أهداف سويف: قرأنا الفاتحة أمام الجندي الإسرائيلي كي يسمح لنا بدخول الحرم القدسي

بعد جولة لأدباء عالميين في الضفة الغربية

أهداف سويف («الشرق الأوسط»)
TT

بعد رحلة لها إلى الضفة الغربية برفقة عدد من الكتاب الغربيين والعرب الأسبوع الماضي، لإحياء «احتفالية فلسطين للأدب»، عادت الكاتبة المصرية أهداف سويف لا إلى بريطانيا بلد إقامتها، وإنما إلى القاهرة وبيروت لتروي مشاهداتها بالكلمة والصورة. وبذلك اختتمت الأديبة التي كادت تصل إلى جائزة «بوكر»، «مهرجان الربيع» الذي أقيم في العاصمتين اللبنانية والمصرية، بمحاضرة روت خلالها مشاهداتها وانطباعاتها الطالعة من أرض الآلام، طازجة ومقرونة بالصور والتعليقات. بدأت رحلة الأدباء التي استمرت أسبوعاً من القدس، حيث تم إحياء أمسية شاركت فيها حنان عشراوي كمتخصصة في الأدب هذه المرة لا كسياسية. أما في رام الله وتحديداً في «جامعة بير زيت» فقامت المجموعة بإدارة ورشات عمل مختلفة. أرادت أهداف سويف، للحاضرين في «مسرح دوار الشمس» في بيروت أن يطوفوا فلسطين معها وبالطريقة ذاتها، فمررنا على «معبر قلنديا» بمعونة الصور وقالت معلقة انه «منذ سنوات قليلة جداً كان هشاً ومؤقتاً، لكن لدهشتي وجدته هذه المرة قد اصبح حديدياً وممكنناً، ويوحي بأنه وضع لا لينزع بل ليبقى لفترة طويلة جداً». تجربة ارادت مجموعة الأدباء ان تعيشها كما السكان الفلسطينيين مشاركة لهم في معاناتهم، ومحاولة لفهم المضايقات التي توضع أمامهم لتجعل حياتهم شبه مستحيلة. هذا المعبر الذي أوصل مجموعة الأدباء إلى الخليل، بدا وكأنهم من خلاله ينتقلون من الصعب إلى الأصعب.

تروي سويف: «الخليل التي زرتها عام 2008 لا تشبه تلك التي كنت قد رأيتها عام 2003، المدينة القديمة فرغت تماماً من سكانها. 400 مستوطن يعيشون في قلب الخليل، هؤلاء جعلوا حياة سكانها مستحيلة. ليسوا مستوطنين دائمين، لكنهم يأتون لخدمة إسرائيل من أميركا غالباً، ويتطوعون لخدمتها. جزء من هذه الخدمة، هو سكنهم في الخليل لتطفيش سكانها. وقد فعلوا ذلك ببراعة، تحت حماية ثلاثة آلاف جندي إسرائيلي. يكفي ان يسكن هؤلاء المستوطنون الطوابق التي تعلو المحال التجارية ويرموا كل قاذوراتهم على هذه الدكاكين طوال النهار، من دون ان يمنعهم أحد، كي يجعلوا مواصلة فتح الدكاكين قضية صعبة للغاية». وتروي سويف: «ان هذا السوق الذي كان مفتوحاً منذ سنوات، بات مهجوراً، ولم تستطع الشباك التي وضعها التجار فوق دكاكينهم لحمايتهم من القاذورات التي يقذفهم بها المستوطنون، من تأمين الحد الأدنى لاستمرارهم». دكان واحد ـ تروي سويف ـ هو ما بقي من هذا السوق الذي كان يعج بالحياة، صاحبته لا تعرف ما يبيع، انه يعرض كل شيء، ربما تعويضاً عن الفراغ الكبير من حوله. حاولت الكاتبة ان تصف للحضور، حال مدينتي الخليل والقدس، كنموذج للخطة الإسرائيلية التي تتبع في المدن واحدتها تلو الأخرى للاستيلاء عليها. شرحت كيف ان الخليل هي عبارة عن مرتفعات صغيرة تؤدي جميعها إلى المدينة القديمة التي يتوسطها الحرم الإبراهيمي، وقد سدت المنافذ التي تصب كلها في هذا الحي القديم والحرم، وبات التحرك شبه مستحيل. سياسة العزل تفعل فعلتها. أمور غريبة روتها. ثمة يافطات تشير إلى السكان بالسير مثلا على طرف الطريق وراء حواجز حديدية، يافطات أخرى تقول بمقدورك ان تتقدم بضعة أمتار إلى اليمين أو إلى الشمال، ثم عليك ان تتوقف او تعود أدراجك، بينما المستوطنون يصولون ويجولون في كل المناطق، بأسلحتهم ورشاشاتهم ومدافعهم. ومن القصص التي بدت سريالية ما روته سويف، عن منع سكان مدينة الخليل من دخول بيوتهم من مداخلها الأمامية، وليس أمامهم للعودة إلى البيت إلا القفز من الشبابيك الخلفية، كما يمنع عليهم إغلاق ابواب البيوت ليلا، بل يجب ان تبقى مفتوحة ومستباحة، إذا ان الجنود الإسرائيليين لهم الحق في الدخول والتفتيش ساعة يشاءون من الحادية عشرة ليلا وحتى الثالثة صباحاً من دون احتياج منهم للاستئذان». ليس ما روته أهداف سويف عن الحرم الشريف في القدس، بمختلف عما حكته عن مدينة الخليل. فعدا عن حواجز العزل والهدم، والحفر، الطرق الرئيسة الثلاث المؤدية إلى القدس، عليها مستوطنات، وسلوان المؤدية إلى الحرم أخذ 40% منها، والدخول إلى المسجد الأقصى محكوم ببوابة واحدة، ثم بممر ضيق وشروط تعجيزية تقررها السلطات الإسرائيلية التي تقول للسياح انها تفعل ذلك بسبب تزمت المسلمين. وحين حاولت مجموعة الأدباء الدخول، قيل لهم انه محظور إلا على المسلمين. اما المسلمون بينهم فقد طلب منهم إثبات إسلامهم، لم تقبل منهم الشهادتان وطلب من كل منهم قراءة الفاتحة. عندها، تروي سويف: «شعر ثلاثة منا، بغضب شديد، خاصة وان مسؤولا من الأوقاف كان يقف خلف الجندي الإسرائيلي، ويخبرنا ان ما بيده حيلة. عندها أخذنا ثلاثتنا نقرأ الفاتحة بصوت عال وصراخ جماعي، حتى أحرج الجندي، وأدخل للتخلص من صراخنا». بدت الكاتبة بعد رحلتها، وكأنها موقنة بأن الخطة الإسرائيلية لتفريغ الضفة سائرة قدماً، ولا يستطيع احد ان يوقفها، وتضيف: «صحيح انهم غير قادرين على إعادة ما فعلوه عام 1948 في الضفة الغربية، للتخلص من كل الفلسطينيين، لكن فصل مجموعة من السكان عن المدرسة والجامعة والمستشفى والدكاكين، هي عملية خنق مستمرة، تقلل عدد السكان تلقائياً. ثمة نموذجان في الخليل والقدس هما مختبران قائمان الآن، للخطة الإسرائيلية التي تطبق وستطبق لاستبدال العرب باليهود». كل ذلك روته أهداف سويف بكلمات مختارة، وكأنها لا تريد أن تتحدث بحرارة أو تغضب او تأخذ موقفاً يحسب عليها في إنجلترا كمعادية لليهود. لكن بدا الأمر في بلد مثل لبنان، وكأن الكاتبة تقدم قضية شديدة الاحتراق على طبق فاتر. يبقى انه يسجل لأهداف سويف موقفها ككاتبة عاشت في إنجلترا وكتبت بلغتها وعادت لتخدم قضيتها وأبناء شعبها، ولو بكلمات محسوبة وموزونة بميزان دقيق.