بدء ترميم جسر دير الزور المعلق وتجميله بعد 80 سنة من تشييده

الأشهر على الفرات والأول في نوعه بالقارة الآسيوية

صورة لجسر دير الزور المعلق بعد تجميله («الشرق الأوسط»)
TT

قبل حوالي 80 سنة، أي عام 1928 إبان فترة الانتداب الفرنسي على سورية، بوشر بتشييد الجسر المعلق على نهر الفرات بوسط مدينة دير الزور (شرق سورية) على مسافة 450 كلم من دمشق. وخصص هذا الجسر الفريد في نوعه آنذاك بعد إنجاز تشييده، الذي استغرق ثلاث سنوات، إذ دشّن في مارس (آذار) عام 1931، لمرور الناس وعربات الخيول والسيارات القليلة التي كانت في المدينة. ويُحكى أن أهالي المدينة أدهشهم هذا الجسر الضخم الطويل الذي يهتز تحت قدمي العابر وأدخل في قلوبهم الخوف من أنه سيقع حتماً وسيقعون معه في النهر. وبالتالي قاطعوه ولم يستخدموه، مما اضطر الجهة التي نفذته لاستقدام المهندس والطلب منه السير عليه مع أسرته جيئة وذهاباً أمام أهالي المدينة، كما مرّر عليه سيارته وسيارات أخرى. ثم قام المهندس ـ وهو فرنسي الجنسية ـ بتحدٍّ آخر لإقناع الأهالي بالسير على الجسر الجديد، إذ جلس تحته في زورق مع أفراد أسرته وطلب من قافلة سيارات تضم عشر سيارات العبور عليه، وهو في الزورق يطفو على نهر الفرات أسفل الجسر، وأمام الأهالي. ولما لم يسقط الجسر «العجيب» كما كانوا يعتقدون اقتنعوا أخيراً بالسير عليه!.. ومنذ ذلك التاريخ أصبح الجسر المعلق شعار مدينة دير الزور وعنواناً للزيارة والسياحة والسير عليه بالسيارات والآليات المختلفة والعربات والحناتير.

ونظراً لضيق الجسر وطوله، كان يجري تنظيم المرور عليه بشكل يومي من خلال اتصال هاتفي بين موظفين من بلدية المدينة يقفان على ضفتي النهر لتنظيم مرور السيارات بالدور حتى لا تلتقي سيارتان فوقه، إذ لا تسمح قلة عرض الجسر إلا بمرور سيارة واحدة كحال سكة القطار.

مع هذا، صار الجسر معلماً معمارياً للمدينة، وأخذ الأهالي يقيمون تحته المطاعم والمقاصف السياحية التي أطلقوا عليها تسمية خاصة هي: «الجراديق»، كما دخل الجسر في الذاكرة الشعبية للمدينة وصار مطربو المدينة يغنّون فوقه وأسفله في «الجراديق» الأغاني الفراتية الحزينة وأغاني العشق والحب والتودّد لنهر عظيم. وتفنّن الشعراء في كتابة قصائدهم النبطية والبدوية والفصيحة من أعلى الجسر، وهو يهتز تحت أقدامهم. كذلك استوحى العديد من فناني المدينة رسومهم من الجسر الشهير الذي غدا موضوعاً رئيسياً في أعمالهم الواقعية والانطباعية والرمزية والتعبيرية. وفوق هذا وذاك، كان الجسر وما زال محط اعتزاز أهل المدينة.. لا سيما أنه كان أول جسر معلّق يشيد في القارة الآسيوية ولا يزال الجسر الوحيد المعلق في سورية. ومع مرور الأيام والسنوات وزيادة الحركة على الجسر، مُنع مرور السيارات عليه، فخُصّص للمشاة من السياح والمتنزهين. ولكن الجسر شاخ بمرور الأيام، وصار لا بد من عملية تجميلية له، وهذا ما حصل فعلاً. فقد نفّذت إدارة الطرق في المدينة مشروعاً بتكلفة وصلت إلى عشرين مليون ليرة سوريّة لترميم الجسر وإصلاحه وتجميله وإعادة الشباب إلى أوصاله ومفاصله المعدنية وأسلاكه وأنواره، التي عادت لتضيء وتزهو مع ليالي دير الزور الرائعة، خاصة في فصل الربيع. وحول الأعمال التي أنجزت خلال الشهرين الأخيرين، علمت «الشرق الأوسط» من مديرة الطرق في المدينة أن بداية دراسة ترميم الجسر كانت عام 2003 حيث جرى التعاقد مع خبراء واستشاريين هندسيين لدراسة أعمال الترميم والإصلاح. وبعد ذلك، انطلق المشروع الذي أنجز في بداية العام الحالي 2008 وتضمن أعمال التجميل والترميم التي هيئت الجسر للاستخدام بدون أية مشاكل لـ75 سنة مقبلة أي حتى عام 2080 تقريباً. وتضمنت الأعمال إعادة تأهيل الجملة الإنشائية للجسر وتحقيقها لمرور آلية حتى وزن ثلاثة أطنان والتحقق من عمل الكابلات ومعدل مقاومة الخرسانة في الركائز الحاملة وإبدال حارة المرور وجريف الفتحات الطرقية وتنفيذ بلاليع مطرية وإزالة كافة الأعشاب والنباتات البسيطة من سطح الركيزة الوسطية وإعادة إعطاء الشكل الجمالي للقصر مع الكابلات وأعمال دهان وإنارة ليلية وتنفيذ طبقة اسمنت ملون تجميلي لأرضية حارة المرور وإبدال أجهزة الاستناد. وكان بينها أيضاً الإنارة التي أعادت للجسر تألقه في الليل حيث يمكن مشاهدة أنواره من مسافات بعيدة.