احذر.. لوحة الإعلانات تراقبك

لوحات إعلانية تحمل كاميرات تثير أسئلة حول خصوصية المارة

احدى اللوحات الإعلانية لأحد البرامج التلفزيونية ويظهر فيها مشاهد من البرنامج («نيويورك تايمز»)
TT

عند النظر إلى مجال الإعلان في الوقت الحاضر، نجد أن الفوز والتفوق عادة ما يكون من نصيب من يقومون بقياس كل شيء، مثل عدد الأفراد الذين يشاهدون إعلاناً معيناً، ومتى يشاهدونه، وإلى أي الفئات ينتمون. وتتميز مسألة إجراء هذه القياسات بالسهولة من خلال شبكة الانترنت، وتزداد سهولتها يوماً بعد آخر بالنسبة للتلفزيون ووسائل الإعلام المطبوعة. بيد أن اللوحات الإعلانية تشكل نمطاً مغايراً تماماً، ذلك أنه في الجزء الأكبر منها لا تزال تعتبر احدى بقايا الماضي الإعلامي. وتأتي أفضل التقديرات لنسب مشاهدة هذا النوع من الإعلانات من خلال الاعتماد على حسابات أعداد المشاة والتقارير الخاصة بحركة المرور على الطرق السريعة، والتي لا يعد أي منها ضماناً لأن الأفراد المارين ربما لا ينظرون بالفعل إلى لوحة الإعلانات، أو أنهم ينتمون إلى الفئة التي يستهدفها الإعلان.

والآن، أقر بعض المقاولين تقنية جديدة ترمي لحل هذه المشكلة، حيث عمدوا إلى تزويد اللوحات الإعلانية بكاميرات بالغة الضآلة بهدف جمع معلومات تفصيلية عن المارة بشأن نوعهم والفئة العمرية التي ينتمون إليها وفترة نظرهم إلى اللوحة. ويتم نقل هذه المعلومات إلى قاعدة بيانات مركزية.

ويقف وراء هذه التقنية الجديدة عدد من الشركات الجديدة الصغيرة التي نوهت بأنها لا تقوم بتخزين صور حقيقية للمارة، وعليه، ليس هناك ما يدعو للقلق فيما يتعلق بانتهاك الخصوصية. وأوضحت الشركات المعنية أن الكاميرات تستخدم برنامجاً يمكنها من تحديد وجود شخص يقف أمام اللوحة الإعلانية، ثم يبدأ في تحليل ملامح الوجه (مثل مستوى ارتفاع العظم الوجني والمسافة بين الأنف والذقن) بهدف تحديد نوع الشخص وعمره. يذكر أنه حتى الآن لا تهتم هذه الشركات بالعرق كمقياس، لكنها أعلنت قدرتها، بل وعزمها بالفعل على القيام بذلك. وأشارت الشركات إلى أن هدفها من وراء وضع هذه الكاميرات صياغة صورة رقمية (ديجيتال) تظهر للشخص الواقف أمام اللوحة الإعلانية ـ بمعنى إظهار إعلان لامرأة بيضاء في منتصف العمر، وآخر إلى فتى مراهق من أصول آسيوية. من ناحيته، أشار باولو براندوني، الذي أسس شركة كويفيدي، منذ عامين في باريس التي تقوم بتصنيع لوحات إعلانية لحساب شركات داخل الولايات المتحدة وخارجها، إلى أن: كل ما نقوم به غير معلن عنه إطلاقاً. يذكر أن كويفيدي والشركات المنافسة لها تنتج لوحات إعلانية رقمية (ديجيتال) صغيرة تقوم بتشغيل مقاطع فيديو صغيرة كإعلانات بهدف اجتذاب فئات محددة من الجمهور. يذكر أنه خلال عطلة «يوم الذكرى» (30 أيار)، تم تركيب كاميرات إنتاج شركة كويفيدي في لوحة إعلانات بالشارع الثامن بالقرب من كولومبوس سيركل، في مانهاتن كانت تعرض لقطات صغيرة من مسلسل «ذي أندروميدا سترين» الذي يجري عرضه على قناة «إيه. آند إي». من جانبه، قال: سام كوكس، 26 عاماً، الذي يعمل محامياً، عندما أوضح له مراسلنا الكاميرا المثبتة باللوحة، بصراحة، لم أر ذلك على الإطلاق. هذا أمر مثير للقلق، وأعتقد أن ذلك يعتبر انتهاكاً للخصوصية. وتتفق معه في هذا الرأي المنظمات المعنية بالدفاع عن حق الخصوصية، إلا أنه حتى الآن لا تزال إجراءات تثبيت كاميرات في اللوحات الإعلانية تجري على نطاق ضيق للغاية، وبالتالي لم تثر الكثير من الانتقادات. إلا أن مسألة تركيب كاميرات صغيرة في الأماكن العامة أثارت قدرا كبيرا من الاهتمام في لندن، حيث يجري استغلال الكاميرات في البحث عن الإرهابيين، وكذلك داخل منطقة لاور مانهاتن، حيث يجري تنفيذ مبادرة مشابهة. ومع أن كاميرات المراقبة أصبحت من الأمور المعتادة داخل المصارف والمتاجر والمكاتب، يحمل وجودها معاني مختلفة تماماً عندما يكون الهدف من ورائها بيع منتجات، وليس محاربة الجريمة. وعليه، نجد أنه في الوقت الذي قد تحل تقنية الكاميرات الملحقة باللوحات الإعلانية مشكلات يواجهها المعنيون بمجال الإعلانات، فإنها ربما تواجه صعوبات في الحصول على قبول الرأي العام. وتساءل كوكس قائلاً: أعتقد أن المرء يتوقع خضوعه للمراقبة عندما يدخل إلى متجر، لكن هنا في الشارع؟ وأضاف أنه ينبغي، على الأقل، تنبيه الناس إلى وجود الكاميرا والهدف منها.

يذكر أن التقنية التي أنتجتها شركة كويفيدي يجري استخدامها في محلات إيكيا داخل أوروبا ومحلات ماكدونالدز في سنغافورة. بيد أنها دخلت للتو إلى الولايات المتحدة، حيث توجد لوحة إعلانية أخرى من إنتاج كويفيدي في إحدى محطات النقل في فيلادلفيا تخص فريق فيلادلفيا سول لكرة القدم. وقد جرى تركيب اللوحتين من قبل شركة موتوميديا، التي يوجد مقرها في لندن وتعنى بتحويل المساحات الخاصة والشوارع إلى مساحات إعلانية. على الجانب الآخر، علق لي تين، أحد كبار المحامين لدى إليكترونيك فرونتير فونديشن، المعنية بالدفاع عن الحريات المدنية، على مسألة تزويد لوحات الإعلانات بكاميرات بقوله: أعتقد أن جزءا كبيرا من السبب وراء تقبلها أن الناس لا تعلم بأمرها. وكان بإمكانهم وضع الكاميرات بصورة تجعلها واضحة، لكن ليس هناك من يرغب في ذلك لأنه كلما زادت معرفة الناس بوجود الكاميرات، تتنامى احتمالات أن يشعروا بالخوف أو ربما يحاولون تجنبها. ما زاد الأمر تعقيداً أن الشركات المنتجة لهذا النوع من الكاميرات، مثل كويفيدي وتروميديا تكنولوجيز، اعترفت بأنه حال إدخال تعديلات تقنية طفيفة، يصبح من السهل استغلال هذه الكاميرات في تخزين صور حقيقية للأفراد الذين يقفون أمامها.

وبينما تقول الشركات إنها لا تنوي القيام بذلك، يرى تين أن الأمر يتجاوز مسألة النوايا، موضحاً أنه مع أن الشركات لا تخزن حالياً صوراً للأفراد، فإن بإمكانها القيام بذلك إذا ما اضطرت إلى ذلك بموجب أمر قضائي، على سبيل المثال. يذكر أن التقنية التي توفرها شركة تروميديا تعد نتاجاً فرعياً لبعض أنظمة المراقبة التي تستخدمها الحكومة الإسرائيلية. في الوقت الحاضر، تقوم الشركة، التي يتمثل شعارها في كل وجه له أهميته، باختبار الكاميرات داخل ما يقرب من 30 موقعاً على مستوى البلاد. من بين عملاء تروميديا شركة آدسبيس نتورك، التي تدير شبكة من الشاشات الرقمية (ديجيتال) داخل الأسواق التجارية وتختبر النظام داخل متاجر في تشسترفيلد ووينستون ـ سالم ومونروفيل. وتستعرض شاشات آدسبيس معلومات مثل أضخم صفقات بيع التجزئة التي تمت داخل السوق التجاري خلال اليوم وإعلانات عن شرائط «دي في دي» أو أفلام أو منتجات استهلاكية. داخل الدوائر الإعلانية بصورة عامة، قوبلت هذه الكاميرات بالترحيب باعتبارها حلاً لمشكلة كيفية تقدير مستوى فعالية اللوحات الإعلانية والتعرف على طبيعة الجمهور الذي يشاهدها. على سبيل المثال، بالنسبة للإعلانات التلفزيونية، تعتمد جهود التسويق على مؤشرات نيلسن، التي تساعد على تحديد متى وأين ينبغي وضع الإعلان. أما بالنسبة للوحات الإعلانية التي يتم وضعها على الطريق السريع، يميل مسؤولو التسويق إلى الاعتماد على الأرقام الخاصة بحركة المرور الصادرة عن وزارة النقل. أما بالنسبة للوحات الإعلانات المصممة من أجل المارة، ربما تلجأ الشركات المعنية باستئجار شخص ليقف بالقرب من اللوحة ليحسب عدد الأفراد الذين يمرون إلى جوارها. إلا أن الانترنت، التي يمكن للناشرين ووكالات الدعاية من خلالها التعرف على ردود أفعال الأفراد من خلال مجرد نقرهم على زر مخصص للأغراض الدعائية، أحدثت تحولاً هائلاً في الطموحات المرتبطة بقياس مستوى الإقبال على الإعلانات، الأمر الذي بدأ الآن في دفع اللوحات الإعلانية لدخول القرن الواحد والعشرين. وعلق جاي سلاتري، نائب مدير شؤون التسويق بشركة «إيه. آند إي» على الإعلان عن طريق الانترنت بقوله: الحياة الرقمية غيرت المشهد العام في ما يخص مستوى الدقة الذي يمكننا الحصول عليه بالنسبة لعدد من يشاهدون إبداعاتنا. ويرى سلاتري أنه مع وجود كويفيدي، هناك أمل في تحقيق مستوى مماثل من الدقة بالنسبة لمشاهدي اللوحات الإعلانية. من ناحية أخرى، فإنه حتى من دون وجود كاميرات، تتعرض اللوحات الإعلانية الرقمية لانتقادات شديدة، ففي مدن، مثل: إنديانابوليس وبتسبرج، تواجه شركات الإعلانات الخارجية انتقادات من قبل مجموعات تتهم اللوحات الإعلانية بتشتيت انتباه السائقين وإهدار الطاقة. وهنا خلاف حول ما إذا كانت اللوحات الإعلانية الرقمية تضطلع بدور في الحوادث على الطريق السريع، ومن المتوقع أن تنجز وحدة تابعة لمجلس أبحاث النقل دراسة حول هذه القضية هذا الخريف. يذكر أن هذا المجلس يشكل جزءاً من المجلس الوطني للأبحاث، وهو مؤسسة خاصة غير هادفة للربح.

في الوقت ذاته، تصاعدت مشاعر القلق حيال تأثير الكاميرات على حقوق الخصوصية، ففي بريطانيا، التي يوجد بها ما يقدر بـ4.2 مليون كاميرا تلفزيونية ـ ما يعادل حوالي كاميرا لكل 14 شخصا ـ تحولت الكاميرات إلى قضية سياسية ساخنة. أما اللوحة الإعلانية التابعة لشركة «إيه آند إي» في مانهاتن فقد أثارت ردود أفعال مختلطة، حيث أكد أنتوان توماس، 17 عاما، وهو طالب ثانوي، بعد أن تم إخباره بوجود الكاميرات: لا أرغب بأن أصبح جزءاً من التسويق. أعتقد أن هذا الأمر مخيف. لن أشعر بالأمان عند النظر إليها. بينما لم يبد مارة آخرون اكتراثاً بشأن الكاميرات. على سبيل المثال، قال ناثان ليكون، 25 عاماً، ضابط بالبحرية، إنه: من الممكن أن يشاهدك شخص ما في الشارع وأنت تنظر إليها (اللوحة) ـ ما الضرر إذاً في وجود كاميرا؟

* خدمة «نيويورك تايمز »