامج أنشطة تفاعلية، ورش عمل فنية، محاضرات مصورة، جولات برفقة مرشدين من أساتذة الفنون، إطلاق حوار حول بيكاسو وإرثه الفني، إلى جانب تنظيم «نادي بيكاسو الفني» لمدة أسبوع. ويستهل البرنامج أعماله بندوة مسائية يمكن حضورها مجاناً تتناول أعمال بيكاسو وتقام فى فندق قصر الإمارات، تحت إشراف آن بالداساري وبمشاركة فنانين ومؤرخين مرموقين. علاوة على ذلك، يتضمن المعرض قاعة للوسائط المتعددة الصوتية والمصورة التي تشمل صورا وتعليقات صوتية من أرشيف المتحف ولقطات من أفلام، بجانب شرح مفصل وشامل للأعمال الفنية المعروضة. كما يستفيد الزوار من دليل صوتي لتاريخ وخلفيات لوحات المعرض، ومطبوعات باللغتين العربية والإنجليزية ومجلة خاصة بالأطفال. ويتولى فريق من متحف بيكاسو الوطني تحرير وطباعة هذه المواد. ويستقبل «بيكاسو أبوظبي» روائع من متحف بيكاسو الوطني، الزوار يومياً في قصر الإمارات من الساعة العاشرة صباحاً وحتى العاشرة مساء. والدخول مجاناً لجميع الزوار الذين يمكنهم التبرع بمبلغ رمزي يعود ريعه لدعم برنامج «فنون أبوظبي» التعليمي.