مؤتمر مخصص للألعاب التراثية في تونس

منها دور في دعم مؤسسة الزواج وازدهارها

العديد من الألعاب التراثية حافظت على حيويتها، وتمكّنت من عبور الأزمنة والأمكنة بالحد الأدنى من التحوير والتغيير («الشرق الأوسط»)
TT

في كل بيئة إنسانية تراث متميز صمد على مرّ الأجيال رغم الدور المتنامي للتكنولوجيا الحديثة من نقل واتصالات وتفاعل تربوي وثقافي في تقليص المسافات وطمس العديد من جوانب التفرد في كل بيئة. ومن الملامح التراثية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببيئاتها الطبيعية الموسيقى والغناء المحليان، والمآكل، والأزياء، وأنماط الحرف المختلفة. ولئن كان «الفولكلور» الشعبي في شقه الأدائي كالغناء والموسيقى والرقص مألوفاً، وقد شجّعته الحكومات عبر رعاية فرق شعبية خاصة وعامة، كما تشجع حكومات عديدة، ولا سيما في الوطن العربي منذ بعض، الوقت الصناعات الحرفية على مختلف أشكالها وأنواعها، فإن ثمة جانباً قلما يشار إليه هو اللعبات الشعبية التراثية.

الواقع أن العديد من اللعبات التراثية حافظت على حيويتها، وتمكّنت من عبور الأزمنة والأمكنة بالحد الأدنى من التحوير والتغيير. وبعض هذه اللعبات ـ أو الألعاب ـ يعود في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط إلى العصر الفرعوني والعصر الإغريقي، ومن المعروف أن الألعاب الأولمبية الحديثة التي بعثت في نهاية القرن التاسع عشر (1894) إنما بنيت على أساس التراث الإغريقي القديم في اليونان، حيث ظهرت أولى الإشارات إلى ألعاب ذات طابع رياضي تنافسي يمجّد القوة والسرعة والشرف في العام 776 ق.م.

حول هذا الموضوع المثير، ولإزاحة الغموض عن نشأة الألعاب التراثية في حوض المتوسط والكشف عن البعد الثقافي في ممارستها وتقصي مساراتها المختلفة في البلدان المطلة على المتوسط، انعقدت أخيراً في تونس تظاهرة الملتقى الأورومتوسطي الأول للألعاب التراثية، بمشاركة خبراء تراثيين من المغرب والجزائر ومصر وفرنسا وبلجيكا وايطاليا واسبانيا والبرتغال إلى جانب تونس البلد المنظم. وشملت ابحاث الملتقى الأشكال التطبيقية لتلك الألعاب من خلال عينات وأمثلة حية، البحث في إحصاء الألعاب التراثية مخلفاتها وآثارها الاجتماعية والنفسية إلى جانب قنوات التناقل التي تمكنت من إنقاذ بعض تلك الألعاب من التلاشي، والوقوف عند حيوية الألعاب التقليدية والبحث عن تفاعلها مع مسائل الترفيه المعتمدة على التكنولوجيات الحديثة.

وكان بين الإسهامات اللافتة من تونس بحث الدكتور عز الدين بو زيد الذي قارن بين الألعاب التراثية في العهد الروماني، عبر جرد كامل للفسيفساء الأثرية الموزعة على المناطق الأثرية التونسية، والعهد الحديث من خلال الاطلاع على الألعاب المميزة لكل منطقة على حدة، وبحث عن المنطق الداخلي لكل مجموعة من الألعاب، واستنتج أن تلك الألعاب تدخل ضمن الحياة الاجتماعية آنذاك، وهي مبنية على التواصل. وتمثل الألعاب عند الرومان القوة والتغلب على الصعاب، بالنظر لثقافة الحرب التي كانت مسيطرة في تلك العهود. لكن منطق تلك الألعاب لا يختلف كثيرا عن منطق اللعب في باقي المناطق المطلة على البحر سواء في الحاضر أو الماضي، فأرخبيل قرقنة التونسي (قبالة شاطئ مدينة صفاقس) على سبيل المثال تسيطر على ألعابه درجة ما من العنف وذلك باعتبار أن العنف مرادف للقوة، والجمهور يطالب بالعنف لأنه مرتبط بالقوة. وأضاف بو زيد أن لأهل الصحراء، على سبيل المثال، ألعابهم وكذلك لأهل الغابات. وإذا كانت الغاية الأساسية للألعاب التراثية مجرد الترفيه، فان عدداً من الألعاب الشعبية في تونس كانت تهدف أيضاً إلى المساعدة على تأسيس العائلات خاصة خلال مواسم الأفراح. إذ أنه من المعروف في الكثير من المناطق والأوساط التونسية وجود لعبة تسمى لعبة «العرّاسة» (بتشديد الراء) وهي عبارة عن مجموعة من العروض الاستعراضية ينقسم خلالها بعض الحاضرين إلى قسمين: قسم يساند زوج المستقبل (العروس) ويطلق عليه اسم «الترّاسة» (بتشديد الراء)، وقسم يساند زوجة المستقبل (العروسة) ويسمى «الصبايا». ويتنافس الطرفان على إيصال أي أجهزة تخصّ زوج المستقبل، وفي حالة وصول تلك الأجهزة فان الطرف الفاقد لها مطالب بتحمل العقوبات المترتبة عليها، وغالبا ما تكون متمثلة في القمح والشعير أو غيرهما من الحبوب والمواد الغذائية التي توجه إلى بيت العروسين الجديدين. وبذلك تكون اللعبة التراثية عبارة عن إعانة للزوجين دون إحراج لأي طرف من الأطراف، وهي صيغة ذكية للتضامن الاجتماعي.

كذلك تعرف سهرات العرس العديد من الفقرات التنشيطية مثل «النجمة» و«السهرية»، حيث تُلعب فيها لعبة «الزقارة»، وهذه تعتمد على العصيّ، ويتقابل فيها شابان يتبارزان لإظهار القوة والفتوة، وغالباً ما يعرضان ما يمتلكانه من فتوة الشباب، إبهاراً للصبايا والفوز بقلب احداهن. وتعتمد اللعبة على الخفة والرشاقة وهي لا تختلف كثيراً عن المبارزة بالسيف. وغالباً ما ينقسم الحاضرون إلى مناصر لأحد الطرفين مما يخلق أجواء مبهجة. كذلك كان لافتاً عرض منيرة الرزقي، الباحثة التونسية في علم الاجتماع، التي شرحت أن التعاطي مع الألعاب التراثية في تونس لا يزال يمتلك بريقاً خاصاً رغم الزحف التكنولوجي وظهور نماذج مركبة ومعقدة من الألعاب، فلا تزال بعض المناطق الريفية تحديدا تحتفي بتراثها المميز في مجال اللعب. وعدّدت منها: «الذيبة والنعاج» و«الخربقة» و«السبع حجرات» و«الصيد واللبة» و«الدجاجة العمياء» و«بيوت شاش» ولعبة «الخذروف» أو كما يطلق عليها اسم «الزربوط»، وكلها ألعاب تقليدية أو شعبية أو تراثية قادمة من تونس. وهي تنقسم إلى ألعاب فكرية وأخرى حركية، عبارة عن مجموعة من النشاطات التي تهدف إلى الترفيه وتعود إلى عصور قديمة. من جانب آخر، تحدث الباحث البلجيكي إريك دوفرواد عن الألعاب المحلية في إقليم «الفلاندر» (غرب بلجيكا) التي تتوزع بين العاب معتمدة على الكرات وأخرى تعتمد على القذف، التي أحصيت منذ عام 1973 وتعمل إحدى الجمعيات على المحافظة عليها وذلك تماشيا مع روح برنامج «اليونسكو» الموجه للمحافظة على التراث الثقافي اللامادي.