إيطاليا تعلن الحرب.. على النفايات

فرانك جيري باني متحف غوغنهايم يصمم موقدا لحرق القمامة

في شوارع نابولي يتعايش المارة مع أكوام القمامة (رويترز)
TT

يقال إن الرئيس الايراني أحمدي نجاد طلب مقابلة رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني، لكن المقابلة قد لا تتم لأن برلسكوني أعلن الحرب على النفايات في نابولي وانتقل اليها ليقود المعركة بعد أن وصل حجمها في الطرقات الى ثلاثين ألف طن. أزمة النفايات مستمرة منذ أواخر العام الماضي، رغم كل الاجراءات الطارئة والاستعانة بالجيش. آخر التطورات التي تستدعي الدهشة وربما الأسى والضحك في آن واحد، هي أن القضاة في نابولي دخلوا الى ساحة المعركة منذ أيام وأصدروا مذكرة اعتقال بحق مدير الشرطة في المدينة السندرو بانسا ومارتا دي جينارو مساعدة المفوض الاستثنائي غويدو برتولازو، الذي عينه برلسكوني أخيرا لحل الأزمة، بتهمة اتلاف النفايات خلافا للأصول الصحية! اشتهرت نابولي وبقية مدن مقاطعة كامبانيا بتاريخها العريق، ومواقعها الأثرية ومآكلها اللذيذة وجمال جزرها مثل كابري ومدنها السياحية الصغيرة المطلة على الشاطئ مثل سالرنو وأمالفي وبوزيتانو، لدرجة أن بلدية سالرنو اتصلت أخيرا بالمهندس المعماري الشهير فرانك جيري، باني متحف غوغنهايم في بلباو باسبانيا والابنية الحديثة في نيويورك والمسرح الموسيقي في لوس انجليس، لبناء موقد احراق القمامة، بشكل يضمن التقدم التقني والأمان البيئي والجمال الخارجي. لكن صورة مقاطعة كامبانيا وعاصمتها نابولي مازالت قاتمة بسبب أزمة النفايات وسيطرة الكامورا على جزء من التجارة والربا بالوسائل العنيفة المخيفة التي شاهدها المتفرجون في فيلم الكامورا، الذي عرض في مهرجان كان للسينما في الشهر الماضي ونال الاعجاب والتقدير. النتيجة هي تراجع السياحة وحجوزات الفنادق التي تعمل بأقل من نصف طاقتها هذه الأيام. من ناحيته رفض الاتحاد الاوروبي أمس خطة الحكومة الايطالية لتجميع وحرق النفايات، بحجة عدم ملاءمتها مع مبادئ الحفاظ على البيئة، ومن ناحية اخرى أعلنت قوى معارضة العولمة نيتها القيام بالمظاهرات اليوم في ضاحية كيايانو، ولو أدى ذلك للاشتباك مع قوى الأمن، ورفعت بعض الشرفات لائحات تقول «لا للطمر». يعلق بعض المتشائمين الساخرين بالقول ان استمرار التدهور الأمني والمعيشي قد يدفع بركان فيزوف الخامد قرب نابولي الى الاستيقاظ والثورة من جديد وطمر المدينة وتحويلها الى ركام مثل مدينة بومبي المندثرة، التي بقيت آثارها الفنية شاهدا على تقدمها في غابر الزمان. الحكومة اليمينية تريد حل الأزمة بسرعة وتهدد باستخدام القوة، لكن السلطات القضائية تقول بأنها ليست خائفة ولا تهتم بالتهديد ورئيس الجمهورية اليساري يحذر من الكارثة واللجان الشعبية في ضواحي نابولي ترفض التخلص من النفايات في الأماكن المقترحة وتتحدى برلسكوني، محذرة اياه من صب الزيت على النار.

يمكن تلخيص مواقف المشاركين في هذه المعركة المعقدة كما يلي: برلسكوني عقد أول اجتماع لحكومته الجديدة قبل أسابيع في نابولي تأكيدا على تصميمه حل المشكلة، وأعلن منذ أيام أن المطامر الجديدة للنفايات ستحفر رغم المعارضة في الأحياء وأن الجيش سيحميها، وأضاف «كل من تسول له نفسه استخدام العنف لمنع ذلك سيحاكم بتهمة استخدام العنف ضد الدولة». أما السلطات القضائية المحلية فقد فرضت نفسها وترفض الاعتراف بالسلطة الحصرية الوحيدة للمفوض الاستثنائي برتولازو. حين سيتولى الجيش بعد عشرة أيام حرق النفايات وتحويلها الى سماد زراعي ستتحرك القوى السياسية المتصارعة منذ سنوات، كما ستبدأ قوى الجريمة المنظمة أو المافيا النابوليتانية المسماة كامورا بالتيقظ لأن مضارباتها العقارية وأسعار الأراضي ستتأثر نتيجة فرض المطامر الجديدة وأفران اتلاف النفايات في أماكن لا تحبذها الكامورا مثل ضاحية كيايانو. والبعض يظن أن مستقبل حكومة برلسكوني سيتوقف على مدى نجاحها في حل الأزمة، ويتوقعون أن يقدم برلسكوني شيئا ما للقوى المحلية مقابل موافقتها على ما سيقترحه من حلول.

تعود جذور القضية الى عام 1993 حين انتخب اليساري انطونيو باسولينو عمدة لمدينة نابولي، وأطلق شعار احياء المدينة بعد تدهور استمر عشرات السنين مما أفسح المجال لعصابات الكامورا بالنمو والتوسع ومنافسة المافيا الصقلية، وبالفعل تحسنت الأمور وانتعشت السياحة والثقافة، لكن الأمر لم يتعد أكثر من ذلك بعد عشر سنوات من انتخاب باسولينو المتكرر، الذي جعله أطول الفائزين عمرا بمنصب العمدة (المحافظ) في ايطاليا بأجمعها، فمشكلة القمامة ومشروع تجميع النفايات وطمرها جرى تنفيذ قسم منه، لكن أفران الحرق التي تحول النفايات الى طاقة كهربائية لم ير النور، وأصبح لف النفايات بأكياس كبيرة ثم شحنها الى المانيا لحرقها هناك فرصة للبعض لكسب الأرباح، بينما بقيت المشكلة من دون حل دائم، وغدت المناكفة بين القوى اليسارية التي تؤيد باسولينو والقوى اليمينية التي تعارضه وتغلغل الكامورا بين الطرفين جزءا لا يتجزأ من لعبة السياسة المحلية، وربما غذت طموحات باسولينو بقيادة اليسار الايطالي بدل زعيمه الحالي والتر فيلتروني ميله الى التساهل مع بعض القوى السياسية والتجارية، مما أدى الى عدم اكتمال تنفيذ مشروع النفايات.